(اعتذار) ساركوزي زهير ماجد نيكولا ساركوزي في الجزائر مثله مثل سلفه جاك شيرك: ممنوع الاعتذار عما ألحقته فرنسابالجزائريين من قتل وتعذيب واستعمار خلف وراءه عقودا من التخلف. يتطلع ساركوزي الى الوراء لكنه قد لا يراه سوى نسخة متكررة في تاريخ الاستيلاء الضروري على المنطقة كما يراه. كان ساركوزي صبيا عندما اندلعت ثورة الجزائر في منتصف الخمسينات من القرن الماضي. لم يكن قد بدأ عنده الأمل بالوصول الى رئاسة اهم بلدان اوروبا واكثرها حضورا في علامات التاريخ، من نابليون بونابرت الذي مجده بيتهوفن باحدى سيمفونياته الى اعادة النظر به حين اكتشف فيه ديكتاتورا، الى ثورة سجن الباستيل والثورة الفرنسية التي رفعت شعار الحرية والوحدة والإخاء ومن ثم الى الفلسفات الكبرى التي مهرتنا باجمل الاسماء وصولا الى ما بعد الوجودية مرورا بسارتر وكامي وما اضافته للبشرية من فن وثقافة. انه سليل هذا المجد الذي ارتفع في فضاء الكون يوم احتاجت فرنسا للتعبير عن خلجاتها المستمرة بنمو حاجتها الى امكنة تصرف فيها ما كانت قد توصلت اليه من معرفة وعلم.. يعرف ساركوزي كل ذلك، لكنه لم يكن ليحلم في لحظة اشهار الجزائريين عن ثورتهم ضد الاستعمار الفرنسي ان يأتي اليوم الذي يزور فيه الجزائر ليس ليتفقد احدى مستعمراته القديمة، بل الجزائر التي قررت فرنسا منذ اول يوم في استعمارها القفز اليها ان تكون فرنسية بكل ما تعنيه الكلمة، بمعنى ان فرنسا في لبنان كانت انتدابا وكذلك الحال في سوريا، اما في الجزائر فصيغة مختلفة، فرنسة كاملة للواقع الى حد الغاء اللغة العربية والغاء التاريخ الاسلامي.. وما زلت اذكر كيف ان اول رئيس للجزائر احمد بن بله بعد الاستقلال مباشرة وقف امام جمال عبدالناصر في اول مؤتمر قمة عربي في العام 1964 ودموعه في عينيه لانه لا يجيد الكلام بالعربية معتذرا عن ذلك ألف اعتذار.. كما مازلت اذكر احد اقطاب الجزائر بعد استقلالها كيف تفاجأ اثناء زيارته لبيروت في ستينات القرن الماضي حين رأى الاعلانات في الشوارع وقد كتبت بالفرنسية قائلا لمضيفه: لماذا تلوموننا على استعمال الفرنسية في شوارعنا وانتم اكثر منا التصاقا بها. القوة وحدها أخرجت فرنسا من الجزائر وربما عقل منير مثل الجنرال ديجول عرف معنى المقاومة حين قادها بنفسه ابان احتلال النازيين لفرنسا هو من اعطى الاشارة في منح الاستقلال للجزائريين. اما ساركوزي فكان يومها على التصاق بفتوته مثله مثل كل الشباب الصغير الذي يعي حالة وردية ويرى العالم كله من خلالها. اليوم عاد ساركوزي الى البلد الذي صار نموذجا للعديد من البلدان التي اختارت الدفاع عن حرية بلادها. ثورة المليون شهيد خطت في الزمان لتكون مكانا رائدا في افريقيا وفي العالم العربي وفي العالم الثالث آنذاك. صارت محورا يقترب منه للاصغاء الى تجربته الحيوية في صناعة الاستقلال.. ربما يكتشف ساركوزي اليوم ان الفرنسيين لا يعتذرون عما فعلوه في الجزائر كي لا تحمل فرنسا مغبة مرحلة فيها الكثير من الاسئلة وربما فيها الكثير من المراجعات وربما ايضا من التعويضات الهائلة. في غفلة من زمان مضى جاء الى العالم العربي احفاد الامتداد الصليبي الذي روع المنطقة لقرون من اجل الاعتذار عما بدر من اجدادهم. اكتشف هؤلاء مدى الضرر الذي لحق بانسان هذه المنطقة نتيجة النظرة القاصرة التي تحمل في طياتها بذورا استعمارية. مع هذا لا يعتذر ساركوزي ولن يريد الدخول في سابقة من هذا النوع كي لا يقحم فرنسا في مشروع لا تتحمله في هذه الظروف الدولية التي تتشابه فيها مع الاحتلال الاميركي للعراق وافغانستان ومع الاستيطان الاسرائيلي في فلسطين. عن صحيفة الوطن العمانية 4/12/2007