ماذا أعد العرب؟ علي العبدالله لا يزال اجتماع أنابولس الدولي (سيعقد الاجتماع في الأكاديمية البحرية للجيش الأمريكي في أنابولس ولاية ميرلاند نهاية الشهر الحالي أو بداية الشهر المقبل) حول الشرق الأوسط عرضة للتفسيرات والتقديرات المتضاربة تبدأ من أهداف الرئيس الأمريكي من الدعوة للاجتماع، والنتائج التي يمكن أن تتحقق فيه ولا تنتهي عند توقع الفشل بسبب التعنت “الإسرائيلي" الرافض للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني كما أقرتها الشرعية الدولية. غير أن ما يدعو للقلق مما يجري راجع إلى وجود تحرك وحوار علني واستعدادات وتحضيرات سياسية وحزبية نشطة في “إسرائيل" في مقابل موجة خاملة تحكم تحرك الأنظمة العربية، فلا مواقف عربية معلنة من الاجتماع، قبولاً أو رفضاً، ولا لقاءات جماعية للتنسيق، ولا رؤى سياسية، فردية أو مشتركة، واضحة تغطي مجمل قضايا المفاوضات. “الإسرائيليون" ناقشوا وبصوت مرتفع ما يقبلونه من اجتماع أنابولس وما يرفضونه، فالحكومة ناقشت الموضوع في اجتماعات موسعة ومضيقة، وأرسلت الوزراء والوفود إلى الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، والأحزاب، داخل الحكومة وخارجها، أعلنت ما تقبل وما ترفض بصراحة ومن دون مواربة. وقد اتضحت صورة الموقف “الإسرائيلي" ومحدداته التي يمكن أن نجملها في: الاكتفاء بصدور إعلان مشترك “إسرائيلي" فلسطيني عن الاجتماع. إعلان عام لا ينطوي على التزام بأي صيغة نهائية لحل القضايا الجوهرية المعلقة، قضايا الحل النهائي بالتعبير الفلسطيني، أو بأي جدول زمني، واستكمال المفاوضات بين الطرفين، ف"المسار الثنائي يجب أن يبقى، كما قالت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، المحور المركزي وأن مؤتمر أنابولس هو فقط جزء من ذلك". ربط المفاوضات بخطة خارطة الطريق والمطالبة بتنفيذ الطرف الفلسطيني لأولى مراحل الخطة: تفكيك المنظمات الإرهابية، المقصود المنظمات الفلسطينية التي تتبنى الخيار العسكري. إقرار فلسطيني ب"يهودية" القدس، وب “يهودية" دولة “إسرائيل". رفض عودة فلسطينيين، عدا حالات إنسانية محدودة، إلى “إسرائيل"، فالعودة هي إلى الدولة الفلسطينية فقط. وقد اتفقت حكومة “إسرائيل" على محدد واضح للقبول والرفض لخصه أولمرت بقوله: “قدرة الاحتمال السياسي لحزبي “شاس" و""إسرائيل" بيتنا" (حزبان هددا بالانسحاب من الحكومة إذا قبل أولمرت بتقسيم القدس أو بتحديد جدول زمني للمفاوضات) هي ما سوف يحدد هامش مرونة “إسرائيل" في جولة المباحثات الحالية". وقد اعتبر تكليف وزيرة الخارجية ليفني بقيادة المفاوضات في أنابولس تبنياً لمواقف الجنرال ايهودا باراك، وزير الدفاع، ليفني متحالفة معه في مواجهة سياسة أولمرت “المرنة"، والتي مواقف باراك أساسها: الحذر، الاتزان والبطء في الحركة. انطلق “الإسرائيليون" في موقفهم من تقديرهم لموقف الرئيس الأمريكي “فالرئيس، كما قال المعلق “الإسرائيلي" الوف بن في معاريف يوم 9/10/،2007 الأكثر ودا ل"إسرائيل" جورج بوش، في عام ولايته الأخير، لن يذهب للصدام مع “إسرائيل". وبوش غير متحمس، مثل رايس، لتحرير الفلسطينيين من ربقة الاحتلال “الإسرائيلي". وقد حظر في الماضي على وزيرة خارجيته ليَّ ذراع أولمرت، وفي القدس يؤمنون أنه سيواصل الدفاع عن “إسرائيل"، ومن قناعتهم بأن “النظام العربي بأغلبيته المؤثرة تريد من الفلسطينيين إنهاء الصراع بأسرع وقت ممكن نظراً لأن بقاءه لم يعد محتملاً، وهو كفيل بتحميل الفلسطينيين مزيداً من الأعباء والتبعات. والوضع الفلسطيني بات مشرذماً حيث تصعب إعادة توحيده فقط بشعارات مواجهة “إسرائيل"، وب"أن السلطة الفلسطينية ستتراجع عن مواقفها المتشددة من قضايا الحل النهائي وحجم التبادل في الأراضي لانعدام الخيارات أمامها"(حلمي موسى السفير: 15/10/2007). فماذا أعد العرب؟ أما الأنظمة العربية فلم تتخذ موقفاً واضحاً أو حاسماً من حضور الاجتماع أو المطالب التي ستطرحها على طاولة المفاوضات حيث تعددت مواقفها المعلنة وتباينت وتوقفت عند حدود مطالب شكلية وجزئية من نوع: الدعوة للتأجيل، أو المطالبة بالتحضير الجيد للاجتماع، أو المطالبة بضرورة اتفاق الفلسطينيين و"الإسرائيليين" قبل الاجتماع، ما يعني تبني خيار ترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة الضغوط الأمريكية “الإسرائيلية" عبر الدعوة لضرورة التوصل إلى اتفاق قبل الاجتماع، تعبيراً عن غياب موقف محدد فردي أو جماعي من جهة وغياب موقف جاد وحاسم من مضمون المفاوضات كالمطالبة بتنفيذ مبادرة السلام العربية أو التمسك بالقرارات الدولية ذات الصلة، وربط الجلوس مع “الإسرائيليين" بمطالب محددة، كيلا يقدم التطبيع مجاناً للدولة الغاصبة. يرتبط موقف الأنظمة العربية هذا بموقفها المتردد في مواجهة الإدارة الأمريكية والرافض للاصطدام بها، فالتعاطي مع الإدارة وليد علاقة تقليدية مختلة لمصلحة الأخيرة من جهة، ومرهون، في هذه اللحظة، بقراءة الأنظمة العربية الخاطئة للملفات الساخنة في الإقليم (الملف النووي الإيراني واحتمال الذهاب إلى مواجهة عسكرية أمريكية إيرانية، العراق، ولبنان) من جهة ثانية. ما جعلها تشعر بانعدام الوزن أمام الإدارة لحاجتها لها في مواجهة المخاطر التي ستترتب على الحرب المحتملة، ولتمرير الاستحقاقات العراقية واللبنانية بما يتفق مع مصالحها وعلى حساب مصالح خصومها السياسيين في الإقليم. مع أن واقع الحال يسمح بخيارات وبدائل أخرى أفضل وأقل ضرراً بالمصالح العربية بعامة والفلسطينية بخاصة، حيث إن احتمال الذهاب إلى حرب مع إيران يضع الولاياتالمتحدة في موقع المحتاج لهذه الأنظمة إن لجهة تقديم غطاء سياسي للحرب أو لجهة السماح لها باستخدام أراضيها في مهاجمة إيران، كما أن الإدارة بحاجة ماسة لهذه الدول كي تنفذ استراتيجية خروج ناجحة من العراق تحفظ ماء وجهها، وتحتاجها كذلك لتدعيم موقفها في لبنان والمساهمة في دعم قوى سياسية لبنانية في وجه الضغوط السورية والإيرانية التي تدعم أطرافاً لبنانية موالية لها. لقد كانت اللحظة السياسية الراهنة تسمح ب"وقفة" مع الصديق، كما يقال، ومراجعة العلاقات الثنائية والجماعية من أجل تصحيح العلاقات وموازنتها على قاعدة الندية ووضع تصورات مشتركة قائمة على توازن المصالح، والعمل على خدمة وتحقيق المصالح الوطنية والعربية، إن في اجتماع أنابولس أو في معالجة الملفات الإقليمية الأخرى. عن صحيفة الخليج الاماراتية 18/11/2007