اقتراح "القوات الدولية" ما له وما عليه؟ حسن عصفور خلال كلمته في افتتاح المؤتمر الاقتصادي (آنا بوليس ب) في باريس خلال الشهر الحالي، تقدم الرئيس الفرنسي باقتراح لتشكيل قوة حماية دولية في الأراضي الفلسطينية، دون تفاصيل محددة أو مضمون متكامل لهذا الاقتراح. وكالعادة سارع البعض للترحيب بالمقترح الفرنسي وأكد أهميته وضرورته، في حين صب آخرون جام غضبهم ليس رفضا فحسب، بل مع اتهامات ضد فرنسا ورئيسها من جراء هذا الاقتراح، وللأسف فإن الموضوع لم ينتقل أبعد من تلك المواقف التي تحكمها المصلحة المباشرة والمواقف الحزبية والفصائلية، ولا صلة لها بجوهر الاقتراح أو بأهميته ومضمونه، واقتصرت مواقف الأطراف على تناول بعض مظاهر الاقتراح دون مضمونه. والاقتراح الفرنسي طرح من الناحية النظرية، يشكل إعادة إنتاج لمقترح فلسطيني سبق أن تمت صياغته، خلال رحلة البحث عن حل سياسي بل أن طلب تشكيل قوة حماية دولية كان احد ابرز مطالب العديد من القوى الفلسطينية، وبعضها ما زال يطرحه حتي اليوم، في مواجهة العدوان الإسرائيلي أساسا، ولضمان حماية الدولة الفلسطينية عند تشكيلها، وكانت وما زالت إسرائيل هي القوة الرئيسية التي رفضت هذا المقترح الفلسطيني، وما زالت لأنها تدرك قبل غيرها. القيمة الحقيقية لهذا المقترح، باعتباره عنصر بناء سياسيا ولقدرته على قطع الطريق على المنهج الإسرائيلي في استخدام الأمن كمعول هدم للعملية التفاوضية، وهو ما أعادت إسرائيل تأكيده مجددا بعد عرض الاقتراح الفرنسي الذي جاء في غمرة البحث عن توفير الأساس الاقتصادي للدولة الفلسطينية (نظريا)، والامل الا يكون اقتراح صدفة سياسية بل اقتراح ينسجم تماما مع المقومات الضرورية والتي لا بد منها، إذا ما كان البحث جادا في إنشاء دولة فلسطينية حقيقية، تتمتع بكل مقومات الكيانية السياسية المستقلة، وليس مشروعا ورقيا من اجل حالة كيانية ترتبط بواقع سياسي من نوع آخر. إن الرفض والقبول لهذا الاقتراح لا يجب أن يستند إلى اعتبارات اللحظة الراهنة فحسب، بل كان عليه أن يعيد النظر بأكثر شمولية وموضوعية ودراسة المقترح بمنطق مختلف تماما، عما سمعناه حتى اليوم من ردود فعل من رفض لحساب حزبي وانطلاق من حالة قائمة ليس أكثر . إن المقترح الفرنسي يجب أن يصبح نقطة رئيسية على جدول النقاش الوطني الفلسطيني، وأن يتحول إلى جزء من الخطة الوطنية لإعادة الاعتبار للمهدور من النظام السياسي الفلسطيني، بفعل الاحتلال من جهة وبفعل الانقلاب من جهة أخرى . فالمسؤولية الوطنية تتطلب من الشرعية الفلسطينية، رئاسة وحكومة، وأيضا من فصائل العمل الوطني أخذ المقترح الفرنسي بشكل أكثر جدية مما تم تناوله حتى الآن، والعمل على دراسته وفقا للمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وهدفها الأساسي إقامة دولة مستقلة . القضايا التي تجب اثارتها هنا، ما هو مضمون قوات الحماية الدولية وأهدافها الأساسية، سواء ما يتعلق في المرحلة الراهنة حيث الوجود الإسرائيلي الأمني، وما هو مرتبط بسلوكه العدواني والاحتلالي، وأيضا الوضع في قطاع غزة باعتباره حالة مختطفة من الوطن، وما هو دور القوات الدولية تجاه المؤسسة الأمنية الفلسطينية والتي يجب إعادة بنائها وفقا لمعايير المهنية والوطنية وليس الحزبية، وهل هي الجهة التي يمكن لها أن تقوم بذلك ان كان هناك اتجاه لإعادة بناء المؤسسة الأمنية على قاعدة الانتماء للوطن وليس الفصيل. فإذا كان ذلك جزءا من مهامها، فهي أيضا ستكون صاحبة الولاية الأمنية في الأراضي الفلسطينية، فهل يشكل ذلك فعلا ايجابيا في مرحلة كالتي نعيش الآن ما بين غزة والضفة، وهل بإمكان هذه القوة الدولية في حال تم الاتفاق عليها أن تلعب دور حماية الأمن الداخلي الفلسطيني، إلى حين الانتهاء من بناء المؤسسة الأمنية الوطنية، بالمقابل ما هو دور هذه القوات في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة، وكيف لها أن تلعب دور حماية المعابر الداخلية والدولية في المرحلة الحالية (الانتقالية) بما يساعد على رفع الحصار عن أهلنا، أو في مرحلة لاحقة بعد الانتهاء من مفاوضات الحل الدائم . وهل يمكن لها أن تستمر كقوة أمنية بين حدود دولتين إلى حين إيجاد نظام أمني شمولي بين الأطراف المختلفة. هل يمكن لهذه القوات أن تكون أداة قطع الذريعة الإسرائيلية حول الامن الداخلي خلال مفاوضات الحل الدائم وكيفية تطبيق خارطة الطريق .. ثم هل يمكن لهذه القوات أن تساهم في توفير أجواء الأمن المفقود من اجراء الحوار الوطني الداخلي. وقبل ذلك كله، ما هو قوام هذه القوات وتركيبتها، وما هو الحضور العربي بداخلها ودوره ومهامه وما علاقتها بالجامعة العربية، وهل لها أن تكون أحد مفرزات مبادرة السلام العربية. كثيرة هي الأسئلة التي تجب مناقشتها وصولا لوضع تصور متكامل لما لها وما عليها، ما يجب أن يكون وما لا يكون، ولنترك أمر رفض ذلك المقترح لإسرائيل .. فلم العجلة يا أهل الرفض في فلسطين برفض مقترح دون بحث او تمحيص وان نجعل منه بوابة طرح رؤية وطنية لمفهوم الحماية الدولية التي سبق ان طالبنا بها طويلا ولم تتم الاستجابة للطلب الفلسطيني. ذلك لايعني الموافقة ايضا بلا دراسة او تفكير بكل الاحتمالات ولكن قبل كل شيء لابد من دراسة المقترح بما له او عليه قبل النعم او اللا الشهيرة فالوقت يجب ان يصبح ثمينا اذا كان لديكم وقت بعد. عن صحيفة الايام الفلسطينية 25/12/2007