لبنان بين الأمس واليوم احمد عمرابي «في أواخر عقد الخمسينات من القرن الماضي حوَّلت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مدينة بيروت إلى امتداد لمقر رئاسة الوكالة في لانغلي بالولاياتالمتحدة. عملاء الوكالة وآخرون عاملون معهم تحت غطاء سري أصبحوا أسياد المدينة.
وإلى جانب هؤلاء كان بيل ايغلاند وكيم روزفلت وجيمس باراكس وجيمس ايشلبير وغصن زغبي وسمير سوكي، وكلهم من المقربين لرئيس الجمهورية كميل شمعون، يتحركون علنا ضد الناصرية وجمال عبدالناصر، أكثر الزعماء شعبية في ذلك العصر، وقد أفرز تطابق المصالح بين حكومة شمعون وعملاء الاستخبارات الأميركية مناخاً قبيحاً أدى لتغيير هوية بيروت.
فقد صارت مدينة لوكالة الاستخبارات الأميركية حيث كان سائقو تاكسي وعمال مقاهٍ وقوادون وعاهرات ونواب برلمانيون ووزراء يشترون ويبيعون معلومات إلى من يدفع».
هذه لقطة من كتاب «صداقة وحشية» للمؤرخ والمحلل العربي سعيد أبو الريش.
أرجو أن تعيد قراءة اللقطة لتتساءل بعد ذلك: هل تغير شيء في لبنان اليوم بالمقارنة مع لبنان قبل نحو نصف قرن من حيث الاستعمار السياسي اللبناني؟ ربما لا نكتشف سوى أن الهيمنة الأميركية على المسرح السياسي اللبناني أصبحت أشد جسارة مما دعا إلى ترقية التدخل الأميركي اليومي في الساحة اللبنانية من مستوى مسؤول قيادي في وكالة الاستخبارات المركزية إلى مستوى السفير الأميركي دون توقف النشاط الاستخباراتي الأميركي.
قبل بضعة أيام لخص أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله أبرز نقاط المشروع الأميركي في لبنان اليوم. يقول نصر الله: يريدون سلطة موالية تابعة لهم تنفذ أوامرهم وتحقق أهدافهم في لبنان والمنطقة، ويريدون لبنان خالياً من المقاومة فكراً وثقافة وسلاحاً، ويريدون توطين الفلسطينيين في لبنان ليس لحل البعد الإنساني وإنما لتصفية حق العودة لمصلحة الكيان الصهيوني، ويريدون استخدام لبنان للضغط على سوريا وابتزازها ودفعها للسير في عملية التسوية الشاملة.
هذه هي الأجندة التي كان يتبناها كميل شمعون قبل نحو 50 عاماً. وهي الأجندة نفسها التي يتبناها اليوم وليد جنبلاط وسعد الحريري.
في عام 1957 أعلنت الولاياتالمتحدة «مشروع أيزنهاور» «نسبة إلى الرئيس آنذاك دوايت أيزنهاور». وهو مشروع كان الهدف الأساسي منه هو إسقاط جمال عبدالناصر من أجل كبح التيار القومي العربي الذي كان يتصاعد من المحيط إلى الخليج بإيقاع شعبي متسارع.
وكان شمعون أول رئيس عربي يعلن قبول المشروع ووضع لبنان تحت خدمة هدفه، وذهب شمعون أبعد من ذلك. فما أن أعلن في العام التالي قيام الوحدة بين مصر وسوريا واندلاع الثورة في العراق بزعامة عبدالكريم قاسم حتى طلب رسمياً تدخلاً عسكرياً أميركياً لحماية لبنان. وعلى الفور هبطت قوات أميركية على ساحل بيروت.
الآن صعد إلى المسرح جنبلاط والحريري وليس لدى أي منهما برنامج ذو أهداف وطنية، لا يمر يوم دون أن يصدر عن أحدهما تصريح إعلامي أو بيان ينحصر في مسلسل شتائم مكرورة ضد سوريا وإيران دون أن يقول أي منهما ماذا يريد على وجه التحديد لأنه لا يستطيع أن يقول: ليس لدي هدف سوى تبني بنود المشروع الأميركي الإسرائيلي وفي مقدمتها تجريد المقاومة الوطنية ضد إسرائيل من السلاح.
لذا ليس من المنظور أن تنتهي الأزمة السياسية اللبنانية وفق تسوية سلمية طالما بقي هناك زعامات سمحت لنفسها أن تكون رهينة دائمة لإسرائيل ضمن الإطار الأكبر للصراع العربي الإسرائيلي. عن صحيفة البيان الاماراتية 8/1/2008