أول تحرك ل"المحامين" بعد مقتل محام بكفر الشيخ على يد خصوم موكله    رئيس "الشيوخ" يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى    شيخ الأزهر يهنئ الأمة الإسلامية بعيد الأضحى ويطالب المجتمع الدولي بوقف غير مشروط للعدوان على غزة    هيئة الرعاية الصحية تعلن عن خطتها للتأمين الطبي بالمحافظات خلال عيد الأضحى    احتياطي النقد الأجنبي لمصر يرتفع إلى 48.526 مليار دولار في مايو    بعد قليل.. بدء المؤتمر الصحفي لرئيس الحكومة بعد الاجتماع الأسبوعي    مصر تستضيف النسخة الرابعة من "صحة إفريقيا" في يونيو 2025    رسميًا إطلاق خدمات الجيل الخامس في مصر.. كل ما تريد معرفته عن السرعة والتحميل والباقات    جامعة مصر للمعلوماتية تتعاون مع جامعة لانكستر البريطانية لتعزيز الشراكات الأكاديمية العالمية    الأمين العام للناتو يعلن رفع سقف طموحات الحلف الدفاعية    نائب بريطاني يقدم مشروع قانون للتحقيق في تورط لندن بحرب غزة    ما تفاصيل مشروع قرار مجلس الأمن المرتقب بشأن غزة؟    "لم يتم إخطارنا".. برشلونة يرد على أنباء معاقبته من "يويفا"    «بن رمضان» في مواجهة توانسة الأهلي.. الأرقام تحذر معلول    إنتر ميلان يفتح قنوات الاتصال مع فابريجاس لتدريب الفريق    123 ساحة ومسجد.. أماكن صلاة عيد الأضحى في السويس    إغلاق ميناء الغردقة البحري لسوء الأحوال الجوية    مها الصغير تتقدم بشكوى رسمية ضد مواقع إخبارية    طرح البوستر الرسمي لفيلم "آخر راجل في العالم"    حسام حبيب: مشكلة جودة أغنية "سيبتك" قد يكون بسبب انقطاع النت أو الكهرباء    محافظ المنيا يزور مديرية الصحة ويتابع سير العمل داخل الإدارات والأقسام    «قد يحسم أمام العراق».. حسابات تأهل منتخب الأردن مباشرة ل كأس العالم 2026    بيراميدز يجدد عقد المغربي وليد الكرتي موسمين    نجم الزمالك السابق يحذر من خماسي بيراميدز قبل نهائي الكأس    الزمالك يفسخ التعاقد مع مدافع الفريق رسمياً    عراقجي لأمين عام حزب الله: إيران مهتمة بمساعدة لبنان    زلازل وعواصف وجفاف.. هل تستغيث الأرض بفعل تغيرات المناخ؟    بورتو منافس الأهلي يكشف عن زيه الاحتياطي فى مونديال الأندية.. فيديو    وفاة الضحية الرابعة في حادث كورنيش المقطم    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    مجلس الوزراء يوافق على اتفاقية مع الاتحاد الدولي للاتصالات لتحقيق التنمية الرقمية    توريد 500 ألف طن قمح في المنيا منذ بداية الموسم    قصور الثقافة تنظم برنامج فرحة العيد للأطفال بالمناطق الجديدة الآمنة    «بيحبوا المغامرة».. 4 أبراج تستغل العيد في السفر    وزير الثقافة ل«الشروق»: لا غلق لقصور الثقافة.. وواقعة الأقصر أمام النيابة    دعاء يوم التروية 2025.. أدعية مستحبة ومعلومات عن فضل اليوم الثامن من ذي الحجة    لضبط التنقيب العشوائي.. إزالة 32 طاحونة ذهب بوادي عبادي في حملة موسعة بإدفو    الصحة: قرارات فورية لتيسير علاج المرضى ب"جوستاف روسي"    البابا تواضروس يهنئ رئيس الوزراء بعيد الأضحى المبارك    تبدأ بنقل وقفة عرفات .. تفاصيل خريطة عرض شاشة MBC مصر في عيد الأضحي    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    تزايد الضغط داخل مجلسي الكونجرس الأميركي لتصنيف جماعة الإخوان "إرهابية"    استهداف 3 عناصر خطرة خلال مواجهة نارية مع الشرطة في أسيوط    بالأسماء.. 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج في عيد الأضحى    28 فرصة و12 معيارًا.. تفاصيل منظومة الحوافز الاستثمارية للقطاع الصحي    «جبران»: قانون العمل الجديد يرسخ ثقافة الحقوق والحريات النقابية    تحرير 911 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    سيد رجب يشارك في بطولة مسلسل «ابن النادي» إلى جانب أحمد فهمي    مسابقة لشغل 9354 وظيفة معلم مساعد مادة «اللغة الإنجليزية»    محافظ أسيوط يشارك أطفال معهد الأورام فرحتهم بقرب حلول عيد الأضحى    أنشطة ثقافية ومسرح وسينما فعاليات مجانية لوزارة الثقافة فى العيد    تكبيرات عيد الأضحى 2025.. تعرف على حكم التكبير فى العيدين بصيغة الصلاة على النبى    أيام الرحمة والمغفرة.. ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    كامل الوزير: انتقال زيزو للأهلي احتراف .. وهذا ما يحتاجه الزمالك في الوقت الحالي    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمن المائي المصري في عالم متغير / د.محمد سالمان طايع
نشر في محيط يوم 30 - 05 - 2009


الأمن المائي المصري في عالم متغير



* د‏.‏ محمد سالمان طايع

يشهد متغير المياه اهتماما متصاعدا في السياسة الدولية منذ سبعينيات القرن العشرين‏,‏ وذلك في إطار الاهتمام الدولي بقضايا البيئة‏,‏ بدءا بانعقاد مؤتمر استوكهولم للبيئة عام‏1972,‏ وما تبعه من كتابات خلال العقود الثلاثة الماضية‏,‏ سواء في الأدب الاقتصادي‏,‏ أو في الأدب السياسي‏.‏

ومن هنا‏,‏ بدأت المياه المشتركة بين الدول تأخذ أهمية استثنائية في العلاقات الدولية‏..‏ فقد صار ينظر إلي متغير المياه باعتباره أحد العوامل الرئيسية التي باتت تهدد علاقات حسن الجوار والتعاون الإقليمي فيما بين الدول المتشاطئة لأحواض الأنهار الدولية‏.‏ وفرضت مشكلة المياه نفسها كواحدة من الموضوعات الرئيسية التي تحمل آمالا في التعاون المستقبلي‏,‏ أو تنذر بقيام صراعات دولية‏,‏ ونشوب حروب بشأنها‏,‏ خاصة في ظل محدودية الموارد المائية للدول التي تتقاسم الأنهار الدولية المشتركة‏.‏ وبالنظر إلي النظام الإقليمي المائي لحوض نهر النيل‏,‏ نجد أنه تجسيد واضح لتداخل التفاعلات المائية الدولية التعاونية مع التفاعلات الصراعية‏.‏

فبالرغم من أن حوض النيل يتلقي كميات من الأمطار السنوية تصل إلي ما يزيد علي‏1600‏ مليار م‏3,‏ إلا أن الإيراد السنوي لذلك النهر لا يزيد علي‏84‏ مليار متر مكعب فقط‏,‏ تحصل منها مصر علي حصة ثابتة ومستقرة تبلغ‏55,5‏ مليار م‏3,‏ في حين تحصل السودان علي‏18,5‏ مليار م‏3.‏

بيد أن هذه الأنصبة المائية المذكورة التي أصبحت واحدة من الركائز المهمة للأمن المائي المصري بصفة خاصة وإحدي دعائم الأمن القومي المصري بصفة عامة أصبحت محل رفض وتشكيك من جانب بعض دول منابع حوض النيل خلال الآونة الأخيرة‏..‏ ولقد تزايدت مطالب هذه الدول بضرورة تعديل الأطر القانونية الحاكمة والمنظمة لمياه النيل‏.‏

وحرصا من مصر علي ضرورة استدامة علاقات التعاون بينها وبين الدول النيلية الأخري‏,‏ بما لا يتعارض مع الأمن القومي المصري‏,‏ ودونما التفريط في حقوقها الثابتة والمكتسبة في مياه النيل‏,‏ فقد دخلت مصر منذ عام‏2001‏ في عملية تفاوضية مع دول حوض نهر النيل بهدف التوصل إلي اتفاقية إطارية تنظم إدارة الموارد المائية في الحوض من مختلف الأوجه‏,‏ ولاتزال المفاوضات مستمرة حتي الآن‏.‏

وبتحليل السلوك التفاوضي لدول منابع حوض النيل‏,‏ لوحظ أن هناك ثلاث قضايا خلافية حالت دون التقاء وجهات نظر تلك الدول مع دولتي المصب‏(‏ مصر والسودان‏),‏ وظلت تلك القضايا تشغل حيزا بين الشد والجذب‏,‏ بين القبول والرفض‏,‏ بين التقابل والتنافر‏,‏ وكانت تلك القضايا الخلافية بمثابة مناظرات فكرية وسياسية وقانونية واقتصادية وهيدرولوجية‏,‏ ما بين دول منابع حوض النيل من ناحية‏,‏ وبين دولتي المصب والمجري‏(‏ مصر والسودان‏)‏ من ناحية ثانية‏.‏

تمثلت القضية الأولي في المواقف من مشروعية اتفاقيات مياه النيل السابقة‏..‏ فبالنسبة لدول منابع النيل‏,‏ فإنه يمكن تقسيمها حسب مواقفها من اتفاقيات مياه النيل السابقة إلي فئتين رئيسيتين‏:‏ فئة القبول بالأمر الواقع‏,‏ ويندرج في هذه الفئة كل من‏:‏ رواندا وبوروندي وإريتريا والكونجو الديمقراطية‏..‏ وهي الدول التي تميل إلي تبني مواقف غير تصعيدية بشأن الصراع المائي الدولي في حوض النيل حول مشروعية اتفاقيات مياه النيل‏,‏ أما الفئة الثانية‏,‏ فهي فئة الرفض والمطالبة بالتغيير‏,‏ ويتمحور موقف هذه الفئة في رفض اتفاقات مياه النيل السابقة‏,‏ والمطالبة بإسقاطها نظرا لكونها أبرمت في الحقب الاستعمارية‏,‏ ومن ثم‏,‏ تدعو إلي بطلان تلك الاتفاقات وإحلالها باتفاق جديد‏.‏

وفي المقابل‏,‏ تؤكد دولتا المصب والمجري‏(‏ مصر والسودان‏),‏ والتي تؤكد مشروعية تلك الاتفاقات استنادا إلي مبدأين رئيسيين في القانون الدولي العام‏,‏ وهما‏:‏ مبدأ التوارث الدولي للمعاهدات ومبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة‏.‏

أما القضية الخلافية الثانية‏,‏ فتتمثل في الموقف من تقاسم مياه النيل‏,‏ وفي هذا الصدد‏,‏ أكدت وجهة نظر بعض دول المنابع ضرورة إعادة النظر في الكيفية التي يتم علي أساسها تقسيم مياه النيل‏.‏ ومن ثم‏,‏ تطرح تلك الدول معايير للتقاسم تري أنها الأولي بالاتباع عند توزيع الأنصبة المائية في نهر النيل‏,‏ مثل مدي الإسهامات المائية لكل دولة في الإيراد المائي للنهر‏,‏ ومساحة الحوض النهري في كل دولة‏,‏ بحيث لا يكون الإيراد المائي للنهر مقصورا علي دولتي المصب والمجري‏.‏

كما تنادي بعض دول منابع النيل خصوصا في الآونة الأخيرة بالأخذ بمبدأ بيع المياه دوليا‏,‏ مؤكدة أنه إذا كانت مصر والسودان تصران علي الاحتفاظ بحصتيهما المائية‏,‏ فعليهما أن يدفعا ثمنا مقابل ذلك‏.‏

وفي المقابل‏,‏ تمحورت وجهة نظر دولتي المصب حول حجتين بشأن كيفية تقاسم مياه النيل‏,‏ الحجة الأولي‏,‏ وتستند إلي الأخذ بمبدأ الانتفاع العادل والمنصف بموارد النهر المائية والطبيعية‏.‏

ومن ثم‏,‏ فإن الطرح المصري يؤكد ضرورة تبني مفهوم الحوض المائي وليس المجري المائي‏,‏ انطلاقا من أن مفهوم حوض التصريف الدولي يأخذ في اعتباره المياه السطحية‏(‏ والتي تشمل‏:‏ الأنهار‏,‏ البحيرات‏,‏ البرك‏,‏ المستنقعات‏)‏ والتي تعرف بالمياه الزرقاء‏,‏ فضلا عن المياه الجوفية المتجددة وغير المتجددة‏,‏ علاوة علي المياه التي تسهم في إرواء النباتات والغابات والأشجار والحيوانات‏,‏ والتي تعرف بالمياه الخضراء‏.‏

أما المجال الثالث‏,‏ من مجالات التفاوض‏,‏ والذي مثل مسألة خلافية في الرؤي النيلوية‏(‏ المنابع المصب‏),‏ فيتمثل في الصراع حول مدي لزومية شرط الإخطار المسبق عند القيام بمشروعات مائية قطرية فردية أو جماعية علي مجري الحوض المائي للنهر‏,‏ حيث تصر مصر والسودان علي ضرورة إعمال شرط الإخطار المسبق بشأن جميع المشروعات المائية في حوض نهر النيل‏,‏ وذلك إعمالا لمبدأ أصيل من مبادئ القانون الدولي العام الذي أقره العرف الدولي ونصت عليه الاتفاقات الدولية‏,‏ وأكده الفقه والقضاء الدوليان‏,‏ وهو مبدأ عدم التسبب في ضرر‏.‏

واستنادا إلي ذلك المبدأ‏,‏ تؤكد مصر ضرورة التزام دول المنابع بالإخطار والتشاور المسبق مع مصر كشرط سابق قبل أن تزمع أي من هذه الدول في الشروع في تنفيذ مشروعات مائية قطرية‏.‏

وفي المقابل‏,‏ تصر دول المنابع النيلية علي عدم التقيد بالإخطار المسبق كشرط سابق عن أي مشروعات مائية تزمع علي إنشائها‏,‏ وذلك انطلاقا من قناعتها بأن الالتزام بهذا الشرط‏,‏ يعني تقييدا لحريتها‏,‏ وانتقاصا لسيادتها‏,‏ كما أنه يعوق مشروعاتها التنموية‏.‏ وتكشف متابعة السلوك الهيدروبوليتيكي‏(‏ السياسي المائي لدول منابع حوض النيل حيال شرط الإخطار المسبق‏,‏ انها تتبني منهج ما لا يدرك كله يترك كله‏,‏ فإما أن يتم تطبيق شرط الإخطار المسبق بشكل تبادلي‏,‏ أي أن يكون التزامها بإخطار مصر مسبقا بأي مشروعات مائية مرهون بالتزام مصر بالتشاور المسبق معها عند إقامة أي مشروعات مائية‏,‏ أو أن تتحرر دول المنابع من أي التزام بالتشاور المسبق مع مصر بشأن إقامة المشروعات المائية القطرية‏.‏

إن تحليل المواقف التفاوضية لدول المنابع يكشف عن أنها تنطلق من مسلمات تاريخية مثلت بالنسبة لهذه الدول ثوابت سياسية يصعب التحرك خارجها‏,‏ أو التنازل عنها‏,‏ أو التفريط فيها‏,‏ وهو ما ينطبق إلي حد بعيد علي السلوك التفاوضي المصري والسوداني‏,‏ الأمر الذي قد يجعل من تلك المفاوضات‏,‏ كما لو أنها مباراة صفرية العائد‏.‏

بيد أن ما يدعونا للتفاؤل قليلا‏,‏ هو أن الإطار العام الذي انطلقت في سياقه تلك المفاوضات تمثل في مبادرة حوض النيل‏NBI),)‏ التي تقوم علي منهج‏(‏ اربح اربح‏),‏ وهو المنهج الذي أسهم خلال الآونة الأخيرة في تحقيق مكاسب واضحة في مجالات بناء الثقة والتفاهم المشترك‏,‏ وتوحيد لغة الحوار بين دول حوض النيل‏.



*كلية الاقتصاد والعلوم السياسية-جامعة القاهرة
جريدة الاهرام - 30/5/2009



انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.