أسئلة تثيرها ذكرى " ثورة أكتوبر " في السودان جمال عدوي يتوقف المتابعون للشأن السياسي السوداني، عبر فصول التاريخ الحديث للسودان، عند تجربة انتصار «الثورة الشعبية» في شهر أكتوبر من عام 1964، وهي التجربة التي اسدلت الستار السياسي، إيذاناً بانتهاء حقبة الحكم العسكري الأول في السودان الذي دام لنحو ستة أعوام، من 1958، إلى 1964، ودشنت عهداً سياسياً مميزا، ضمن حلقات التجربة السياسية السودانية، هو عهد الديمقراطية الثانية. ولا تزال الأنظار ترنو إلى حلقات الأمس في تجارب السودان السياسية المتنوعة والمتقلبة لاستقراء الدروس والعبر، من أجل الاستفادة من حصيلة هذه التجارب بحلوها ومرها، في بناء واقع سياسي ملائم تتوافق حوله إرادة كل أهل السودان، لمواجهة التحديات في الوقت الراهن، وما أكثرها. الحديث عن تلك الحقبة التاريخية، يقودنا للاشارة بإيجاز إلى بعض المحطات من تجربة ذلك العهد السياسي في السودان عبر مقارنة الأحداث في الستينيات بنظيرتها في الثمانينيات. لقد تميزت تجربة أكتوبر 1964 وتفاصيلها عديدة، بعدة ملامح أساسية، ففي ذلك العام، تصاعدت المعارضة السياسية، وسط حالة «التململ» من استمرار تجربة الحكم العسكري، آنذاك، وانتجت عبقرية العمل والحراك السياسي حينئذ خياراً محدداً توافق عليه السياسيون الحزبيون بالمشاركة الفاعلة والمؤثرة للهيئات النقابية، الممثلة للقوى المنتجة وصاحبة المصلحة في التغيير، وتمثل الخيار في «إعلان العصيان المدني»، وتصاعدت قوة الحراك الجماهيري وقتها، لتجعل قيادة المجلس العسكري الحاكم آنذاك ترضخ، في نهاية المواجهة لخيار الجماهير، معلنة تسليم السلطة إلى القوى الجديدة «القوى الديمقراطية» لينفتح الباب بذلك امام استعادة الحريات العامة، ودخول السودان في تجربة ديمقراطية ليبرالية جديدة. إذا انتقلنا سريعاً إلى مشهد مماثل عاشته الساحة السياسية السودانية، في منتصف الثمانينيات، متمثلاً في انتفاضة مارس - ابريل 1985 الشعبية، التي اطاحت بنظام «مايو» «النظام العسكري الثاني في السودان» فسنجد ان هنالك تشابها رئيسيا، ففي عام 1985 تشكل التجمع النقابي ليعلن العصيان المدني، ولتتصاعد اثر ذلك المواجهة بين «الحراك الجماهيري» والسلطة، مما نتج عنه انهيار «الحكم المايوي» وميلاد حكومة انتقالية تميزت بإنشاء «مجلس عسكري انتقالي»، قاده - آنذاك - المشير عبدالرحمن سوار الذهب، وإلى جانبه «مجلس وزراء انتقالي» رأسه - وقتها - نقيب الأطباء الدكتور الجزولي دفع الله لترتيب انتخابات عامة حرة ونزيهة، خلال عام واحد. وبالفعل جرت تلك الانتخابات لتولد تجربة الديمقراطية الثالثة، في مشهد أعاد إلى الأذهان حينذاك ملامح «تجربة اكتوبر». إن السياق العام الذي جرت فيه احداث ثورة أكتوبر 1964 الشعبية لا يزال ينتج الكثير من العبر والدروس، أهمها ضرورة التوافق الوطني في السودان، عبر بوابة الحوار لإقرار كيفية حكم البلاد، كبديل للتصارع والاقتتال الذي يحمل دائما نذر التفتت أو انفصال بعض اجزاء الوطن. وهنا تبرز ثمة اسئلة مهمة، تنتظر القيادات والنخب السياسية السودانية، في التوقيت السياسي السوداني الراهن، وفي مقدمتها السؤال بشأن كيفية الحفاظ على السلام الذي تحقق في الجنوب، عبر اتفاقية نيفاشا لعام 2005 وايضاً الحفاظ على مكتسبات «اتفاق أبوجا» الذي سعت فيه الأطراف السودانية لانهاء أزمة دارفور، غير ان الاتفاق الأخير لم يفلح بالشكل المطلوب في تسوية المشكلة بذلك الإقليم الغالي على كل اهل السودان.. وهنا تنتظر القوى السياسية تحديات الاستجابة للمبادرة القطرية، بدعم من الجامعة العربية، بهدف تنظيم مؤتمر للحوار السوداني في الدوحة لأجل التوصل إلى الحل النهائي لأزمة دارفور. عن صحيفة الوطن القطرية 25/10/2008