وداعاً لخريطة الطريق الأمريكية أحمد المرشد اختتمت اللجنة الرباعية الدولية آخر اجتماع لها تقريبا في عهد الإدارة الأمريكية الحالية بمشاركة وزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس. اجتماع شرم الشيخ لم يخرج كما السابق بجديد، فكل الاجتماعات السابقة كانت تتسم بحملة اعلامية تروج لها واشنطن للإيحاء بقوة تدخلها في عملية السلام في الشرق الأوسط إرضاء للمنطقة فقط وليس لتحقيق السلام المنشود كما ترغب شعوبها. نقول إن اجتماعات الرباعية السابقة فشلت في الخروج بنتائج حقيقية او فعلية لصالح الفلسطينيين، ولم يخرج اجتماع شرم الشيخ بجديد اللهم سوى مطالبة تل أبيب بتجميد الاستيطان، واقترح أن يكون ربيع عام 2009 وقتا مناسبا لاجتماع دولي للسلام في العاصمة الروسية موسكو. وحثت اللجنة الجانبين الفلسطيني و"الإسرائيلي" على استمرار دفع عملية السلام في إطار اجتماع أنابوليس بالولاياتالمتحدة الذي أحيا المفاوضات بين الطرفين قبل نحو عام. حتى إن الرباعية لم تلتزم بالمطلب العربي الذي عرض على اعضائها عشية اجتماع شرم الشيخ، وتعلق بإصدار وثيقة بشأن الموقف الذي وصلت إليه مفاوضات السلام بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" منذ انعقاد اجتماع أنابوليس للسلام في الولاياتالمتحدة نهاية العام الماضي. فصياغة هذه الوثيقة التي تضع تقويما وتوصيفا للمرحلة السابقة من المفاوضات ستكون ورقة مهمة يتم تقديمها للإدارة الأمريكيةالجديدة مع بداية تولي الرئيس المنتخب باراك أوباما مهام منصبه في20 يناير المقبل. فوجود مثل هذه الوثيقة ملزم لطرفي التفاوض، وتتيح لكافة أطراف الرباعية والمتفاوضين أنفسهم بحث كيفية التحرك في الفترة المقبلة بشأن عملية السلام، مع الحفاظ على الاهتمام والزخم الدولي الذي تحقق في المفاوضات خلال الفترة الماضية، وحتى يمكن أن تتحقق التسوية العادلة والدائمة لهذا الصراع. وبعد تخلي الرباعية عن هذا المطلب، لا يجب ان نثق بما قالته رايس: “سيأتي يوم قريب تكون فيه للفلسطينيين دولتهم"، رافضة الاقرار بفشل عملية انابوليس، ومؤكدة ان هذه العملية ستستمر. كما تعهدت مواصلة عملها من اجل السلام حتى نهاية ولايتها، وقالت انها ستنقل إلى إدارة اوباما طلبا فلسطينيا يقضي بالابقاء على آلية المراقبة الثلاثية لمدى احترام الأطراف تعهداتها في “خريطة الطريق". إن من بين الآمال المعقودة على الإدارة الأمريكيةالجديدة التي ستتولى الحكم في البيت الأبيض في يناير المقبل، أن تسعى إلي تحريك عملية السلام بين “إسرائيل" والفلسطينيين. ولذا، فإن الأنظار ستتجه من الآن وصاعدا إلى أوباما لترى ما سوف يفعله.. وهل سينجح في ما فشلت فيه بقية الإدارات الأمريكية السابقة؟ بيد أن هذه الآمال لا يجب ان تدفعنا إلى الرهان على حدوث تغيير شامل وجذري في السياسة الأمريكية الخاصة ب"إسرائيل"، لأن الرهان هنا سيكون ساذجاً نظراً للعلاقة الوثيقة والمتأصلة تاريخيا بين واشنطن وتل أبيب. ومع ذلك فإن أمام أوباما وفريقه الحاكم فرصة تاريخية للبدء في تحقيق سلام عادل وشامل بين “إسرائيل" والفلسطينيين يأخذ في حسبانه الحقوق التاريخية للفلسطينيين، وتخفيف معاناتهم في إطار حل الدولتين الذي كانت إدارة بوش قد طرحته. لقد اعترفت رايس بفشل جهود التوصل لاتفاق سلام “إسرائيلي" - فلسطيني، وذلك في أول تصريح من نوعه منذ انطلاق المسيرة الأخيرة لمفاوضات السلام “الإسرائيلية" - الفلسطينية. فقد ذكرت رايس صراحة أن خطة التوصل إلى اتفاق سلام دائم حتى نهاية هذه السنة، التي وضعتها واشنطن في اجتماع أنابوليس السنة الماضية، قد فشلت، وان هذه المهمة ستترك للقادة الذين سيحكمون في كل من رام اللهوالقدسوواشنطن في السنة المقبلة. جاء اجتماع الرباعية مع مسؤولين فلسطينيين و"إسرائيليين" كبار في شرم الشيخ كمحاولة للإبقاء على عملية السلام مستمرة قبيل نحو شهرين من رحيل إدارة الرئيس جورج بوش التي لن تصل على الأرجح لهدفه بالتوصل لاتفاق ينهي ستة عقود من الصراع قبل أن يترك السلطة. فالرباعية بدأت بفكرة امريكية حاولت واشنطن تسويقها للعالم بضم الأممالمتحدة ومناشدة الأوروبيين واشراكهم بممثل وكذلك الحال لروسيا، ثم دعوة الأطراف الفاعلة في المنطقة وطرفي النزاع الفلسطينيين و"الإسرائيليين" بحضور الاجتماعات. ولما كانت الفكرة امريكية، فالحصاد هو صفر بطبيعة الحال، فالولاياتالمتحدة لا تحظى بتأييد سوى 5% تقريبا من العرب، ليس بسبب غزوها للعراق وانهاك قواه وسلب حضارته وتخريب ممتلكاته فقط، ولكن أيضاً لانحيازها غير المحدود ل"إسرائيل". ورغم ان واشنطن تعلم ان السلام في الشرق الاوسط يمر عبر القدس، فهي أي أمريكا ترفض التقدم نحو الحقوق العربية - الفلسطينية وتتخذ مواقف ليكودية يمينية متطرفة. نعود إلى مضمون السلام الذي يؤمل تطبيقه عربيا ويكون مفيدا للفلسطينيين بعد حوالي ستين عاما من الاحتلال. فالسلام ابسط ما يكون ويعتمد بالاساس على اعتراف “إسرائيل" بحقوق الفلسطينيين، حقوقهم في الارض والحياة والمعيشة. فالارض تمثل لهم الحدود المغتصبة في يونيو/ حزيران 1967 وتوفير الامن. والحياة تعني الدولة وعاصمتها القدسالشرقية، أما المعيشة، فهي العيش في ظل حدود آمنة وليس كما تريد “إسرائيل" تقسيم الأرض إلى كانتونات منفصلة وتطبيق سياسة الفصل العنصري وقضم الأراضي الفلسطينية لإقامة مستوطنات يهودية عليها. السلام ببساطة لا يرتبط بالرباعية الدولية ونقول وداعا لخريطة الطريق الأمريكية، فالسلام هو اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة ومتلاحمة الحدود ومترابطة الاراضي. أما الحدود الفاصلة بين الدولتين فهي حدود الرابع من يونيو ،1967 مع تخلي “إسرائيل" عن المستوطنات وتسليم القدسالشرقية لأصحابها الأصليين. عن صحيفة الخليج الاماراتية 15/11/2008