النساء ومعنى آخر للسياسة والموت باسم الطويسي ذهبت السيدة الباكستانية بناضير بوتو الى مصيرها وقدرها في مشهد تعتصره القسوة، ضحية ربما للأصوليات المغلقة، وربما لتركيبة المصالح الدولية المعقدة وربما لتحالف مريب بينهما، المحصلة ان السيدة العصامية قد قضت في لحظة فارقة. الشرق الذي بقيت بوتو مصرة على الانتماء اليه رغم ما يقال عن الاحتضان الأميركي الغامض وفق المعادلة الباكستانية التي ازدادت تعقيدا وحساسية، تحديدا منذ الغزو الأميركي لأفغانستان، هذا الشرق هو الذي استقبلها بالمتفجرات وعبوات الموت والجثث المتناثرة على طول الموكب الممتد على احد شوارع كراتشي العاصمة الاقتصادية للبلاد وبأسلوب قريب من ذلك قتلها بعد شهرين من عودتها، رغم التحذيرات المتوقعة من عملية اغتيال ورغم التحصينات الأمنية غير المسبوقة، إلا ان غريزة القتل والموت البارد بقيت ماثلة وغير قابلة لتفسير مقنع وتستدعي الاستفهام المحير. قصة السيدة بوتو المملوءة بالتحدي والعصامية السياسية تبدو على المستوى الإنساني اكبر من مجرد النظر إليها من زاوية التحالف مع الولاياتالمتحدة، فالتحدي والألم الإنساني الكبير لسيدة فقدت والدها وشقيقيها بنفس الأسلوب، وربما لحساب نفس الجهة يتجاوز اتهامات الدعاية السياسية واكبر من وصفها بطفلة الولاياتالمتحدة المدللة في حين ان خصومها هم بالفعل جنرالات الولاياتالمتحدة المدرعون بالقتل والحروب الرخيصة. حالة ترث حالة أخرى في التفاصيل والأحوال والأخبار الأولى والمتأخرة، الخوف من الحرية، أحجية تاريخ المضطهد الاجتماعي في العزلة الكئيبة والتحالفات وعلاقات الدم المريبة بين السياسي المتسلط والمتدين المتعصب من جهة، والوكلاء وسماسرة الخارج من جهة أخرى، في مجتمعات ما تزال تنتظر كلاماً لم يقل بعد عن أحداث في ذمة التاريخ، وما تزال تشتاق إلى قول أشياء جديدة حول نصوص عتيقة، هنا يأخذ خط التاريخ لوناً باهتاً كلما ازداد اضطراب التقدم في الزمن وتأخذ عرائش وخرائب وحالات احتضار ونزيف وركض متسارع نحو جهة غامضة وغايات مجهولة ودروب معتمة أسهل ما فيها ان يصبح قتل النساء سياسة. حينما وصلت السيدة بوتو الى السلطة بطريقة ديمقراطية في مطلع التسعينيات وهي في منتصف الثلاثينيات من عمرها كأول امرأة شرقية مسلمة تصل الى الحكم في بلد يتجاوز سكانه المائة مليون نسمة، شكلت حينها بوتو ظاهرة تشحن أشواق جيل بأكمله من الشباب في العديد من مجتمعات الشرق الأوسط، كانت بوتو آنذاك قصة مؤثرة تختلط فيها مشاعر النجاح والهوية والرغبة في إثبات الذات وهي تحمل لواء والدها الذي قتله الجنرالات الذين استولوا على السلطة، وعنصر الجاذبية الأكثر تأثيرا الذي تركته بوتو في جيل بأكمله، ذلك الإصرار على التمسك بالديمقراطية والتحديث وتقديس الحريات العامة؛ مع الإصرار على الالتزام الخالص في الانتماء الى الشرق؛ كان ذلك قبل قصص الفساد وقبل العلاقات المريبة وأشياء أخرى. النساء يمنحن السياسة معنى آخر، فالسياسة النسوية لا تبدو في قوة تأثير النساء في صناعة السياسة في الصفوف الخلفية، وقدرتهن على الحسم في اللحظات الفارقة، نحن لا نتحدث عن موجة وصول النساء الى السلطة في عدد من دول العالم التي وصلت أوجها في دول شرقية ومنها تركيا واندونيسيا وباكستان والهند وغيرها، بل عن ظاهرة إنسانية أخرى حينما تصبح النساء سياسة بحد ذاتهن، وموضوعا للقتل الرخيص، حينما تحسم الصفقات بدم النساء، ففي الوقت الذي يشهد العالم توالي ظهور النظم السياسية الأكثر ميلا للتشدد ونخب تقيس المصالح بالقطارة كم يحتاج العالم الى معنى آخر للسياسة أكثر قربا لنبض الشعوب وآدمية البشر، فالعالم في هذا الوقت بأمس الحاجة الى رموز في السياسة والاقتصاد والثقافة تبقي مساحة من الطمأنينة والأمل، وكأننا نسير عكس التوقع والسعي الدؤوب الذي ينشغل به العالم نحو تمكين النساء ووصولهن لدفة صنع القرار، وبالتحديد في المجتمعات التي تعاني من صعوبات التغيير السياسي والثقافي، فكلما اقتربت النساء من السلطة أو دخلن في الصراع حولها، أصبحن الضحية الأرخص. عن صحيفة الغد الاردنية 30/12/2007