خرج علينا مستر أوباما رئيس أكبر دولة في العالم كعادته، وهو في كامل هيئته، منتشياً، مُهندماً بذلته، مُلمعاً جزمته، مُسبسباً شعره، يَبرقُ كالبدر في تمامهِ، أو مثل "الصيني بعد غسيلهِ"، مغتراً بنفسهِ، مفتخراً بما حققته قواتهِ، ليعلن في هدوءٍ ودون عجل، "مات بن لادن"، هكذا قالها بلا وجل.
كان هذا هو الخبر الأبرز الذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية علي اختلاف لغاتها، وبمجرد الانتهاء من إعلان الخبر إلا وخرجت جموع الجماهير بالدول الغربية ترقص و"تزقطط"، تتمايل وتصفق، وكأنهم انتصروا في الحرب العالمية الثالثة.
ورغم معرفتي السطحية من خلال وسائل الإعلام بأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة والذي كان – رحمه الله- "بعبعاً" للغرب، إلا أنني شعرت بحزن عميق، وحقيقةً، لا أعرف لماذا؟
وارتبك قلمي وارتجف عندما عزمت علي كتابة مقالي هذا، فلو أشدت بالرجل سيقول قائل إنني من تنظيم القاعدة ومن أصحاب الفكر الضال، ولو انتقدته سيتهمني آخر بأنني خائن وعميل.
وبعيدا عن هذا وذاك، فقد تابعت ما تناقلته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة عن الرجل، حتى أعرفه حق المعرفة، وأعرف لماذا هذه "الهيصة والزيطة" التي يفتعلها الغرب بسبب اغتياله؟
بن لادن من عائلة سعودية غنية، ويتركز مجال عملها الرئيسي في أعمال المقاولات والبناء، وترك لهم والده ثروة تقدر بحوالي 900 مليون دولاراً، أي أن الرجل كان غنياً مترفاً.
ولكنه آثر أن يترك حياة النعيم والترف إلي حياة المجد والشرف، طامعاً في ثوابه في الدار الآخرة من ربه، فوهب نفسه للجهاد أواخر الثمانينات، مدعماً المجاهدين في إسقاط الاحتلال السوفيتي لأفغانستان حتى تم المراد ببركة رب العباد.
ورغم أن أمريكا دعمته في بادئ الأمر لمواجهة عدوها اللدود "السوفييت"، إلا أنها عادت وانقلبت عليه عندما هاجم وانتقد التواجد الأمريكي في العراق ودول الخليج.
فانقلب السحر علي الساحر، وأصبح المطلوب رقم واحد علي قائمة الإرهابيين في العالم خاصة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، وعجزت أمريكا بكل أسلحتها ووسائلها التكنولوجية الحديثة طوال أكثر من 10 سنوات أن تصطاد الرجل، ولكنها نجحت في النهاية واغتالته.
ربما بهمسة ووشاية أو خيانة وحكاية أو بجائزة دولارية قدمتها 52 ولاية، وقريبا ستتضح الرواية.
فما حدث لبن لادن في معناه السطحي البسيط أنه تم اغتيال مجاهد عربي مسلم، ألتف حوله كثير من العرب والعجم والمسلمين، وأرفض وصفه بالإرهابي، كما يردد أبواق الغرب من كتاب وصحفيين.
فإذا كان بن لادن إرهابي، وأنه كان مسئولا عن سقوط ضحايا أبرياء في بعض دول الغرب، فماذا نسمي سقوط الأبرياء قتلي وجرحي في العراق وأفغانستان وباكستان وليبيا والصومال وفلسطين والشيشان والسودان وغيرها من بلاد الإسلام ويقدر عددهم بمئات الآلاف في بلد واحد فقط هو العراق .
قالوا: نيران صديقة، ولكنها أبداًً لم تكن الحقيقة.
إن أكثر ما يخيف الغرب هو بروز صوت إسلامي قوي يدعو للوحدة والمواجهة، لأنهم خططوا بدعم صهيوني خبيث علي وضع العرب والمسلمين في الموضع الذي يريدون.
حتى أصبحنا بعد أن كان أسلافنا سادةً لهذا العالم نغوص داخل "القصعة"، ويتأهب المتأهبون لالتهامنا، لذا عندما رفع بن لادن صوته قوياً رافضاً الوصاية والتبعية، جاءه الموت بأيد أمريكية.
وصدق رسول الله (صلي الله عليه وسلم ) حين قال: "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟
قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".
حلمنا الآن يا سادة حلم بسيط، وهو حلم كل عربي مسلم أو غير مسلم، وهو الخروج من "القصعة".