لبنان: لا حلول في الأفق.. والحلقة الجهنمية مستمرة! صالح القلاب الكل كان يعرف عندما غادر أميل لحود قصر بعبدا وهو ينثر الجمر في كل الاتجاهات ويشددُ على عدم شرعية حكومة فؤاد السنيورة أنه لا يمكن انتخاب رئيس جمهورية جديد وأن لبنان سيغرق في الفراغ الرئاسي ما دام أن العقدة الإقليمية لم تُحل وما دام أن التحالف السوري الإيراني، إياه، يعتقد أنه في حالة هجوم وليس في حالة دفاع وأن عليه أن يواصل هجومه حتى يفرض نفسه على أميركا وعلى هذه المنطقة وحتى يحقق التطلعات التي يسعى لتحقيقها المتعلقة بإيران والمتعلقة بسوريا والمتعلقة أيضاً ب«الأتباع» من الأرقام الثانوية. هناك حسابات إقليمية كبيرة وهي حسابات معروفة فإيران تريد تمرير هدف امتلاك الأسلحة النووية وتريد تحقيق هدف التمدد الإقليمي وإن هي تخاطب دول الخليج العربي بمعسول الكلام وترسم الابتسامات التي ترسمها على شفاه ووجوه كبار مسؤوليها، فخط السير واضح تمام الوضوح والرئيس محمود أحمدي نجَّاد الذي هو الأكثر صراحة ووضوحاً لم يتراجع ولو بمقدار قيد أنملة حتى عندما حل ضيفاً على قمة الدوحة الخليجية الأخيرة. وسوريا، التي ساد اعتقاد أنها انحنت للعاصفة وأنها بدأت طريق العودة إلى إطارها العربي وأخذت تتخلى عن حلفها الاستراتيجي القديم مع إيران، ثبت أن كل ما قامت به كان مجرد مناورة وأنها ماضية على الطريق الذي بقيت تسير عليه منذ أكثر من ربع قرن وكل هذا رغم المغريات التي قدَّمها الغرب وقدمتها واشنطن ورغم الوساطة التركية التي هناك مؤشرات ملموسة على أنها لا تزال مستمرة ومتواصلة وبخاصة لجهة إنجاز حلٍ على هضبة الجولان المحتلة يكون مدخلاً لنجاحات أكبر وأوسع إن هو انتهى إلى النهاية المرجوة. لقد كان الإيرانيون خلال الفترة الأخيرة التي تداخلت فيها الألوان وحلَّ محل الأسود والأبيض اللون الرمادي المُحيِّر أكثر «تقية» من حُلفائهم و«أشقائهم» السوريين فهم بقوا يرسمون الابتسامات الجميلة على وجوههم وبقوا يتوزعون الأدوار بين تيار متشدد يمثله الرئيس نجَّاد وبين تيار معتدل ومساوم يمثله هاشمي رفسنجاني والرئيس الأسبق محمد خاتمي بينما كل شيء بقي على ما هو عليه وبينما لم يتم التراجع لا عن الجهود المبذولة لامتلاك الأسلحة النووية ولا عن التطلعات الإمبراطورية التي تستند إلى الماضي القديم. لم تتراجع إيران، رغم الابتسامات الجميلة التي يرسمها قادتها وكبار مسؤوليها الدينيين والدنيويين، عن التدخل السافر في الشؤون العراقية الداخلية بل وأن الذين يعرفون الواقع العراقي المأساوي من الداخل يتحدثون عن ازدياد هذا التدخل الذي يتخذ أشكالاً متعددة، وهي لم تتراجع أيضاً عن اللعب والتلاعب لا بالساحة اللبنانية ولا بالساحة الفلسطينية ولا بساحات عربية أخرى بعضها تقع في الإقليم ذاته وبعضها تقع خارج هذا الإطار. ولقد واصلت سوريا السير على الخط ذاته ولكن بطريقة أقلُّ إتقاناً لأسلوب ومبدأ «التَّقية» المعروف والدليل على هذا أن اثنين من كبار المسؤولين فيها هما نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلم قد قالا كلاماً لا يمكن أن يُقال بالنسبة لنظام كهذا النظام لو أنه في حقيقة الأمر لا يمثل السياسة الرسمية والمثل يقول: «خذوا أسرارهم من صغارهم» وهذا معناه أن دمشق وطهران مستمرتان بالعزف على الوتر نفسه وإن كان هناك بعض الاختلاف في ال«نوتة» الموسيقية. ولذلك ولأن هذا هو واقع الأمر فإنه ما كان على اللبنانيين وعلى ما يسمى تحالف «الموالاة» على وجه الخصوص أن يواصلوا بناء القصور في الرَّمال فالمسألة واضحة تمام الوضوح حيث أن «بيارق» التحالف الأكبر والرئيسي والأهم على الساحة اللبنانية لا يمكن أن يخرجوا عن خط السير المرسوم لهم من قبل هذا التحالف الخارجي وحتى وإن تعرض بعضهم لصحوة ضمير وحتى وإن أدرك هؤلاء أن الاستمرار بما يفعلونه سيأخذ بلدهم إلى الهاوية والى الحرب الأهلية والى الانقسام والتشظي والى ما هو أكثر من هذا بآلاف المرات. لا يمكن إقناع لا حسن نصر الله ولا نبيه بري، الذي هو الملمس الناعم لهذه المجموعة، ولا الجنرال ميشال عون المُصاب بظمأ مزمن للسلطة وللوصول إلى قصر بعبدا حتى وإن كان الثمن رأس لبنان الوطن والكيان فالقرار ليس قرار هؤلاء، إنه قرار دمشق وطهران والدليل على ذلك أن وليد المعلم أظهر الواقع على حقيقته عندما تحدث عن حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية المنشودة بطريقة المفاوض الرئيسي وهذا ما كان فعله فاروق الشرع في تصريحاته المعروفة التي قال مما قاله فيها ان حلفاء بلده في لبنان أقوياء وأنه لا يمكن هزيمة سوريا على الساحة اللبنانية حتى لو تدخلت إسرائيل والولايات المتحدة. سيحل موعد التاسع والعشرين من هذا الشهر ولن يحدث شيء وعندما يقول فاروق الشرع من دمشق ان انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد في الموعد الذي يحدده الدستور ليس «منزلاً» وأنه بدل «الخريف» بالإمكان تأجيل هذا الاستحقاق الدستوري حتى «الربيع» المقبل فإن هذا معناه أن مسلسل التأجيلات سيستمر وأنه ربما يصل إلى مائة تأجيل ولكن دون التوصل إلى الحل المنشود فالطبخة الإقليمية لم تنضج بعد والأمور على هذا الصعيد لا تزال تراوح مكانها والشد والجذب بين واشنطن من جهة ودمشق وطهران من جهة أخرى مستمر ومتواصل ولذلك فإنه لا مجال للمزيد من الأوهام وأنه على اللبنانيين أن يدركوا أن كل هذا الذي يجري هو مجرد مناورات وألاعيب سياسية لحساب حسابات غير لبنانية. لا حلول في الأفق على الإطلاق، اللهم إلاَّ إذا رفع «الموالون» أيديهم واستسلموا لقدرهم وقدر لبنان ووافقوا على كل ما يريده معارضوهم الذين يخيطون بمسلة غير لبنانية وهي مسلة معروفة، ف«المحكمة الدولية» لن يجري تحريكها إلا في فبراير المقبل وإعادة صياغة التركيبة اللبنانية كما يريد حزب الله وكما يريد الجنرال عون الذي أعطاه حلفاؤه ختم «مخترتهم» إرضاءً لنزعته «الأنانية»، غير ممكنة ما دام أن هؤلاء «الموالين» لم يرفعوا أيديهم ولم يعلنوا الاستسلام الكامل للمعادلة الداخلية والمعادلة الخارجية. لن يستطيع «الموالون» الاحتكام إلى صيغة: «النصف زائدا واحدا» فهذه بضاعة غدت بائرة والسبب أن الاحتكام إلى هذه الصيغة لانتخاب رئيس لبناني جديد بالأكثرية المطلقة سيعني اندلاع الحرب الأهلية، التي بدأت غيومها تتلبد في سماء لبنان، على الفور وسيعني أن هذا الرئيس المنتخب العتيد لن يستطيع الوصول إلى القصر الجمهوري في بعبدا حتى وإن كان هذا الرئيس هو الجنرال ميشال سليمان صاحب السمعة الطيبة والسيرة الحسنة فهناك نحو عشرين ألف صاروخ في ضاحية بيروت الجنوبية تنتظر لحظة كهذه اللحظة وهناك في لبنان من يرفع شعار: «عليَّ وعلى أعدائي».. وليكن ما يكون وليحصل ما سيحصل!! على جماعة «الموالاة» أن تعرف، وهي بالتأكيد تعرف هذا تمام المعرفة أنها إن هي أقدمت على انتخاب رئيس الجمهورية الجديد بنصاب «النصف زائدا واحدا» فإنها لن تستطيع توفير الحماية لهذا الانتخاب فالمسألة ليست مسألة شرعية دولية ومسألة شرعية عربية بالإمكان توفيرهما بسهولة، إن المسألة هي مسألة موازين قوى عسكرية وتسليحية والحقيقة أن موازين القوى العسكرية هي إلى جانب حزب الله وحسن نصر الله وفي جبهة تمتد من «بئر العبد» وحتى آخر معسكر للحرس الثوري في إيران. كل شيء سوادٌ في سواد والمعادلة التي بإمكان لبنان المضي من فوق جسرها نحو الاستحقاق الرئاسي وغير الاستحقاق الرئاسي هي إما أن يخسر الحلف الإيراني السوري المعركة المحتدمة الآن والتي عنوانها امتلاك إيران للسلاح النووي وتخلُّص سوريا من المحكمة الدولية أو فوْز هذا الحلف بتطلعاته الإقليمية وهذا غير ممكن وغير متوقع في المدى المنظور على الأقل ولهذا فإن الأمور ستبقى تدور في هذه الحلقة الجهنمية التي تدور فيها وستبقى مفتوحة على شتى الاحتمالات. عن صحيفة الشرق الاوسط 27/12/2007