استيقظت اليوم على خبر تناقلته وكالات الأنباء، وأحتل نصيب الأسد في شريط الأخبار على القنوات الأخبارية وهو (مقتل بن لادن على يد قوات الكومندوز الإمريكية)، أو (إستشهاد المجاهد أسامة بن لادن على يد أمريكا)، أختر الصيغة الملائمة لك والمناسبة لمرجعيتك، فمما لا شك فيه أن بن لادن هو الشخصية الأكثر جدلاً بالأوساط الإسلامية؛ فتجد من يوافق على كل أفعاله ويدعمه دعمًا مطلقًا، وهناك من يخالفه في كل أفعاله مخالفة مطلقة، وأيضا يوجد من يقف على خط البين وبين، فلا هو موافق على كل أفعاله، ولا هم ناكر عليه صفة الجهاد العظيمة! * زواج غير شرعي! لو رجعنا للأمس البعيد بعام 1979 عندما تبنى بن لادن تمويل الحركة الجهادية بأفغانستان ضد الغزو السوفيتي، وهو الشاب الثري ذو المال والعلاقات ثم أنشأ (معسكر الفاروق) عام 1984 وجاءت أمريكا لتدعمه بالتدريب والتسليح، وليست وحدها كانت معها السعودية ومصر، وكانت مصلحة أمريكا العليا هي التخلص من -العدو- الإتحاد السوفيتي لهذا جاء دعمها بكل قوتها لبن لادن وحركته الجهادية السلفية المسلحة، وكان من المقبول عقلاً ومنطقياً أن يفرز هذا الزواج الغير شرعي بين إمبرالية أمريكا وسلفية الجهاد عن أبن غير شرعي وهو تنظيم القاعدة، ولم يمر وقت طويل حتى أصبح الأبن غير بار بوالديه على حد السواء، فلا هو بقى تحت طوع أمبريالة أمه وأصبح الشوكة بحلقها منذ عام 1990، ولا هو حافظ على قداسة الجهاد ومارسه بشكل سليم في كل الأوقات فأثر ذلك على صورة الإسلام بعيون العالم الغربي، ومن وقتها وأصبح أصدقاء الأمس القريب هم أعداء اليوم والغد. انا لم أشرع بكتابة هذا المقال كي أحكي تاريخ بن لادن وأمريكا، فهي حكاية حفظناها منذ زمن.. ولكن هناك ما يشغل بالي منذ أن سمعت خبر موت بن لادن -إن صحت الرواية ومات فعلاً الآن-، فلمَّ أبقت عليه أمريكا كل هذا الوقت؟، ولماذا الآن تحديداً تغتاله؟، وهل عليَّ أن أصدق أنه لم يكن بمقدور أمريكا أن تتخلص منه خلال كل هذه السنين؟، ولمَّ لمْ تعتقله وأغتالته وهي المدعية إنها ضد الراديكالية دوماً؟!، وأسئلة من هذا القبيل تنكز عقلي بشكل مستمر، ولكن دعونا نتفق أنا لا أدعِ أني محللة سياسية، ولكنها مجرد محاولة تحتمل الصواب أو الخطأ، وأكتبها بمنتهى الحيادية دون النظر لوجهة نظري الشخصية بأسامة بن لادن!. *لماذا أبقت عليه بالماضي؟ أعتقد أن أمريكا استفادت كثيراً من تنظيم القاعدة رغم خسائرها المزعومة التي تحاول دومًا إبرازها، فبن لادن كان سلاحها القاتل ضد الإتحاد السوفيتي، وأيضا كان بن لادن هو ذريعتها الرئيسية لضرب أفغانستان ودكها ليومنا هذا، وتنظيم القاعدة هو مسمار جحا بالعراق وهو من أعطى الشرعية لحرب أمريكا تحت شعار زائف وهو الحرب ضد الإرهاب، ولن أغفل أن التنظيم هو الكارت الرابح دومًا بأيدي الحكام العرب أصدقاء أمريكا في ترهيب شعوبهم العربية، فبنظرة سريعة نجد أن العامل المشترك بالفترة الأخيرة في الخطاب الرئاسي بالبلاد العربية التي تنتفض إنتفاضة الحرية، هو التخويف من تنظيم القاعدة بأشكال مختلفة، فمثلا بمصر كانت النغمة هي الخوف من إندساس عناصر من القاعدة بين الثوار، وفي اليمن تدعي الحكومة أن المحرك الرئيسي للثورة هو تنظيم القاعدة، بينما بليبيا تباينت النغمات مع مرور الوقت، ففي أول الأمر كانت ترهيب للشعب بتفشي عناصر القاعدة بالبلاد، ثم أصبحت تهديد للغرب بالتحالف بين النظام وتنظيم القاعدة ضدهم!!.. فمن وجهة نظري الشخصية جداً أن المكاسب التي حققتها أمريكا كانت أكبر من التي تتوقعها عندما تتخلص منه، خاصة وأنها نالت تعاطف وإحترام شريحة كبيرة من كارهي الإسلاميين بالعالم، خلال حربها المزعومة ضد الإسلام المتطرف!. *لماذا الآن تحديداً تغتاله؟! لو نظرنا وتابعنا بكثب الوضع بالعالم العربي الآن، وهو ينتفض وتنتقل شرارة الثورة المباركة من بلد لآخر بسرعة البرق، لوجدنا أن كلما سقط نظام موالي لأمريكا ظهر نجم الإسلاميين، فمثلا بتونس بمجرد أن سقط زين العابدين رجع الإسلامين المنفيين بالخارج إلى تونس وسط ترحيب وتدعيم كبير من الشعب التونسي، والوضع لم يختلف كثيراً بمصر فبمجرد أن سقط مبارك سطع نجم الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي ككل، وأستمد شرعية وقوة من شريحة عريضة بالمجتمع المصري، ناهيك عن الرسائل المرعبة التي تُبث كل يوم جمعة بمشهد بات مكرراً ومألوفًا، وهو صلاة الملايين بالشوارع والميادين وصوت التكبير كزئير يرعب قلوب الكثيرين غير المدركين لطبيعة الإسلام، بالإضافة إلى وصف إيران لما يحدث بالعالم العربي على إنه صحوة إسلامية!، كل هذا أعطى مؤشرات قوية لأمريكا تؤكد إحتمالية تولي التيار الإسلامي الحكم بالعالم العربي بالفترة القادمة، وهذا جعل التخلص من بن لادن فوراً أمراً بالغ الأهمية وهذا لثلاثة أسباب من وجهة نظري: أولا: بوصول التيار الإسلامي للحكم بات على أمريكا تغيير نغمة خطابها ولهجته عن الإسلام -وهذا ما أجدها تفعله فعلاً الآن- فكان لابد التخلص من رأس الإرهاب التي تشن عليه حربها، حتى يتثنى لها إعادة هيكلة علاقتها بالإسلام؛ بشكل مبرر لمن بارك حربها ضد الإسلام حيث تم القضاء على رأس الشر فلا داع الآن للعدائية الشديدة ضد الإسلام، وبطريقة تضمن لها الحفاظ على مصالحها مع الرقعة العربية. ثانيًا: الخوف من أن يدعم التيار الإسلامي تنظيم القاعدة بشكل علني وصريح بعدما يصل للحكم، فيصبح بن لادن الأقوى والأشد خطورة، وتنقلب مكاسب أمريكا التي تحرزها منه إلى خسائر متتالية قاتلة، ووقتها قد لا يكون هناك خيار أمام أمريكا سوى الإنخراط بحروب ضارية ضد بلاد متعددة وتكبدها الكثير من مليارات الدولارات، وهي التي أنهكت إقتصادها بسبب حربها ضد العراق وأفغانستان، فكان التخلص من بن لادن الآن وبالتالي تنظيم القاعدة على المدى القريب الحل الأمثل قبل أن يصبح مارد لا يمكن الوقوف ضد! ثالثًا: التخوف الشديد من ظهور نموذج طالبان عربي، وهذا ما لا تقبله أمريكا تحت أي ظرف من الظروف، فتخلصت من بن لادن عسى هذا التصرف يحد من إستراد نموذج طالبان، فموت الأب الأوحد للقاعدة مؤكد سيصابها بالضعف وبالتالي ستضعف طالبان، ويتقزم النموذج بعيون أنصاره من العرب الراغبين في إستراده.. أو هكذا تظن أمريكا!!!. *لمّ أختارت أمريكا تصفية بن لادن لا إعتقاله؟ لأن إعتقال أسامة بن لادن سيكلف أمن أمريكا الكثير، فهناك العديد من قصص الضغط من قبل منظمات وتنظيمات تم إعتقال قادتها على مر العصور، وكلف هذا الحكومات التي تم الإعتقال بواسطتها سلسلة من الإغتيالات بصفوفها، والتفجيرات والسطو المسلح على منشأت مالية ضخمة حتى تفك أسر قائد التنظيم أو المنظمة، فأعتقد أن أمريكا قررت تقليص الأضرار لأقصى درجة ممكنة، فيصبح الإنتقام لقتله عملية إنتقامية قد تستطيع تخمينها أو تزويد الإحتياطات الأمنية فتحصر الخسائر بشكل كبير... هذا إن كان أسامة قد مات الآن فعلاً، فبداخلي إعتقاد آخر يقول أن أسامة قد توفي بالفعل منذ فترة وقررت أمريكا الإعلان الآن فقط، لأن هذا يعزز مصلحتها الشخصية، فلم يظهر بن لادن منذ فترة طويلة على شاشات أشرطته المسجلة، ويؤكد إحساسي هذا دفن بن لادن بالبحر بشكل همجي لا يمت للإنسانية بصلة، ويخالف الشريعة الإسلامية المفترض الإلتزام بها عند دفنه كشخص مسلم!!!. ومن جهة أخرى يأتي إغتيال بن لادن هزة قوية لأنصار التيار السلفي المجاهد بالعالم كله، فمن المعروف أن تنظيم القاعدة هو تنظيم شبكي منفصل حيث لا يجتمع بمكان واحد أبداً، متصل عن طريق قادته، وعندما يموت القائد قد تتشرزم القاعدة فكريًا بالإضافة لتفككها أصلاً!، وبهذا الطريقة تفقد الكثير من الجماعات الإسلامية السلفية الجهادية إتصالها بالقاعدة بشكل ميسر، وهذا قد يجبرها على أن تنخرط بالعمل السياسي داخل بلادها بعدما تتاح لهم الفرصة بوصول التيار الإسلامي للحكم، فتتقي أمريكا شر تلك الجماعات بعدما يموت مذهب القاعدة الأساسي وهو توحيد العدو القريب بالعدو البعيد!. *وجهة نظر شخصية جداً.. هكذا حاولت تحليل ما حدث بمنتهى الحيادية، ولكني حزينة للغاية على نهاية بن لادن، فهو إن أخطأ في بعض تصرفاته، فيكيفه تركه حياة الرغد والطرف وتجنيد كل ماله لدعم الجهاد الإسلامي، وقام بهذا لأنه لم يجد حاكم عربي واحد يحافظ على دين الله، أو يهب لنصرة المدنيين العزل ببلاد تنتهك، ومن يصفه بالإرهابي لأنه يقتل المدنيين، فلنا بمصر مثلا حي، فعندما حدثت تفجيرات شرم الشيخ منذ عدة سنوات تم تلفيق التهمة لتنظيم القاعدة، وإكتشفنا فيما بعد أن من فعلها هو جمال مبارك بمساعدة حبيب العدلي لضرب أحد رجال الأعمال المعتمد على السياحة بشرم الشيخ، وأيضاً عندما تم تفجير كنيسة القديسين تم الإشارة للقاعدة وإنها وراء هذا الفعل المشين، ليتبين أيضا إنه من تنظيم حبيب العدلي، ولن أنسى إن يوم تفجيرات مبنى التجارة العالمي كان كل اليهود العاملين بالمركز غير موجودين!!!. وحتى لو كان أسامة أستهدف بعض المدنيين في وقت من الأوقات، ألم يكن ردا على إستهداف مدنين مسلمين ببلاد أخرى؟!، ولمَّ نصفه هو بالإرهاب؟ ولا نصف من يستهدف المدنين العزل بالعراق وأفغانستان والشيشان والصين وفلسطين وغيرها... بالإرهاب؟، ولمَّ يكون وحده الإرهابي؟؟، وكل بلادنا كانت ولازالت تستخدم الإرهاب ضد أبناءها!!، أنا لا أدافع عنه الآن فهو بين يدي الحق الذي لا يظلم، وأتمنى يغفر الله له أخطاءه التي فعلها وهو يعتقد إنه ينصر الإسلام والمسلمين، اللهم عامله بما أنت أهل له، ولا تعامله بما هو أهل له، وأرحمه وأغفر له وتقبله بين الشهداء، وأسكنه فسيح جناتك.. آمين