"ردح" الفضائيات .. ما بين المونديال وموقعة الجزائر
* هيثم هلال
لا شك أن ما وصلت اليه الساحة الرياضية في مصر الآن أمر يدعو الى الاستغراب بعد أن تفرغ معظم النقاد والإعلاميين والرياضيين – من أصحاب الأسماء الكبيرة والمقام الرفيع- لتصفية الحسابات والتراشق بالألفاظ والانتقال بها في أكثر الأحيان إلي أقسام الشرطة وقاعات المحاكم حيث سخر أغلبهم أداته الإعلامية لأغراضه الشخصية ومشاكله الخاصة بعيدا عن عالم الرياضة وتحولت البرامج من التحليل والنقد والمناقشة والحوار الي سب وقذف وتشهير وتجريح وشجار وحرب كلامية واتهامات مخلة تطول الشرف والعرض والذمم المالية.
هؤلاء الإعلاميون والنقاد الذين حملوا علي كاهلهم مشعل نبذ التعصب والارتقاء بمستوي الجمهور بل ودخل بعضهم في عداوات مع بعض فئات الجماهير للتحذير من ممارسات الغوغاء والمتعصبين هم أنفسهم من وقع في نفس المستنقع فكال الاتهامات وتبادل الألفاظ والعبارات المستفزة ليكشف عن حالة الفصام التي يعيشها أكثر العاملين في هذا الحقل الذي غلبة عليه المصلحة وسيطرة عليه أخلاقيات السوق السوداء.
ولا يخفي علي أحد من المهتمين بالرياضة المصرية بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة أو حتي غير المهتمين ممن ابتلاهم الله بمتابعة الفضائيات أو قراءة الصحف في بداية اليوم .. الحرب الضروس بين النائب والإعلامي البارز أحمد شوبير نجم مصر والأهلي السابق والمستشار مرتضي منصور رئيس نادي الزمالك السابق وكلاهما حظي ويحظي بمناصب مرموقة ومكانة كبيرة من المفترض أن تحمله علي الترفع عن الصغائر ..
ولكن أن يتحول الصراع الي بلاغات ومحاضر وصلت - الي الآن – الي 54 بلاغا لدي النائب العام بدأت بالسب والقذف ومرت بالاتهام بالاتجار بالمخدرات والتهرب الضريبي والاستيلاء علي أملاك الدولة وانتهت بالدعارة .. فهو أمر بالفعل يدعو للخجل لما وصل اليه حال رموز الرياضة والإعلام في بلادنا المحروسة.
المسألة لا تتعلق بكشف الفساد أو ملاحقة مسئول باتهامات قد تثبت عليه أو تبرأ ساحته منها وهو ما نتمسك به وندافع عنه بل ونتمنى تحقيقه .. ولكن الأمر لا يعدو كونه تصفية حسابات ومعركة لتكسير العظام بين اسمين بارزين يمتلكان "الهواء" والبرامج والقنوات لنشر خلافاتهم أمام الجمهور وهو ما افقدنا الكثير من التركيز في قضايا أخري أهم من أجل متابعة أخر ما وصل اليه مسلسل "النائب والمستشار".
ولم تعد أزمة شوبير – منصور هي الوحيدة علي الساحة الرياضية وإن كانت هي الأشهر ولكن كلاهما يشترك في معارك أخري فشوبير له معركة أخري وإن انحصرت خلف كاميرات البرامج مع خالد الغندور وأسامة خليل وأخري طفت مؤخرا مع أصدقاء الأمس سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة وسحر الهواري .. ولمرتضي معارك لا حصر لها أغلبها انتقل الي ساحات القضاء وإن كان أبرزها مع حسن صقر رئيس المجلس القومي للرياضة وعدوه اللدود ممدوح عباس رئيس نادي الزمالك.
الرياضة في مصر يا سادة يا كرام لم تعد تحمل مثل هذا الوباء الإعلامي الذي تفشي واستفحل وبدأ يقضي علي الأخضر واليابس في ظل تخلي الإعلامي طواعية عن دوره في التوعية والنقد ليتفرغ لمثل هذه المهاترات .. فهل يعقل أن نري كل هذا اللغط الرياضي متزامنا مع تنظيم مصر لكأس العالم للشباب علي ملاعبها بدلا من الاهتمام بالحدث العالمي والالتفاف حوله من اجل إنجاحه وإبراز قدرة مصر علي تنظيم التظاهرات العالمية ..
وهل يصدق أن يصل الإعلام الرياضي الي هذا المستوي المتدني متزامنا مع تعلق قلوب المصريين بأقدام لاعبي المنتخب المصري من اجل حلم التأهل الي كأس العالم والعبور من بوابة الجزائر الضيقة للغاية والذي تأخر قرابة العشرين عاما.
وهل من الرشد والعقل ان ينشغل الجمهور بتلك الصغائر والصهاينة يدنسون حرمة المسجد الاقصي ويسعون لهده لبناء الهيكل المزعوم مكانه ويقومون بتهويد القدس وطرد اهلها العرب منها ويزرعون المستوطنات في كل شبر من اراضي الضفة الغربيةوالقدس بما يعني نهب المزيد من الارض العربية كل يوم ونحن واعلامنا مشغولون ومهمومون بامور تافهة تعبر عن مدي التدني والتدهورالخلقي الذي يعيشه بعض رموز المجتمع الرياضية والقانونية في بلدنا المنكوب بهم .
وهو ما يدفع بقوة للتساؤل .. إذا لم تجمعنا وتوحدنا هذه الحوادث وإذا لم نتنازل عن الصغائر ونترك مستنقع التراشق من أجل الهدف الاسمي والأكبر فمتى يكون أذن؟.
والمؤكد أن التفرغ للمشاكل والتفاهات لا يخلق إعلاما رياضيا حقيقيا ولأن المناخ أصبح فاسدا والأجواء باتت مشتعلة بين الجميع فلم نعد نعرف كيف نتحاور ولا كيف ننقد وبات النقد سباب والخلاف في الرأي شجار والحوار "ردح" وصار لا يخلو برنامج أو أستوديو تحليلي من وصلة للتطاول ووصف الأخر بأقذع الألفاظ وأحط الأوصاف فناقد يصف زميله ب"البغبغان أبو شنب مفأفأ" .
وأخر يتهم صاحبه بالتربح وثالث يتهم حكم بالغباء ورابع يصف ناقد بالشذوذ وإعلامي يتهم رئيس نادي سابق بالجرب ومقدم ينعت رياضي بالحشرة في قائمة تضم شلبي وصادق ومعروف وشوبير والغندور وأسامة خليل ومرتضي وغيرهم كثير .. لتفقد الرياضة في بلادنا المحروسة لأهم أدوات التطور والنهوض لتصبح هي هي سببا في نكستها و"وكستها" وتراجعها وتدنيها.
أما أبرز ما هال الجمهور وكشف عورات الجميع وأثبت أن "ميكروفون" الإعلام أصبح في يد غير المؤهلين وباتت البرامج تدار بالفهلوة و"الهمبكة" دون الاستناد الي لوائح وقواعد.. ما صاحب الموقف المتأزم لمنتخب مصر في تصفيات أفريقيا المؤهلة لكأس العالم 2010 وصراعها المحموم مع الشقيقة اللدودة الجزائر علي بطاقة التأهل الي المونديال من لغط محللين بلا علم وخبراء بلا خبرة ونقاد بلا مادة فيما يمكن وصفه بالكارثة.
خاصة بعد أن أعاد فوز مصر علي زامبيا بلوساكا الأمل في تحقيق حلم الذهاب الي جنوب أفريقيا وعزز كفاح رواندا أمام الخضر في ملعب مصطفي تشاكر بالبليدة في الجولة قبل الختامية لتصبح موقعة 14 نوفمبر بالقاهرة بين الشقيقين اللدودين حاسمة وفاصلة علي انتزاع تذكرة المونديال.
ليس المجال مقام سرد للائحة الاتحاد الدولي "الفيفا" التي تحدد حظوظ كل فريق في التأهل كما أنه كذلك ليس موطن الحديث عن حرب "داحس والغبراء" بين الإعلام المصري والجزائري وتبادل الاتهام بالتلاعب في النتائج والنفخ في أبواق التعصب وحملات الكراهية التي لا تستقيم بين أشقاء العروبة والإسلام ..
ولكن لنبقي الأمر محصور فيما آل اليه إعلام بلادي .. فهل يعقل كل هذا الخلاف علي لائحة التأهل بين قائمة رنانة في الوسط وللعجب وللأسف تضم الرجل الأول علي رأس اللعبة سمير زاهر والمتحدث باسم اتحاده مدحت شلبي وكبار النقاد د. علاء صادق ود. مصطفى الأدور.. والخبير والمحاضر الدولي بالفيفا فتحي نصير و الكابتن محمد عبد المنعم"شطة"رئيس اللجنة الفنية بالاتحاد الافريقى الي جانب كل من قرأ كلمة هنا أو تابع مباراة هناك وبالتأكيد صار يعتقد أنه خبير في بواطن اللوائح وما بين السطور.
وعندما يتحول الجدل الي مادة دسمة للفضائيات وينتقل الخلاف الي مرحلة السباب والفضائح علي الهواء فهي كارثة، وعندما يجهل مسئولو اللعبة الأفاضل بلائحة التأهل، ويصر بعضهم علي أن الفوز بهدفين يكفي لتأهل المنتخب المصري مع تفعيل قاعدة احتساب الهدف خارج الملعب بهدفين والتي رددها الكثيرون دون أن يكلف أحد نفسه عناء البحث أو التثبت – والأمر لن يتكلف دقائق علي موقع الفيفا الإلكتروني – لتسير جموع الجماهير خلف تلك اللائحة المخترعة قبل أن يتراجع بعضهم ويتمسك البعض الأخر فيما يشبه الكارثة.
قد يمر الأمر مرور الكرام خاصة بعد أن صحح الخبراء المعلومة وعلي رأسهم علاء صادق وطارق الأدور ويدخل تحت بند السهو والحماسة .. ولكن أن يخرج الكابتن شلبي وهو أحد مسيري اللعبة في مصر ليصر علي رأيه بأن هدفين يمكن أن يصعدا بمصر وأن الحديث عن الفوز بهدفين لا يكفي ونسي أن هذا الرأي يفتح الأعين ويقدم للجزائريين هدية وكأنهم ليس لهم ادني علم بلوائح الفيفا .. ويستشهد ب"الفرانس فوتبول" والخبير فلان والناقد علان ثم يذهب في حديثه الي "التقطيع" في علاء صادق - لمجرد أنه وصف في برنامج "90 دقيقة" جهل زاهر وشلبي باللوائح بأنه كارثة، ويستخدم في تقطيعه ألفاظ من عينة "هبله ومسكوها طبلة"، و"بوبي ومسك عضمة " و"الشنبات المفأفأة" و"الأصوات المسرسعة" و"منتوف الريش".
وبعيدا عن رأي صادق وإصرار شلبي هل تستقيم أن تكون تلك هي لغة الحوار بين اثنين من الأسماء الكبيرة في الوسط الرياضي .. ما كل هذا الإسفاف وما ذنب الجمهور المسكين في خلافاتكم الشخصية وما ذنب المشاهد الذي أفسدتم عليه متعته الوحيدة في كل هذه البلبلة والجدل .. ماذا يحث لو ظل راسخ في ذهن الرأي العام أن فوز مصر علي الجزائر بهدفين يصعد بها ثم نفاجأ بعد ذلك بتأهل الجزائر أو اللجوء الي مباراة فاصلة "طالما اللائحة مطاطة".
ما كل هذا الجهل باللوائح هل يعقل أن يلجأ الاتحاد المصري إلي الفيفا للتأكد من موقف وائل جمعه من المشاركة بعد حصوله علي الإنذار الثاني في مباراة زامبيا بداعي أن الإنذار الأول كان في المرحلة الأولي من التصفيات أمام مالاوي مع أن اللوائح واضحة ..
والغريب في الأمر أن الكابتن شوقي غريب المدرب العام للمنتخب الأول أستند في حديثه لقناة المحورعلي أن الجهاز الفني كان يثق في الفوز علي رواندا بثلاثية قبل انطلاق المباراة لأنهم أشركوا لاعب موقوف لحصوله علي إنذارين –بنفس طريقة جمعة- فمن يجهل ومن يعلم ومن يدير ومن المسئول عن هذه المهزلة –يا سادة مشاكلنا باتت تثقل كاهل الفيفا ولم يعد لديه هم الا حلها لأنها ملتفة وملتويه ومعقدة لأننا بلا لوائح في منظومة صارمة اللوائح-.
هذا اللغط أثبت أننا ليس لدينا أدني معرفة باللوائح ثم نعود لنسأل عن سبب تراجع الرياضة، كما اوضح أننا ليس لدينا احترام للرأي والرأي الأخر والنقد بكافة أشكاله بما يؤكد أنه لا توجد لوائح مطاطة إلا في مصر ولا يوجد هذا اللغط إلا في مصر ولا يوجد هذا الكم من الخلافات والشتائم بين النقاد الا في مصر.
ويكفي أن تطفو تلك المهازل علي صوت مونديال الشباب الذي انزوى وتواري خلف هذا وذاك .. فمتى تصفو النفوس ونسمو علي تلك الصغائر ونعبر تلك الخلافات من أجل إعلام نظيف هادف يدعم الرياضة ويضيف للمشاهد علما ومتعة وفي نفس الوقت لاينسيه قضيته الاولي وهي القدس والمسجد الاقصي المبارك اللذان يتعرضان علي يد الصهاينة المجرمين لاخطر عدوان ؟