هل يشتعل القوقاز من جديد؟ ممدوح طه رغم انتهاء الحرب في القوقاز بانتصار ساحق لروسيا وهزيمة نكراء لنظام الرئيس ساكاشفيلي في جورجيا، ورغم انسحاب القوات الروسية بالكامل من الأراضي الجورجية، إلا أن نظام ساكاشفيلي مازال مصمما على التصعيد والتحرش بروسيا مرة أخرى، رغم أنه يعلم تماما أنه لا طاقة له بها وأنه مهزوم لا محالة، لكن على ما يبدو أن هناك هدفا آخر، ألا وهو إشعال وتصعيد الأزمة بين روسيا وأوروبا.
ساكاشفيلي يعلم أكثر من غيره مدى قوة روسيا وجيشها، ولا شك انه تابع باهتمام شديد المناورات والتدريبات العسكرية التي قامت بها القوات الروسية مؤخرا على أراضي أوسيتيا الشمالية القريبة من حدود جورجيا، وتابع أيضا استعدادات وتدريبات جيشي الجمهوريتين الجديدتين أبخازيا وأوسيتيا اللتين دخلتا في تعاون عسكري واسع النطاق مع روسيا.
كما أن ساكاشفيلي يعلم علم اليقين أن عودة أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية إلى جورجيا أصبح أمرا مستحيلا، وحتى حلفاؤه الغربيون تيقنوا من ذلك وتوقفوا عن الحديث حول شرعية الاعتراف بهاتين الجمهوريتين أو عدمه.
ساكاشفيلي يسعى للحرب من جديد ويعد العدة ويطلب السلاح والدعم من الخارج، وفي روسيا تتصاعد أصوات تلوم الكريملين وتنتقده على قرار الانسحاب السريع من الأراضي الجورجية قبل القضاء بالكامل على القوة العسكرية لنظام ساكاشفيلي، ولكن روسيا لا تريد أن تظهر بمظهر المعتدي المستبد الذي يستغل ضعف جيرانه، كما أن العلاقات التاريخية بين الشعبين الروسي والجورجي.
كما قال رئيس الحكومة الروسية بوتين، لا تسمح بالحرب بينهما، هذا في الوقت الذي يكيل فيه ساكاشفيلي الاتهامات لروسيا ويصف جيشها بالجيش الأحمر الدموي.
على ما يبدو أن ما يشجع ساكاشفيلي على إعادة الكرة والحرب مرة أخرى، أن نحو سبعين في المائة من الغربيين لم ينتقدوا جورجيا على هجومها الوحشي على أوسيتيا الجنوبية الذي راح ضحيته آلاف القتلى والجرحى.
واشنطن تعلم جيدا استعداد ساكاشفيلي لخوض الحرب مع روسيا مرة أخرى، وتعلم أيضا جيدا أنه لن ينتصر ولن يحقق أية نتائج من وراء هذه الحرب، لكن هناك أهدافا أخرى لواشنطن أكبر من ساكاشفيلي وأهم من جورجيا، إنها سياستها في خلق الفوضى وعدم الاستقرار في منطقة القوقاز المهمة التي تمر عبرها خطوط النفط الروسية لأوروبا.
وتأمل واشنطن أن تثير الفوضى والاضطرابات قلق ومخاوف الغربيين وجيران روسيا من منتجي النفط في بحر قزوين، فيتخلوا عن الاعتماد على روسيا ويتجهوا لخطوط النقل الأخرى التي تعدها واشنطن، مثل خط باكو جيهان القادم من أذربيجان عبر جورجيا إلى تركيا وأوروبا.
وما زال الإعلام الغربي وخاصة الأميركي يصور ساكاشفيلي وكأنه ضحية الجبروت الروسي، ويصور هجومه على أوسيتيا الجنوبية بأنه كان حملة أمنية ولضبط النظام والاستقرار في إقليم تابع لجورجيا، وما زالوا يقارنون دخول القوات الروسية جورجيا باقتحام برلين وتشيكوسلوفاكيا والمجر من قبل الجيش الأحمر السوفييتي، ويصورون رئيس الوزراء بوتين وكأنه ستالين الديكتاتور المستبد الذي أشاع الرعب في بلاده وفي البلدان المجاورة.
ساكاشفيلي لم يعد لديه أمل في البقاء في الحكم في جورجيا، ولا سبيل أمامه للبقاء في السلطة إلا بخوض حرب مستمرة مع روسيا تحقق أهداف واشنطن، ولكن بالقطع روسيا ليست بالسذاجة لكي تنجر لهذه اللعبة المكشوفة، ولا شك أن لديها من الوسائل ما تكبح به جماح فتى جورجيا الموالي للغرب. عن صحيفة البيان الاماراتية 21/10/2008