في كتابه الشهير "الخديعة الكبرى" يقول الكاتب والصحفي الفرنسي "تيري ميسان" أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر هي من نتاج العقلية الأمريكية, وأن إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش هي من كانت وراء تلك الحادثة, وانها استطاعت من خلال استغلالها وتكثيف الاضواء الاعلامية عليها , ونشر الأكاذيب المتمثلة في اتهام العرب بالمسئولية عنها ان تجد مبررا وان كان كاذبا لاحتلال دول إسلامية كأفغانستان والعراق.
حتى ما يسمى ب " محرقة الهولوكوست" فما هي الا خدعة يهودية كبرى, والخديعة هنا تكمن في عدد اليهود الذين أُحرقوا وقُتلوا في المحرقة وليس حدوث المحرقة من عدمه, فقد استطاع اليهود أن يخدعوا العالم, عندما نشروا الأكاذيب التي تدعي أن المحرقة قتلت ما يربو عن 6 ملايين يهودي. السؤال هنا: هل الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة وما تلاها من تداعيات تشبه السيناريو الملفق لأحداث 11 سبتمبر؟ بمعنى أدق هل حاول مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية على خامنئي والنظام الإيراني تضليل الرأي العام العالمي, خاصة قادة الدولة الغربية, وعلى وجه الخصوص إدارة الرئيس باراك أوباما؟ من أجل الاستفادة من أكبر مساحة زمنية ممكنة للاستفادة منها في استكمال البرنامج النووي الإيراني؟
هل تواطأ المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟ وهل خدع النظام الإيراني ومرشده ومرشحو الرئاسة, بمن فيهم أحمدي نجاد وموسوي وكروبي ورضائي الشعب الإيراني, والعالم الخارجي من أجل استكمال البرنامج النووي الإيراني؟ خاصة وأن الرئيس باراك أوباما قبل الانتخابات أمهل إيران حتى نهاية العام الحالي 2009م, لتقييم مدى جديتها في المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي, وتحديد الأسلوب الذي سيتعامل به مع القيادة الإيرانية في المرحلة المقبلة؟ خاصة مع تهديده أكثر من مرة بأن الخيار العسكري مطروح وبقوة في حالة عدم حدوث تقدم في تلك المفاوضات. الشاهد أن الانتخابات الإيرانية اذل ما ثبت صحة هذا التحليل تصبح خديعة كبرى, استطاع من خلالها النظام الإيراني, وعلى رأسه بالتأكيد مرشد الثورة علي خامنئي والمرشحون الأربعة للرئاسة أن يخدعوا الشعب الإيراني والعالم بأكمله في أن هناك تزويراً في الانتخابات لصالح المرشح محمود أحمدي نجاد من أجل الاستفادة بوقت كاف لاستكمال المشروع النووي, وتلك أبرز الدلائل التي توضح الخديعة الإيرانية الكبرى:
o تعمد النظام الإيراني الإعلان عن نتيجة الانتخابات الرئاسية, وفوز محمود أحمدي نجاد الساحق, بنسبة 62.6%، مقابل أقل من 34% لمنافسه مير حسين موسوي", وذلك بعد وقت وجيز للغاية من إغلاق صناديق الاقتراع، مما دعا العديد من الإيرانيين, إلى عدم تصديق تلك النتائج، فضلاً عن إعلان السلطات الإيرانية عن تقدم نجاد على منافسيه في مدنهم بفارق كبير، وهو ما أمر لا يمكن تصديقه. وكان ذلك أول الأخطاء التي وقع فيها النظام الإيراني في مسلسل الخديعة الكبرى, حيث إنه لم يستطع "حبكها" على الوجه الأكمل.
o أجرى الكاتبان الأمريكيان كين بالين وباتريك دوهيرتى (الأول يترأس معهد غد من غير إرهاب, والآخر نائب مدير برنامج الإستراتيجية الأمريكي في مؤسسة أمريكا الجديدة) تقريراً في صحيفة واشنطن بوست حول الانتخابات الإيرانية أوضحا من خلاله نتائج الانتخابات الإيرانية أنها تعكس إرادة الشعب الايرانى الحقيقية, فقد عرض الكاتبان خلال التقرير حقائق عن استطلاع للرأي أجرياه في إيران يوم الانتخابات, والذي أشار إلى وجود هامش تفوق للرئيس الإيراني على منافسه مير حسين موسوي بنسبة عالية وهو ما أكدت عليه نتائج الانتخابات.
وأوضح الكاتبان أن النماذج العلمية التي حصلا عليها من محافظات إيران أظهرت بوضوح تقدما كبيرا لأحمدي نجاد علي منافسه الإصلاحي مير حسين موسوي, كما دحض الكاتبان الفكرة التي تم الترويج لها بقوة عن تأييد فئة الشباب لموسوي بالقول إن المسح الذي أجرياه كشف عن أن أقوى كتلة تصويت لأحمدي نجاد من بين كل الفئات كانت فئة الشباب, وهو ما أكدته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
حيث كشفت عن استطلاع للرأي أُجري قبل الانتخابات بثلاثة أسابيع أشار إلى أن أقوى كتلة تصويت لأحمدي نجاد من بين كل الفئات كانت من الشباب, حيث تقدّم الرئيس أحمدي نجاد بهامش 2 إلى 1%"، مؤكدة أن "هذه النسبة تزيد على الهامش الذي فاز به في انتخابات الأخيرة", كما أوضحت الصحيفة أنه "رغم تصوير المراسلين الأجانب في طهران حماس الشعب الإيراني للمرشح الإصلاحي ورئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي، فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجروها في محافظات إيران المختلفة تقدم الرئيس أحمدي نجاد على منافسيه".
o قبيل إجراء الانتخابات الإيرانية بأيام قليلة للغاية أقدم عدد من رجال الدين ذوي الشأن في إيران على إصدار فتاوى تبيح تزوير الانتخابات الإيرانية لصالح المرشح المتشدد محمود أحمدي نجاد, في تمثيلية هزلية, تمهيداً لإثارة مؤيدي المرشحين المنافسين لنجاد, وإحباك الخديعة الكبرى.
o أما عن المظاهرات التي تلت الإعلان عن نتيجة الانتخابات فقد تميزت بأنها مزجت بين قيادة لها مناصب كبيرة في الدولة الإيرانية, والتي كانت منذ وقت قصير أقرب المقربين إلى مرشد الثورة, فقد جاء انضمامهم جنباً إلى جنب مع مؤيدي منافسي أحمدي نجاد في التظاهرات على عكس المظاهرات التي شهدتها إيران في صيف 1999, والتي كانت بين الشعب من جهة وقوات الأمن والنظام من جهة ثانية ليطرح تساؤلات وشكوكاً كبيرة.
o أما من يتحدث عن أن تزوير الانتخابات جاء نتيجة خوف النظام من ثورة جديدة في إيران, والتي وصفوها "بالثورة المخملية", فلا ينبغي لهؤلاء أن ينسوا أن موسوي وأفكاره الإصلاحية وليبراليته, ليس معادياً للنظام القائم، علماً بأنه كان وزيراً للخارجية, كما كان رئيساً للوزراء خلال الحرب العراقية الإيرانية، كما أنه من أقرب المقربين لرئيس مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور آية الله هاشمي رفسنجاني, فقد كان مستشاراً للأخير خلال الفترة من 1989 إلى 1997.
o كما أن طريقة المرشح الإصلاحي المهزوم مير حسين موسوي في تعامله مع تداعيات الانتخابات الرئاسية, وتردده في استكمال الاحتجاجات, والمظاهرات تثير الشك والريبة, فمرة يعلن أنه لن يستسلم لأي ضغوط, معلناً عن ضرورة مواصلة الاحتجاجات, والمظاهرات, ومرة أخرى يستكين ويطالب مؤيده بعدم التظاهر, أو حتى النزول إلى الشوارع!
o الصمت المريب لرئيس مجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور آية الله هاشمي رفسنجاني, والذي يعتبر أقوى شخصية في إيران, تمتلك الحل والربط لأي مشكلة, فعدم تدخله فيما تشهده إيران من اضطرابات يثير الكثير من الأسئلة والشكوك حول هذا الصمت, كما أن رفسنجاني أعلن قبيل الانتخابات عن دعمه المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي, وقد جاء هذا الدعم مع تشكيك المرشح المتشدد أحمدي نجاد له ولنجله بالفساد.
o رغم وقوع عدد قليل من الضحايا خلال المظاهرات, إلا أن الصحفي ومراسل صحيفة الإندبندنت البريطانية في إيران روبرت فيسك أبدى تعجبه من قيام القوات المسلحة الخاصة للجمهورية الإسلامية, والتي دائما ما تتحالف مع قوات الباسيج، إبداء استعدادها هذه المرة لحماية جميع الإيرانيين سواء كانوا من أنصار أحمدي نجاد أو من أنصار موسوي.
o النظر إلى حجم الاحتجاجات وتردد السلطات الإيرانية في مواجهتها يطرح علامات استفهام كبيرة بشأنها, خاصة وأن السلطات الإيرانية كانت لها تجارب مع عددٍ من التظاهرات, والاحتجاجات الكبيرة, استطاعت خلالها وبنجاح قمعها, مثل مظاهرات الطلبة في أعوام 1999 و 2003 و 2008.
o توازت كل تلك الأحداث مع إعلان الكثير من الخبراء والمهتمين بأن إيران على وشك الانتهاء من صنع قنبلة نووية, خاصة مع ظهور تقارير تشير إلى أن ايران دخلت فى المراحل الاخيرة من تطوير قدراتها لإنتاج قنبلة نووية, ففى تقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية مطلع الشهر الجاري قال ان إيران زادت عدد أجهزة الطرد المركزي لديها إلى ما يقرب من 5 آلاف جهاز وباتت تمتلك من اليورانيوم ما يكفيها لصنع قنبلة نووية
حيث زادت معدل إنتاجها من اليورانيوم منخفض التخصيب، مما عزَّز مخزونها من هذه المادة بحوالي 500 كيلوجرام خلال الأشهر الستة الماضية، ليصل إلى 1339 كيلو غرام، وهذه الكمية تتجاوز ما يلزم لإنتاج قنبلة ذرية واحدة, وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس عندما أعلن أن بلاده لديها قلق متصاعد حيال التقدم الذي تحرزه إيران في برنامجها النووي، وبرامجها للصواريخ الباليستية.
o تشير الدلائل السابقة إلى أن النظام الإيراني تعمّد تزوير الانتخابات, بمساعدة مرشحي الرئاسة بمن فيهم الإصلاحي مير حسين موسوي, من أجل إثارة الشعب الإيراني, وخداعه, والعالم الخارجي, حتى يستطيع النظام الإيراني الهروب من المدة التي أمهلها إياه الرئيس الأمريكي باراك أوباما والتي حددها في نهاية هذا العام.
وأعتقد أن السيناريو السابق حبكه كل من رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني وقائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي وبحرفية شديدة _ رغم الأخطاء السابقة _ خلال اجتماع جمعهما قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية بسويعات قليلة.