نحو نهج بناء مع الصين وتايوان جون برشيا لو ان السلام عبر في يوم من الايام مضيق تايوان لامتدت المنافع الى ابعد من بكين وتايبيه من حيث الامن الاقليمي والاستقرار والرخاء ، فهل يعي المرشحان الرئيسيان للرئاسة الاميركية هذه الاحتمالية؟ الامر المرجح انهما لا يفكران في ذلك بالنظر الى ان الازمة الاقتصادية العالمية قد غطت فعليا على اي موضوع اخر. والحق ان التراجع الذي يثقل الكاهل في واشنطن كما في اي مكان اخر يذكر عادة اولا في مناقشات مع مسئولين حكوميين ورجال اعمال ومربين ومواطنين عاديين ؛ لكن بما ان الحلول المحتملة لا تزال تظهر بين الفينة والاخرى والثقة العالمية تعود ، واعتقد ان هناك علامات على الرغبة في التحرك بحذر شديد في ذلك الاتجاه ، بالتالي فإن على المرشح الديمقراطي باراك اوباما والجمهوري جون ماكين ان يضعا موضوع الصين وتايوان على قائمة اولوية سياستهما الخارجية. وعلى الرغم من انه لا توجد فرصة في الاساس لتسوية دائمة بين بكين وتايبيه خلال فترة ادارة الرئاسة الاميركية القادمة الا ان نوعية ونغمة تفاعلهما اما ان تقلل او تضيف الى التحديات الاميركية قصيرة الاجل والتوتر في شرق اسيا. وتعود التوترات عبر المضيق الى نهاية الصراع الاهلي الصاخب الذي قسم الصين وتايوان قبل نحو ستة عقود ، وتطور الصراع الذي تفاقم بسبب الحرب الباردة الى انقسام دائم في المنطقة ، ثم جاءت فترة رئاسة تشين شوي بيان ذي الميول الاستقلالية والتي تنتهي هذا العام لتسكب زيتا على النار. والان يدرك اولئك الذين يعرفون الصين وتاريخها المعروف بالرضوخ بامتعاض للنفوذ الاجنبي في اوقات الضعف مدى القلق المستبد بالصين بشأن سلامة اراضيها. واذا كانت بكين تتطلع الى العالم فإنها تتمسك بثوابت متصلة بعضها ببعض على رأسها اعادة دمج تايوان. ومن ثم ليس هناك ما يدعو الى التشكيك او اختبار جدية تحذيرات القادة الصينيين المتكررة والمشددة بشأن العواقب الوخيمة لمحاولة تايوان اعلان الاستقلال. في الوقت نفسه ، ما الهدف من جعل السيناريوهات الكريهة والاحاديث المشتتة المنشور الذي ينظر من خلاله للعلاقة؟ لما لا ندع المسائل المثيرة للجدل جانبا كما ينادي الرئيس ما ينج جيو بصورة عملية ونركز على مجالات الاهتمام المشترك والاتفاق مثل التعاون الاقتصادي وبالتالي نبني جدار الثقة؟ ان مثل هذا النهج يوفر سياقا بناء تصبح فيه الاراء التايوانية والصينية متكاملة بصورة متزايدة بما يسمح للجانبين بتحقيق اقصى استفادة من لغتهما وثقافتهما المشتركة واقتصادياتهما الواثقة وتقاربهما المكاني. بالطبع من المهم الاعتراف بأنه ليس كل التايوانيين يؤيدون مبادرات الرئيس ما ؛ بل ان اعدادا كافية منهم شعروا بالرعب من وقفة سلفه غير التعاونية لدرجة انهم صوتوا من اجل التغيير. وتحدثت النتائج عنهم فرأينا تحسن الاجواء بوجه عام ومنافع ملموسة ودخولا ايسر بشكل ملحوظ للتايوانيين الى الصين والصينيين الى تايوان. وينبغي ان تسهل هذه المكاسب المناورة حول القضايا المصنفة في فئة المتروك جانبا والتي حتما ستلقي بظلالها على التعاملات الصينية التايوانية مثل صفقة بيع الاسلحة الاميركية التي تمت الموافقة عليها الى تايوان والتي كان من المتوقع ان تتذمر منها الصين حتى انها الغت بعض الانشطة التعاونية مع الولاياتالمتحدة ، ومع ذلك نتساءل هل هذه الجلبة جدية بالفعل؟ بالنظر الى ان الاسلحة في هذه الصفقة مصممة بشكل واضح لأغراض دفاعية وأن القيادة التايوانية لا تشغل بالها بكلام صاخب حول الاستقلال استطيع الاجابة بلا. على اية حال ، تؤكد صفقة الاسلحة على الالتزام الاميركي بأمن تايوان ، وكذلك رغبتها في ان يتحدد مستقبل الجزيرة بوسائل سلمية واحترام امنيات الشعب التايواني. انني اتوقع ان تتجاوز الصين امتعاضها بدون عواقب كبيرة لاسيما في ضوء الفرص التي تلوح من سلسلة محادثات مستمرة بين مفاوضين على مستوى عال يمثلون وكالات شبه حكومية في الصين وتايوان. ويتضمن برنامج العمل توسيع اتصالات النقل عبر المضيق من رحلات الركاب الى الشحن وتحسين مراقبة المنتجات الغذائية في اعقاب فضيحة حليب البودرة الصيني وتوسيع تقاسم المعلومات حول الاستعداد والاستجابة للزلازل. ان هذه المحادثات بصورتها المثالية ستفسح المجال للقاءات مصاحبة مع كافة اللاعبين الكبار بما في ذلك حزب المعارضة الرئيسي ، وتؤدي في النهاية اتصالات مباشرة بين الحكومتين في بكين وتايبيه على اعلى المستويات. من هذه النقطة يظل السلام هدفا بعيدا ومراوغا لكن على اقل تقدير سيتوجه اليه الطرفان وليس الى الاتجاه المعاكس. صحيفة " الوطن " العمانية 18/10/2008