الشيخ الطاهر الفيتوري قال الله عز وجل: (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما) [طه:111].
لا أريد أن أقحم نفسي في موضوعات أمنية بالغة التعقيد و الحساسية، والتي قد تجر إلى ما لا يحمد عقباه، ولكن من باب المشاركة الوجدانية، وشيئا من المواسة لكل جريح ومكلوم، وأداء لحق النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتذكير بالله عز وجل.
دعونا نتحدث اليوم عن نفوس أرهقها تعب انتظار الغائب المفقود وترقب المغيب قسرا، دعونا نتحدث عن نفوس تقرحت جراحها من كثرة ما أصابها من وهج الشمس الحارق وهي تطوف بين مكاتب الأمن والأماكن التي يظن أنها قد تكون مصدر معلومة تدخل الطمأنينة على قلب أم غاب عنها نور عينيها وفلذة كبدها سنين طويلة، فهي لا تدري ما فعل به، ولا تدري ماذا حل به، ولا تدري أين هو اليوم، أهو فوق الأرض فترجوا رأيته؟ أو تحت الأرض فتبكيه عمرها كله حتى تلقى الله تعالى؟
وكأن لسان حالها يقول ما قاله الشاعر:
وقالوا: قد جننت؟ فقلت كلا *** وربي ما جننت، ولا انتشيتُ
ولكني ظلمت، فكدت أبكي *** من الظلم المبين، أو بكيتُ
دعونا نتحدث اليوم عن رجال هم أبناء للوطن، كان قدرهم أن يكونوا ضحية يد الأمن وقوته الباطشة، والتي كثيرا ما تكون عمياء صماء بكماء تبطش بكل من حامت حوله شبهة أو ورد له اسم في قوائم المغضوب عليهم، فكان مصيرهم غياهب السجون وسراديب الظلام، حيث الداخل مفقود، والخارج –إن خرج- مولود.
تلك حقبة ذكرها يسوء كل ليبي محب لهذا الوطن وأهله، حقبة أريد لها أن تنسى وتطوى وتدخل مزبلة التاريخ لشؤمها على البلاد والعباد!
لذا رحبنا وهللنا وسعدنا بالنقلة النوعية الأخيرة نحو التصالح والتصارح والتناصح...وقلنا نعم لليبيا الغد والمستقبل، ولكن لا تزال هناك نفوس تأبى إلا أن تكون مؤذية، وهناك أيد تأبى إلا أن تتلطخ بدماء الأبرياء، وهناك عقول ركبت على حب البطش بالآخرين والتلذذ بإيذائهم.
فهل لهم من رادع؟ وهل من قادر على كبح جماحهم وغل أيديهم؟ لينعم الجميع في سلام دائم يعم أرجاء الوطن؟
فإن من أسوإ الظلم ظلم الإنسان لأخيه الإنسان حين يستضعفه ويحقره ويخذله، فلا يرحم ضعفه، ولا يرقب فيه إلا ولا ذمة.
وإن الظلم لهو من أسوأ ما يحمله الإنسان معه إلى قبره، ثم هو بعد ذلك يلقى به ربه، و ما أكثر ما يحصل بين الناس اليوم من مظالم!
قال سبحانه في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا...) [جزء من حديث رواه مسلم في البر والصلة، رقم: 2577].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه وماله؛ فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه حين لا يكون دينار ولا درهم؛ فإن كان له عمل صالح أخذ له منه بقدر مظلمته، وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه) [رواه البخاري في المظالم، باب من كانت له مظلمة عند رجل].
وفي هذا المعنى جاء عند الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون من المفلس؟) قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته؛ فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه؛ أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) [رواه مسلم في البر والصلة، حديث رقم: 2581].
كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: (أما بعد؛ فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم؛ فاذكر قدرة الله تعالى عليك...) [سير اعلام النبلاء].