عقد المجلس المركزي الفلسطيني دون التوافق يقود لانهيار علي بدوان باتت الوقائع الملموسة على الأرض تؤشر بوضوح إلى الصعوبات الكبيرة التي أمست تعتري سعي البعض لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني في ظل غياب التوافق بين مختلف الفصائل والإطارات التي تشكل منظمة التحرير وسيطرة الانقسام على الساحة الفلسطينية، خصوصاً وأن اجتماعات اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني التي عقدت قبل فترة من الزمن في جلستين، إحداهما في العاصمة الأردنية عمان والثانية في مدينة رام الله، والتي شارك بها مستقلون إضافة إلى ممثلي فصائل وقوى المنظمة لم تفلح في شق طريقها بالاتفاق على دعوة المجلس الوطني للاجتماع، بسبب من التباينات الكبيرة التي سادت في مناخ الاجتماعين المذكورين، وفشل الاتصالات الثنائية بين مختلف القوى والتي كانت تتم أصلاً خلف الكواليس. وزاد من أسباب الصعوبات إياها تحفظ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على عقد دورة جديدة للمجلس الوطني بالرغم من وجود الاجتهادات الحادة والمتنافرة أحياناً داخلها، فالجبهة الشعبية عبرت عن رأيها الإجمالي بضرورة التريث في عقد دورة أعمال المجلس الوطني وحتى المركزي بانتظار ما ستتمخض عنه حوارات القاهرةالفلسطينية والمساعي المصرية لرأب الصدع الداخلي. وكان عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية عبد الرحيم ملّوح قد تقدم في (مارس 2008) بمذكرة إلى رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة، انتقد فيها أداء اللجنة، وعدم توقفها عند مفاصل أساسية في عملها وعمل المنظمة، وامتدت شكوى عبد الرحيم ملوح إلى عمل وأداء الصندوق القومي الفلسطيني والسفارات والسفراء وعلاقة السلطة بالمنظمة وإدارة «الملف السياسي» إلى غير ما هنالك، بينما طالب ممثلا جبهة التحرير العربية وجبهة التحرير الفلسطينية في اللجنة التنفيذية محمود إسماعيل (أبو إسماعيل) وعلي اسحق (أبو دنيا) بالتريث، فضلاً عن تحفظات البعض من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، وعلى رأسهم رئيس المجلس سليم الزعنون، وفاروق القدومي أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، فضلاً عن محمد راتب غنيم (أبو ماهر) المفوض العام للتعبئة والتنظيم في حركة فتح واللواء محمد جهاد العامودي عضو اللجنة المركزية. ومن حينها بانت ورست النتائج التداولية التي تمت بشأن دعوة المجلس الوطني للانعقاد بانسداد الطريق أمام إمكانية التئام أعماله، فاستدارت الجهود في الإطار الرسمي الفلسطيني لترتيب عقد اجتماع كامل للمجلس المركزي بدلاً من اجتماعات المجلس الوطني، وهو الهيئة الوسيطة الاستشارية بين اللجنة التنفيذية للمنظمة والمجلس الوطني (البرلمان)، والتي لايخولها النظام الأساسي لعمل منظمة التحرير اتخاذ أي قرار أو صياغة أية مواقف ملزمة. ومن هنا نستطيع القول إن الدعوة التي تلت لعقد دورة جديدة لأعمال المجلس المركزي تأتي كعملية هروب إلى الأمام بعد انسداد الطريق أمام عقد دورة اجتماعات متكاملة للمجلس الوطني الذي يقيم أكثر من نصف أعضائه خارج فلسطينالمحتلة. ففي العرف الرسمي الفلسطيني الذي بات تقليداً منذ عقود، عندما يصعب تمرير استحقاقات جديدة سياسية أو تنظيمية أو إدارية تحت عباءة المجلس الوطني، يتم استحضار المجلس المركزي أو اللجنة التنفيذية للمنظمة، وذلك لتحقيق جملة من الأغراض السياسية والتنظيمية دفعة واحدة، ولإسباغ صفة الشرعية عليها باسم منظمة التحرير الفلسطينية. كما هو الحال الراهن في ظل سعي بعض الاتجاهات في الساحة الفلسطينية لتمرير قرارات ربما من بعضها اتخاذ قرار حل المجلس التشريعي المنتخب للسلطة الفلسطينية في دورته الثانية التي جرت في (25/1/2006) والدعوة لانتخابات تشريعية جديدة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة من طرف واحد قبل التوصل إلى توافق وطني شامل، وهي مسألة في غاية الخطورة باعتبارها خطوة ضارة جداً، تسهم في تكريس الانقسام السياسي والجغرافي السائد في البيت الفلسطيني. ومع هذا، وذاك، مازالت الدعوة لعقد دورة أعمال جديدة للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية كالدعوة لعقد دورة اجتماعات للمجلس الوطني، حيث تصطدم بدورها بممانعة العديد من القوى والشخصيات المؤثرة بما في ذلك رئيس المجلس الوطني وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح سليم الزعنون (أبو الأديب) الذي رفض دعوة انعقاد المجلس المركزي، ودافع عن عدم قانونية الدعوة، وخاض معركة قاسية مدافعاً عن وجهة نظره في الاجتماع ما قبل الأخير للجنة التنفيذية للمنظمة قبل أسابيع خلت في مدينة رام الله، فكرس سليم الزعنون نفسه بموقفه كحارس وكحام للنظام الأساسي لعمل المنظمة ومؤسساتها. وكرئيس للمجلس الوطني (البرلمان) يدرك سليم الزعنون تماماً المحاذير السياسية من عقد دورة جديدة للمجلس المركزي للمنظمة في ظل حالة الانقسام الداخلي في البيت الفلسطيني، كما يرى في بعض المطالب التي يأمل البعض في الساحة الفلسطينية تمريرها عبر اجتماع المجلس المركزي بأنها مخالفة صريحة للائحة الداخلية لأنظمة وعمل مؤسسات المنظمة، فضلا عن محاذيرها السياسية. أما المطالب التي أفصحت عنها بعض المصادر الفلسطينية، وهي مطالب اصطدمت أيضاً بمعارضة قوية من داخل حركة فتح، فتتحدث عن السعي لانتخاب نائب لسليم الزعنون من الداخل، وأمين للسر، وإضافة أعضاء جدد للجنة التنفيذية بدلاً من المتوفين، وإضافة أربعة أعضاء إلى اللجنة التنفيذية أيضاً من الداخل، حتى يصبح بالإمكان عقد المجلس المركزي واللجنة التنفيذية بنصابها الكامل في أي وقت في الداخل الفلسطيني، واتخاذ قرارات وإجراءات تنظيمية وسياسية تحت خيمة وشرعية المنظمة. ومن الواضح أن سليم الزعنون (أبو الأديب) ينطلق من إدراكه بأن وراء الأكم ما وراءها، وأن انعقاد دورة متكاملة لأي من المجلسين الوطني أو المركزي سيضاعف ويفاقم من حالة الدمار الفلسطيني الداخلي. كما ينطلق في موقفه مستنداً إلى روحية المادة (14) المعدلة من النظام الأساسي للمنظمة والتي تنص على أن ملء شواغر العضوية في اللجنة التنفيذية حين وقوعها بين فترات المجلس الوطني لأي سبب من الأسباب، وكانت تقل عن الثلث، يؤجل ملؤها إلى أول دورة عمل للمجلس الوطني الفلسطيني. أما إذا كانت الحالات الشاغرة تساوي ثلث أعضاء اللجنة التنفيذية أو أكثر، فيتم ملؤها من قبل المجلس الوطني في جلسة خاصة يدعى لها خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً. وعليه، وحسب النظام الأساسي، فتثبيت عضوية أي من الأسماء المطروحة في اللجنة التنفيذية عبر أعمال واجتماعات المجلس المركزي مسألة مخالفة لنصوص النظام الأساسي والداخلي للمجلس الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث يشير النظام الأساسي بوضوح إلى أن اللجنة التنفيذية تنتخب مباشرة من قبل المجلس الوطني من خلال دورة أعماله الكاملة وهو ما أفتت به اللجنة القانونية في المجلس برئاسة الشيخ محمد أبو سردانة. فاللجنة التنفيذية تنتخب من قبل المجلس الوطني مباشرة، إلا أن سياسة المحاصصة أو مايعرف في الساحة الفلسطينية ب (الكوتا) أزاحت مسألة انتخاب اللجنة التنفيذية مباشرة من قبل المجلس الوطني لصالح السياسة المذكورة، حيث بات منطق (الكوتا) هو السائد عملياً في تحديد اللجنة التنفيذية واختيار أعضائها، وذلك منذ الدورة الرابعة للمجلس الوطني التي عقدت في فبراير 1968، في إثر تسلم الفصائل الفدائية لقيادة المنظمة من مؤسسها الراحل أحمد الشقيري. وغالباً ما تتم عملية (الكوتا) على أساس التوافق والتراضي بين جميع الفصائل، مع الاتفاق على عدد من المستقلين. في هذا السياق، تشير المعلومات المتواترة والواردة مؤخراً من مصادر فلسطينية من داخل المنظمة بأن سليم الزعنون (أبو الأديب) رئيس المجلس الوطني والمعني بدعوة المجلس المركزي للانعقاد وافق بعد أخذ ورد على طلب للرئيس محمود عباس بدعوة المجلس الوطني الفلسطيني للانعقاد، على أن يحدد هو شخصياً موعد انعقاده، بما لا يتعارض مع المصلحة الوطنية الفلسطينية، ولا مع حوارات القاهرة الجارية لإعادة توحيد البيت الفلسطيني. كما تضيف المصادر أن موافقة سليم الزعنون (أبو الأديب) جاءت أيضاً على قاعدة حصر بنود جدول أعمال الدورة في بحث نتائج حوارات القاهرة لتكريس ايجابياتها، والتوافق الوطني الفلسطيني، والخروج من حالة الانقسام الراهنة. وتؤكد المصادر أيضاً أن أبو الأديب حصل بالفعل على تعهدات وضمانات تقضي بعدم إدراج بنود أخرى على جدول الأعمال من قبيل انتخاب لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو إضافة أعضاء جدد للجنة الحالية. وتقول المصادر العليمة إن أبو الأديب حدد تاريخ الحادي والعشرين نوفمبر القادم موعداً لعقد جلسات أعمال المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية وليس في الرابع منه كما أراد البعض في خطوة أراد منها أبو الأديب تحقيق عدة أهداف، أولها انتظار نتائج الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة، وثانيها البناء على نتائج الحوار المتوقعة في ظل الضغط والتدخل العربي لإنجاحها، وثالثها حتى لا يتم استثمار أعمال المجلس لتكريس الخلاف وتوسيع الصدع الداخلي ثالثاً. ورابعها لوقف تمرير مواقف أو قرارات أو إضافات لعضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة على نحو مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني، وخامسها سعياً منه لدفع حركتي حماس وفتح للإسراع بإنضاج حوارات القاهرة وتالياً حل مشكلة انتهاء ولاية الرئيس محمود عباس بطريقة تجنب طرحها على المجلس المركزي للتمديد للرئيس عباس دون توافق وطني خامساً. وبالمحصلة المنطقية، إن عقد دورة للمجلس المركزي والتهديد باللجوء إليه لأغراض تكتيكية استخدامية لإصدار قرارات تتناول القضايا ذات الرؤية الخلافية السياسية وغيرها في الساحة الفلسطينية من طرف واحد يشكل سلوكاً فئوياً خاطئاً، لن يحل المشكلة بل سيفاقم من حالة الانقسام الداخلي. وعليه فإن منطق العقل والحكمة والمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني يقتضي العمل الجاد لإنجاح حوارات القاهرةالفلسطينية الشاملة والوصول لورقة تفاهم ائتلافية تفتح الطريق نحو الانتقال لمناقشة أوضاع منظمة التحرير الفلسطينية من كافة جوانبها وإعادة بناء مؤسساتها وأطرها بما فيها اللجنة التنفيذية والمجلسان الوطني والمركزي على أسس جديدة تضمن مشاركة جميع القوى وفق حضورها على أرض الواقع. عن صحيفة الوطن القطرية 18/10/2008