انسانية الدور العربي وبشاعة دور المنظمات الأوروبية محمد الحسن أحمد شهد السودان في الأيام الماضية ثلاثة أحداث متزامنة، هي مؤتمر الجامعة العربية لإعمار دارفور، وانعقاد جلسات مؤتمر سرت لمعالجة قضايا دارفور، والفضيحة الأوروبية للمتاجرة بأطفال تشاد ودارفور، في الوقت الذي تروج فيه الدعاية الدولية لما يسمى بالإبادة الجماعية التي يمارسها العنصر العربي ضد هذا العنصر المتحدر من أصول إفريقية في دارفور. يا لها من مصادفة عجيبة ومفارقة تكشف ما كان مستوراً. * لنبدأ بالحدث الأول وهو المؤتمر الذي نظمته الجامعة العربية لإعمار دارفور، فقد كان الحضور فيه كثيفاً والمساهمات فيه مقدرة بربع مليار دولار رأى فيها البعض بداية طيبة وحسبها البعض أقل من الطموح الذي صاحب التوقعات. ولكن المشاركة في حد ذاتها والاستعدادات التي أبداها الجميع لرفع سقف العون كان له أكثر من دلالة مقدرة، إذ قدر ما هو مطلوب بنحو ثمانمائة وخمسين مليون دولار. اتفق المؤتمرون على استمرار الجهد من أجل حشد مزيد من الموارد والمساهمات العربية لمعالجة الأوضاع الإنسانية والإعداد لمرحلة إزالة آثار الحرب وإعادة الإعمار والبناء، وتم الاتفاق كذلك على تشكيل آلية تضم السودان والجامعة العربية لمتابعة تنفيذ التعهدات والمشروعات التي تم إطلاقها في مداولات المؤتمر. وكان المؤتمر ناجحاً بكل المقاييس سواء من ناحية الحضور الذي جمع لأول مرة بهذا القدر وهذا المستوى مسؤولين من الدول العربية والمؤسسات الاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني. ولهذا استحقت الجامعة العربية الثناء والتقدير وبصفة خاصة الأمين العام عمرو موسى الذي كان منذ البداية يضع دارفور موضع اهتمامه. وشكر المؤتمر موقف الحكومة السودانية لمبادرتها إعلان وقف إطلاق النار بالتزامن مع انطلاق مفاوضات سرت، ودعا الحركات الرافضة للمشاركة في المفاوضات. * وفي سرت انطلقت المفاوضات ولكن للأسف أن بعض الحركات ومنها “حركة العدل والمساواة" و"حركة تحرير السودان" بقيادة عبدالواحد محمد نور لم تشاركا، وطالبت بعض الحركات بمهلة إضافية لاستكمال بعض المشاورات ولم تتعنت الحكومة بل استبقت الجميع بإبداء بعض المرونة في إعطاء زمن محدد لتمكين مَن طالَب بزمن إضافي من الاستجابة لطلبه. ونشكر الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي ومعهما الأمريكان على المساعي المبذولة لإشراك الجميع في المفاوضات. فالسعي الى إشراك الفصائل أفضل بكثير من استعجال البحث عن إنزال عقوبات بحق من يرفض حتى الآن الاشتراك في مفاوضات سرت، وللجميع خير تجربة في مفاوضات أبوجا، ويحسن بالحكومة السودانية أن تنأى بنفسها عن مثل هذه المطالبات وأن تترك الأمر للمجتمع الدولي ليقدر هو في ضوء مجريات الأحداث ما هو الأصوب. وفي ضوء هذه الأجواء التي رحبت بإمهال الحركات فسحة من الزمن تبين أن المهلة المقترحة تتراوح بين ثلاثة الى أربعة أسابيع لتتمكن الحركات من توحيد رؤاها، وهناك مقترحات لقيام ورش عمل للقضايا الرئيسية تعقد في سرت، ورشة قسمة السلطة، بينما تعقد في أسمرة ورشة الترتيبات الأمنية، وفي مصر قضايا الأرض، والقضايا الإنسانية في تشاد. وفي كل الأحوال فإن اجتماعات سرت وما صحبها من اتصالات أسفرت عن نتائج مشجعة وصفها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بأنها حققت تقدماً كبيراً على صعيد تقريب وجهات النظر بين الجميع. * ويبقى الحدث الثالث والأخير الذي شهده السودان متزامناً مع الحدثين السابقين هو فضيحة المنظمة الفرنسية التي تم إحباط مخططها في تشاد عشية انعقاد مؤتمر الجامعة العربية لدعم دارفور في الخرطوم، وهي منظمة جمعت أكثر من مائة طفل من معسكرات اللاجئين الدارفوريين والتشاديين وكانت على وشك إرسالهم الى فرنسا في طائرة كانت تتأهب لمغادرة مطار أبشي في تشاد لكنها لحسن الحظ وقعت تحت قبضة السلطات التشادية في اللحظة الأخيرة وتم القبض على سبعة عشر شخصاً فرنسياً وإسبانياً في هذه العملية. وقد زعمت الجمعية أن هؤلاء الأطفال هم أيتام لا عائل لهم وأنها بصدد تبني رعاية إنسانية لهم هناك. ولقد حققت “اليونيسيف" في المسألة بصورة مبدئية وتبين أن هؤلاء الأطفال ليسوا أيتاماً بل ظهر على شاشات بعض الفضائيات بعض ذويهم وتحدثوا عن كيف خدعوا بادعاء أن هؤلاء الأطفال سيرسلون الى مدراس في قرى سودانية وتشادية ليتعلموا القرآن والفرنسية. وبالرغم من أن الحكومة الفرنسية على أعلى المستويات دانت العملية والتزمت بإجراء تحقيقات شاملة حولها، إلا أن أطرافاً فيها لا بد أن تكون ضالعة على نحو ما في العملية لأنه من المستحيل إتمام كل إجراءات النقل والدخول والإقامة من دون علم أطراف معينة من الحكومة. وتلك فضيحة كبيرة وجريمة من جرائم العصر خاصة أن التحليلات أخذت ترسم صوراً لا إنسانية لما وراء هذا الاتجار في الأطفال سواء بغرض استعبادهم أو استغلالهم جنسياً أو بيع أعضائهم لعلاج المرضى. وأياً كان الهدف فإن في الأمر دروساً ينبغي أن يستخلصها أهل دارفور قبل غيرهم. إننا هنا لا نريد أن ندافع عن بعض الأعمال الوحشية التي ارتكبتها الحكومة أو الحركات المتمردة وإنما نريد أن نبرئ العنصر العربي من الأكاذيب التي نسجت حوله بحسبانه يسعى الى إبادة العنصر الإفريقي، وأن الرجل الأبيض هو الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها لحماية الدارفوريين من همجية العرب. فها هي الصدف وحدها جعلت الحشد العربي لعون دارفور يتزامن مع انكشاف هذا الانخطاط الأوروبي. عن صحيفة الخليج الاماراتية 5/11/2007