"هو فى زى زمان وناس زمان..أكل زمان وهوا زمان..راحة البال والأمان..."،هاتيك هى بعض ملامح زمن ولى وفات، والتى كثيرا ما سمعنا عنها ممن حولنا ينتمون لأجيال سابقة لنا، وكيفما كانت هى الحياة فى عصر قريب، وكأنهم يتذكرون عزيز غالى رحل من بين أيديهم بكل ما حملته ملامحه من عذوبة ورقة ودفء وحب وحنان، لازالت حسرة فراقه ترتسم على وجوههم وتسكن قلوبهم، يتمنون عودته ولو للحظات للإرتماء فيما بين أحضانه من جديد، لكنهم دائما ما يصطدمون بكلمات الست"وعاوزنا نرجع زى زمان..قول للزمان أرجع يا زمان"، لكنه لا يعود.
وهنا تختفى الذكريات لتحل محلها التساؤلات حائرة متعجبة: كيف رحل عنا زماننا هكذا؟.. وكيف مضت بنا أيامه تاركة لنا ما نحن عليه الأن؟!، حيث تبدلت كافة المشاعر والأحاسيس داخل النفوس من النقيض للنقيض؟!. كيف تحولت حياة يملؤها حب الخير للغير والآخر أيا كان.. تصاحب البركة الرزق والطعام والشراب أينما كان..تحولت إلى مستنقع يفيض بالكراهية والحقد والغل والحسد..تشوهت معه ملامحها وأختفت مظاهر بهجتها فى الماضى؟!!!. أين ذهب المصرى وكيف ذابت ملامح شخصيته الأبية الأصيلة بهذه السهولة فى هذا المستنقع العميق؟!!!.
هل العيب فينا أم فى الزمان؟!!.
وفى رحلة البحث عن الجواب نرى فريق يلقى بالمسئولية على الزمان، بينما نجد الأخر يلقيه على إستسلامه وخنوعه لما أتى به هذا الزمان من متغيرات. لكن الحقيقة وفى تقديرى تشير إلى أن المصرى قد فرض عليه ضرورة التكيف وملامح محيطه الجديد عليه من حوله.. أى أن التغيير لشخصيته جاء مواكبة لأوضاع عديدة فرضتها عليه نتائج تطبيق أشباه السياسات المتبعة من جانب حكومات النظام المتعاقبة عليه، التى جاء بها المتنفذين فيها على غير دراسة لها، بما أسفر عنها من هدم لأسوار المنظومة الأخلاقية للمجتمع، التى ظل قاطنيه محتميا داخلها من عناصر الفساد حوله، والتى ما لبثت وأن تغلغلت فيه مستغلة ما أتيح لها من فرصة ذهبية لتسويق منظومة جديدة للعمل يأتى على قمة أولوياتها الترويج لقيم النصب والسرقة والغش والتزوير، التى جاءت هى الأخرى تحت مسميات جديدة على شاكلة الشطارة والفهلوة...إلخ.
ومن ثم تبدلت المفاهيم وتنوعت أقنعة الشخصيات، وأختفت حدود الأسرة المكون الأساسى للمجتمع، الذى راح يسبح فوق نهر من الفوضى، وأصبح كل يوم نحياه على ضفافه هو بمثابة مواجهة جديدة بين الغالبية منا وأمواجه العاتية، التى كثيرا ما تحسم الأمور لصالحها.
وهذا هو ما أصبح عليه واقع الحال، بل وأصبحت صورة المصرى فى نظر الآخر قاصرة على كونه إما نصاب يحلل لنفسه الحرام ويستبيح المحرمات وإما متسول وشحاذ وتلك هى الغالبية..أما القلة القليلة فقد أصبح يطلق عليهم لقب"الأغبياء" ممن لازالوا جالسين على ذكريات زمان وأهله هم وورثتهم ممن مازالوا متشبثين بأخلاقيات وعادات وتقاليد مجتمع لم يعد له أثر فى الوجود غيرهم.
على هذا فلم تعد المسألة هى من تغير وكيف ولماذا؟..وعلى من يقع العيب؟، لكن القضية أصبحت هى كيف يستعيد المصرى شخصيته من جديد ويعيد سحر زمانه المفقود؟.. وذلك هو ما لا بد من البحث فيه من خلال عمل شرعى جاد.. واضح ومعلن وصريح ومنظم يتشارك فيه الجميع وليس فئة أو طبقة بعينها..عمل تتوافر له صفة الإستمرارية وفق مراحل إنتقالية محدده، كذا ضمان تعدد أشكاله ورسائله الموجهة للمسئولين، من خلال النفاذ إلى كافة وسائل الإعلام والإتصال.
عمل يشتمل مطالب وأهداف محددة..غير قاصر على مجرد شعارات وعبارات مفرغة المضمون.. متضاربة الأهداف غير مجدية الفعل، هذا حتى لا يتم إختزاله فى كونه مجرد تصرف عشوائى أتت به قلة طائشة ضلت طريقها وخرجت عن الجمع..أو عمل أهوج شاذ جاء به جمع من المختلين. . فهل بدأنا البحث أم لازلنا جالسين للإستماع والإستمتاع بذكريات زمان ونعيب بعدها على الزمان؟