نجاح اوباما وتحدي التغيير من اجل اميركا والعالم نصوح المجالي كثيراً ما حدث في دول العالم وعلى امتداد التاريخ، أن تتمكن حركة سياسية او عقائدية أو عسكرية ما من الوصول الى سدة الحكم، بطرق ديمقراطية أو غير ديمقراطية ثم تتصرف وكأنها اختطفت الحكم لتنتهج اسلوباً في الحكم مغايراً يفرض رؤيتها واسلوبها ومعتقداتها واهدافها واخطاءها في ساحتها وفيما حولها. ولا يمر وقت طويل حتى يطغى على ساحتها وعلى الساحات التي تتأثر بسياساتها ما جلبته معها من ظلم وفساد سياسي وتجاوز وطغيان. ومثل هذه العهود وما اكثرها في التاريخ قد تخدع الناس بادعاءاتها ووعودها ونواياها المعلنة بعض الوقت، الا ان الحكم النهائي عليها يتم تاريخياً بموجب ما تتركه سياساتها وافعالها من اثار، وما تخلفه ايضاً على ساحتها وساحات الاخرين من فوضى او طغيان او دمار. وعندما يتعلق الامر بأمة عظيمة في عصرها، وقائدة لحضارة العالم المعاصر وامة لها قوة غير مسبوقة في التاريخ وتأثير غير مسبوق في شؤون العالم مثل الولاياتالمتحدة يصبح وجود مثل هذا الخلل امراً يتجاوز ساحتها وخطراً يتهدد الاستقرار والسلام في العالم. فالانقلاب السياسي والايديولوجي الذي احدثه المحافظون الجدد في الساحة الاميركية، والذي دفع بأفكار سياسية خطرة، بلورتها الادارة الاميركية الحالية في سياساتها الداخلية والخارجية قد تكون الاخطر في تاريخ الولاياتالمتحدة المعاصر، فآثارها الكارثية شديدة الوضوح على العلاقات الدولية وعلى صورة الولاياتالمتحدة في العالم وعلى النظام العالمي وعلى اوضاع الشعب الاميركي الداخلية وما يعانيه من ازمة مالية حادة نقلته من الوفرة والازدهار الى حافة الافلاس والتراجع السياسي والاقتصادي. وقد كانت هذه السياسات ايضاً الاخطر على مفهوم العلاقات الدولية المعاصر بين الشعوب عندما قسمت العالم الى مؤيدين لها اخيار ومناهضين لسياساتها اشرار وهي الاخطر على ما توصلت اليه دول العالم، من ارث نظم العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية لمعالجة ازمات العالم وفق القانون الدولي، والاخطر أنها اعادت للتعامل الدولي اساليب الاستعمار القديم والحروب الاستباقية العدوانية على الاخرين، وما تنتهي اليه عادة من تدمير لمقدرات الشعوب وحضاراتها، وتهديد لحياة ملايين البشر كما حدث في العراق وافغانستان. وهي الاخطر لأن عدوانيتها تحتم عليها ايجاد اعداء وهميين من صنعها لتبرير استخدام القوة الظالمة فالحرب على الارهاب استخدمت غطاء ليس للحرب على قلة من الارهابيين بل للحرب على أديان الاخرين ومعتقداتهم، ولاحتلال اوطان لا علاقة لها بالارهاب، مما فاقم العنف وغذى الارهاب ووسع دائرته في العالم. وتلك وسيلة ظالمة لممارسة سياسات القوة والاستعلاء على الاخرين، والتنصل من مسؤوليات دولة قائدة في العالم وتراجعها عن معالجة الصراعات الناشبة في العالم بايجاد حلول للمظالم التي لحق بالشعوب كما حدث في فلسطين. وهي الأخطر لأنها حولت ما يسمى اليمين الديني والسياسي المتطرف في ساحتها الى اداة ايديولوجية متطرفة تقف في مواجهة الآخرين. وهي الأخطر لأنها حولت ما يسمى باليمين السياسي والديني المتطرف على ساحتها الى محرك للتطرف السياسي والديني على ساحات الآخرين، ولتأجيج صراعات الحضارات والأديان في العالم عدا عما الحقته من اذى بحلفائها الذين تضرروا من سياساتها كما حدث في الشرق الاوسط ولهذا يشعر معظم سكان الكرة الارضية انهم معنيون بالتغير السياسي في الساحة الاميركية. لقد كان عهد الرئيس بوش انقلاباً حقيقياً في اوضاع الولاياتالمتحدة والعالم السياسية، انتهى الى الفشل والخيبة وعدم الاستقرار في العالم وكأن الولاياتالمتحدة كما اشار اوباما قد اختطفت الى حين من قيم شعبها ودستورها، وتطلعات وآمال العالم للمثل التي تقدمها ديمقراطيتها. وشعوب العالم وشعوب الشرق الاوسط بخاصة تتطلع الى تغيير حقيقي في سياسة العهد الاميركي الجديد ونظرته الى الصراعات الدائرة في العالم والى دور اميركي اكثر عدالة تعمل به الولاياتالمتحدة مع دول العالم وليس في مواجهتها. وهذا هو التحدي القادم لادارة الرئيس المنتخب اوباما ان يحدث انقلابا ايجابيا في سياسات الولاياتالمتحدة يحسن صورة اميركا في العالم، ويعظم دورها ليس كقوة طاغية لكن كقوة قادرة على كسب ثقة العالم والهامه بقيم الديمقراطية، وبما يعزز من ترابط العالم في اطار منظومة دولية تخدم الانسانية والسلام الدولي بقوة الحوار والاقناع والتفاهم وتبادل المصالح ومعالجة التحديات التي تواجه العالم في هذا العصر. عن صحيفة الرأي الاردنية 6/11/2008