ماذا بعد أنابوليس؟ خليل العناني لم يرفض العرب يوماً حضور مؤتمر للسلام مع إسرائيل، ولم يشذ أي طرف منهم عن الإجماع العربي، لذا فقد وافقت المملكة العربية السعودية على المشاركة فى اجتماع "أنابوليس" رغم عدم وجود أية مؤشرات خاصة من طرف إسرائيل بإمكانية تحقيق تقدم جدي في عملية السلام. وتبقى المعضلة دائماً في مدى جدية إسرائيل في احترام اتفاقات السلام والتزامها بقراراته ومرجعياته. لذا فعندما ينهي المجتمعون في "أنابوليس" مؤتمرهم الدولي سيحق للشعوب العربية ، خاصة تلك التي يقع جزء منها تحت الاحتلال الإسرائيلي، أن تتساءل: وماذا بعد أنابوليس؟ أغلب الظن أن يفضي المؤتمر إلى إصدار "وثيقة مشتركة" بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بضرورة إطلاق مفاوضات الوضع النهائي خلال العام المقبل، فضلاً عن حديث "باهت" عن ضرورة إعادة النظر في المسألة السورية، ولكن دون الالتزام بأي شيء محدد. فإسرائيل ذهبت للمؤتمر ليس بهدف التوصل إلى اتفاق سلام واضح وملزم، وإنما ذهبت أولاً لإرضاء إدارة بوش وتجميل بعض من ملامح صورتها "الباهتة" في المنطقة، وثانياً لتحقيق أي قدر، ولو بسيط، من التطبيع المجاني مع الدول العربية التي ترفض التطبيع مع تل أبيب قبل عودة الحقوق العربية كاملة. وقد كانت استعدادات المؤتمر فرصة جيدة كي تطلق إسرائيل عدداً من "بالونات" الاختبار لقياس مدى صلابة الموقفيَن العربي والفلسطيني من تقديم تنازلات لها. فعلى سبيل المثال قال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قبل أسبوع أنه قبل الحديث عن إقامة دولة فلسطينية يجب على الفلسطينيين أن يعترفوا ب"يهودية" دولة إسرائيل، أي الاعتراف بالصهيونية وعدم أحقية العرب في أرض فلسطين، ما يسقط فعلياً حقوق العودة للاجئين الفلسطينيين. وقبل يومين أطلقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني بالون اختبار آخر بقولها: "لا نريد أن يتدخل العرب في محادثاتنا مع الفلسطينيين" وهذا أمر جديد وغريب في نفس الوقت ولا يخلو من "وقاحة" لم تعهدها الدبلوماسية العربية من قبل. من جهة أخرى يعتقد نفر كبير من المحللين السياسيين في إسرائيل بأن أولمرت ضعيف للغاية ، ولا يمكنه أن يقدم أي شيء للفلسطينيين، حتى لو أراد ذلك. وينظر بعضهم إلى الائتلاف الحاكم الذي يقوده أولمرت باعتباره قد بني من أجل النجاة لا من أجل صنع السلام. ومن المستبعد أن يبقى أعضاء الائتلاف الحاكم المنتمين إلى اليمين الديني، خاصة في حزب "شاس" و"إسرائيل بيتنا" في أية حكومة تريد تقديم وعود جدية حول القدس، التي تعتبر محور المطالب الفلسطينية. كما أن الحكومة الإسرائيلية لا يبدو أنها تريد تقديم أي عروض حول سحب المستعمرات الإسرائيلية من الضفة الغربية في هذا الوقت. وقبل أن يبدأ المؤتمر وافق أولمرت على تجميد بناء مستعمرات جديدة في الضفة الغربية، وهو تعهد أثار جدلا في المجتمع الإسرائيلي. وبالنسبة للعديد من الإسرائيليين فإن أية صفقة يمكن أن تعقد مع الفلسطينيين فقط عندما يمكن ضمان أمن الدولة اليهودية. الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر عن أمله بإمكان إطلاق المفاوضات خلال ثمانية أشهر يتم في نهايتها التوصل للهدف الأساسي للفلسطينيين ممثلاً في إقامة دولة فلسطينية. أبو مازن في وضع صعب، فهو من جهة يعاني أزمة داخلية حرجة لا تسمح له التحرك بحرية، ومن جهة ثانية يعاني من وعود إسرائيلية زائفة ليس لها هدف سوي المماطلة واستغلال حال الانقسام الفلسطيني. وكم كان ملفتاً أن يتم توجيه الدعوة لأبو مازن لحضور مؤتمر "أنابوليس" ليس باعتباره ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإنما بوصفه رئيساً للسلطة، وهي سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ المفاوضات مع إسرائيل. في حين أشارت لائحة المدعوين المنشورة على موقع وزارة الخارجية الأميركية على الإنترنت أن الدعوة وجهت إلى السلطة، وليس إلى منظمة التحرير. وهي محاولة أميركية وإسرائيلية للتنصل من أية التزامات يمكن القطع بها لمصلحة منظمة التحرير التي تعد المرجعية الوحيدة المعبرة عن كافة فصائل الشعب الفلسطيني، كما أنها الهيئة المخولة من قبل الأممالمتحدة للتحدث باسم الفلسطينيين. السؤال الذي يدور بخلد الجميع الآن هو: ماذا لو فشل اجتماع أنابوليس؟ والإجابة قطعاً معروفة، وهي استمرار الجمود في عملية السلام التي دخلت "الثلاجة" قبل ثماني سنوات بفعل التعنت الإسرائيلي، وانهيار أي حديث عن مفاوضات مستقبلية، فضلاً عن تنصل إسرائيل من كافة مرجعيات السلام وعلي رأسها خارطة الطريق ومبادرات اللجنة الرباعية الدولية والمبادرة العربية. عن صحيفة الوطن العمانية 28/11/2007