اوباما.. ونحن.. وإمكانية (التغيير)؟ د. أسعد عبد الرحمن أثار فوز (باراك اوباما) أول مرشح إفريقي - أمريكي في انتخابات الرئاسة الأمريكية، عديدا من التساؤلات حول نصره الكاسح على خصمه الأبيض، واستطاعته بذلك أن يصبح أول رئيس أسود في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولا ينظر كثيرون إلى انتخاب باراك أوباما رئيسا على أنه سيحدث تحولا (سريعا، على الأقل) في السياسة الخارجية الأمريكية. سبب فوز أوباما هو شعار التغيير الذي رفعه خلال حملته الانتخابية، الذي لا يتعلق بمجرد كلمة التغيير، بل لأن الشعار جاء في وقت مناسب تحتدم فيه الأزمات الأمريكية داخليا وخارجيا. فشعار التغيير الذي رفعه أوباما حمل أكثر من معنى: فهو، بالنسبة للأمريكيين السود كان يعني نهاية سنوات من الاضطهاد والمرارة التي عاشوها وما تزال متجسدة في نفوس الأمريكيين. كذلك، لم تكن معاني التغيير غائبة عن الأمريكيين البيض، فقد جاءت رسالة التغيير لهم في وقتها المناسب. فقد كانوا يتطلعون بدورهم إلى التغيير، فهو يعني قطيعة مع ثماني سنوات من حكم الرئيس بوش، تعرضت خلالها مكانة الولاياتالمتحدة العالمية وأوضاعها الاقتصادية للتدهور الشديد. والتغيير الكبير الحاصل فعلا حقا له صفة الثورة إذ كسر نجاح (أوباما) معادلة الواسب أي ضرورة اختيار رئيس أبيض، انكلوساكسوني الجذور وبروتستانتي المذهب. كما أن الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي، كان لها الدور الأكبر في تعزيز انتصار أوباما، وجعل التغيير الذي يدعو إليه أكثر إلحاحا. وكما يرى (سكوت ريد) أحد مستشاري الحزب الجمهوري، فإن الأزمة المالية أعادت هيكلة السباق الرئاسي. وإذا كان هذا (الأخير) سباق سيارات، فإن الأزمة المالية كانت بمثابة ثقب في إطار سيارة ماكين، لم يستطع أن يتغلب عليه أبدا . ويوضح كل من إدوين تشين وهانز نيكولاس كيف أن حملة ماكين خرجت عن مسارها بسبب السوق، والأخطاء، والارتباط ببوش. فماكين أساء التعامل مع الأزمة المالية ما أفقده ثقة الأمريكيين ، وهو الخطأ ذاته الذي ارتكبه أحد كبار مستشاريه، قبل أشهر حين وصف الأمريكيين بأنهم أمة من البكائين. وأن الكساد هو كساد في عقولهم وليس في الاقتصاد ، بعد أن كانت موجة خسارة الأميركيين لبيوتهم قد بدأت بالتمدد. لمدة طويلة، لم تواجه الولاياتالمتحدة تحديات مماثلة على الصعيد الخارجي. وهذا الإرث سيكون عائقا أساسيا أمام حركة أوباما لإصلاح النهج فهو يرث ثلاثة حروب: اثنتان على الأرض في العراق وأفغانستان، وواحدة في المخيلة الأمريكية على ما تسميه الإرهاب ، فضلا عن عجز مالي فادح مع ارتفاع الدين الأمريكي إلى قرابة عشرة تريليونات دولار، علاوة على الاخفاق في ثني إيران عن سعيها لامتلاك تكنولوجيا نووية، وتزايد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط. أما بالنسبة للصراع العربي - الإسرائيلي، الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسة للأزمة الأمريكية في المنطقة، فإنه يصعب تحقيق ما تعهدت به الإدارة الأمريكية من قيام دولتين، في ظل الظروف الفلسطينية والإسرائيلية المتنوعة. فأجندة كل مرشح وأطروحاته تدخل عليها تعديلات ومستجدات في ضوء ثبات الأهداف الاستراتيجية الأمريكية المستندة أساسا إلى مصالح ثابتة، وهو ما ظهر في خطاب اوباما بعد فوزه حين تغير موقفه من القضية النووية الإيرانية، وهو ما يعيدنا إلى حزيران الماضي، في ظل حمى السباق التملّقي أمام مجموعة الإيباك ، حيث تحدث بلغة ملتبسة (تفاصيلها معروفة) عن قضية الشرق الأوسط. في ضوء هذا، فإن ما قاله (اوفير بينس باز) متوازن ومفتوح على مختلف الاحتمالات: خطاب اوباما في ايباك دفعني لاحساس كبير بعدم الراحة فقد ألقى خطابا صهيونيا حماسيا وانفعاليا . وأضاف: ما يقلقني في خطاب اوباما الحماسة الزائدة لارضاء الجمهور. تخوفي هو أنه يوجد، لمن يتحدث بمثل هذه الحماسة امام مندوبي مؤتمر ايباك، بديلان مقلقان: إما ان يكون اوباما يقول لمن يسمعه كل ما يرغب في أن يسمعه، واكثر بقليل، ولهذا فمن شأنه أن يقول ايضا على منصات خصومنا ما يريدون أن يسمعوه او أنه بعد أن ينتخب سيواصل، مثل الرئيس الحالي، إرضاء اليمين الاسرائيلي، في ظل تجميد المسيرة السياسية وتدمير الفرصة للتوصل الى سلام . إسرائيل واللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة يعرفان احتمالات مواقف أوباما وكونها مزدوجة لإسرائيل، ولذلك فمن المؤكد أنهما سيمارسان الابتزاز لإبقائه تحت الضغط ووضعه بصورة متواصلة في موقع الساعي لاثبات حسن نواياه تجاه إسرائيل واليهود في العالم. فهل ينجح حقا في تطبيق شعاره التغيير في التعامل مع إسرائيل؟ سؤال، الجواب عنه في بطن المستقبل!. عن صحيفة الرأي الاردنية 16/11/2008