.. و" اليهود الأفغان "! حسن البطل .. أو يمكنك قولها "الأفغان اليهود" مسحوبة، وجهاً لقفا، على نعت "الأفغان العرب".. أو يمكنك قولها "الأقدام السوداء اليهودية" مسحوبة، قفاً لوجه، على نعت فرنسي غابر، هو" الأقدام السوداء" Les battes noires الفرنسية. هذا السحب وذاك السحب، قفاً لوجه أو وجهاً لقفا، صار جائزاً بعدما صار بعض كتّاب المقالات الإسرائيليين لا يتورّعون عن كتابة مصطلحات كانت مسحوبة على الفلسطينيين والمسلمين، مثل: "الإرهاب اليهودي" و"الجهاد العالمي اليهودي". طرف الخيط في هذا السحب (والاندراج، والتماثل، والتكامل) وهي مدروسة جيداً في أمراض علم النفس، وجدته في ثنايا رائعة مذكرات الشاعر التشيلي (العالمي اليساري) بابلو نيرودا، المعنونة: "أشهد أنني قد عشت".. وأنا أعيد قراءتها بعد ثلاثين سنة.. بس! بإشارة عابرة، أثنى نيرودا على ضلاعة جاك سوستيل، الشخصية الفرنسية الاشتراكية، التي كانت من معارضي خطة الجنرال ديغول المعدّلة من "الجزائر فرنسية" إلى استفتاء الفرنسيين والجزائريين على الانفكاك و"تقرير المصير". ربما كان السياسي جاك سوستيل يريد جزائر فرنسية وفرنسا جزائرية.. والاثنتان تحت حكم اشتراكي - استعماري.. لكنه أطلق تمرّد جنرالات استعماريين، ترأسهم الجنرال "سالان" هددوا قائدهم ديغول بانقلاب عسكري فاشي ويميني.. وفاشل، وبالتحالف مع ميليشيا إرهابية شكّلها المستوطنون الفرنسيون في الجزائر (الكولون).. ودعيت ب "الأقدام السوداء". دون "طول سيرة" عانت فرنساوالجزائر، قبيل وبعيد استقلال الأخيرة، نوعين من "الإرهاب": أحدهما جزائري عادل هو خلايا "جبهة التحرير الوطني الجزائري" في فرنسا؛ والثاني فاشي فرنسي غير عادل، حيث نقلت عصابات "الأقدام السوداء" إرهابها من الجزائر الى فرنسا.. مع رحيل معظم المليون مستوطن (معمّر) إلى بلادهم الأصلية. تدركون، سريعاً، وجاهة المقارنة، لأن العماليين الإسرائيليين "الاشتراكيين" هم من بدأ "تهويد" الأراضي الفلسطينية المحتلة (اسألوا السيد شمعون بيريس عن مستوطنة إيلون موريه قرب نابلس). بعد نصف قرن، تعاني إسرائيل من مستوطنيها "الطلائعيين"، ومن مخاطرهم على الحل السياسي، والديمقراطية و"يهودية دولة إسرائيل" كما عانت فرنسا. "المعمرون" في الجزائر هم "يشع" هنا، وعصابات زئيف (زمبيش) حفير، ولاحقاً باروخ مارزل، في دور عصابات "الأقدام السوداء".. وكما نقلت هذه الحرب إلى أرض فرنسا، فإن "الأقدام السوداء اليهودية" نقلت الحرب إلى عكا ويافا والقدس.. وقريباً إلى أم الفحم. الذين تم إخلاؤهم من "الجزائر فرنسية".. والذين تم إخلاؤهم من قطاع غزة ومستوطنات منطقة جنين. ما سبق، سيرورة مفهومة.. فلماذا لا نوسع بيكار المقارنة - المشابهة، وننعت غلاة المستوطين اليهود بأنهم في دور "الأفغان اليهود"؟ في هذا الحقل وذاك الحقل نبتت أشواك "طالبان" أفغانستان، ثم "القاعدة".. وكذا ما يشبه "طالبان يهودا والسامرة". لعلّني تطرفت في المقارنة الأولى، وتظرفت في الثانية.. لولا أنني رأيت، قبل سنوات، على قناة التلفاز الإسرائيلي الأولى (البرنامج العربي) فيلماً وثائقياً يزعم أن القبيلة اليهودية الضائعة استقرت في بلاد "ممر خيبر".. وكل ما في الأمر أن هؤلاء أسلموا وتأسلموا. سوّغ ذلك الشريط هذا الادعاء بتشابه في الأزياء، وقصّات الشعر، وأغطية الرأس.. وحتى بمخطوطات أفغانية محفورة على الصخور.. وبعادات شعبية مثل طريقة في الرقص الشعبي.. الخ! يمكن للذين أثار هذا الأمر فضولهم (أو استفظاعهم)، أن يطلبوا الشريط الوثائقي من أرشيف التلفزيون الإسرائيلي ويشبعونه ضرباً وتنكيلاً وتسفيهاً.. أو ارتياباً ونقداً لزعم آخر من مزاعم اليهودية التوراتية. في الأقل، يمكن هضم المقارنة بين دور "مجلس يشع" (يهودا وشومرون وغزة) ودور المستوطنين الفرنسيين في الجزائر؛ ومن ثم بين دور "الأقدام السوداء" الفرنسية ودور غلاة المستوطنين في الضفة.. ومحاولتهم السيطرة على مقاليد الأمور، أو صنع القرار السياسي، في دولة إسرائيل ذاتها.. وفي المحصلة، قد تلزمنا، فلسطينيين وإسرائيليين، خبرة فرنسية لمواجهة خطر مشترك تشكّله "الأقدام السوداء اليهودية" على مقولة الحل المطروح: دولتان لشعبين. هذه حالة مرضٍ معدٍ خارج مأثور القول: "رمتني بدائها وانسلّت". عن صحيفة الايام الفلسطينية 2/11/2008