جون ماكين 2008 وبوش الأب 1992! د.منار الشوربجي حين شاهدت المناظرة التليفزيونية الثانية بين كل من باراك أوباما وجون ماكين تذكرت على الفور بوش الأب في انتخابات 1992 التي هزم فيها أمام بيل كلينتون. ففي ذلك العام، وبعد أربعة أعوام قضاها في الحكم كان بوش الأب يسعى للحصول على فترة رئاسة ثانية. وكانت أحوال الاقتصاد وقتها تزداد سوءا بعد ثلاثة دورات رئاسية للجمهوريين منذ انتخابات ريجان الأولى في 1980.
ومثله مثل جون ماكين اليوم، كان بوش الأب يبدو أكبر سنا من منافسه الديمقراطي وأقل حيوية في حركته. وكان يبدو عليه مثل ماكين أنه لا يشعر حين يتحدث في شئون الاقتصاد بالثقة ذاتها التي يشعر بها حين يتحدث في شئون السياسة الخارجية، هذا فضلا عن أنه ينتمي لطبقة اقتصادية لم تكن وقتها تعاني حقا من تدهور الأحوال الاقتصادية كما تعاني غيرها من الطبقات.
وأتذكر أن بوش الأب كان في ذلك العام قد قام في إحدى جولاته الانتخابية بزيارة لإحدى محلات السوبر ماركت المعروفة وكانت القصة التي نقلتها العدسات على الهواء هي أنه فوجئ بماكينات الحساب المستخدمة.
فقد كان واضحا أنها المرة الأولى التي يدخل فيها في حياته محلا من ذلك النوع. فعنده من يقوم بهذه المهام نيابة عنه، الأمر الذي كرس من شعور الأميركي العادي بأنه لا يدرك معاناته ولا يفهمها أصلا. وهو نفس المعنى بالضبط الذي تجلى حين فوجئ ماكين منذ أسابيع بسؤال عن عدد البيوت التي يملكها فعجز لدقائق عن أن يحصيها.
وحين أعلنت شبكات التليفزيون المختلفة أن جون ماكين كان قد غادر المكان الذي عقدت فيه المناظرة بعد انتهائها مباشرة بينما ظل أوباما وقرينته مع جمهور المناظرة يتبادلان معه التحيات والحديث على مدار ما يقرب من النصف ساعة تذكرت تلك المناظرة التي جرت بين بوش الأب وبيل كلينتون والتي كان فيها بوش ينظر إلى ساعة يده فبدا وكأنه يريد أن يرحل بأسرع ما يستطيع بعيدا عن موقع تلك المناظرة التي قصف خلالها بعشرات من الأسئلة المحرجة.
ورغم ما لكل تلك اللقطات من دلالات مهمة فلعل أهم ما ذكرني ببوش الأب وأنا أراقب أداء ماكين في تلك المناظرة هو هجوم ماكين اللانهائي على منافسه الديمقراطي بمناسبة وبدون مناسبة. فهو بالضبط ماكان يفعله بوش الأب في تلك المناظرات وفي حملته عموما ضد بيل كلينتون.
وأنت لا تعطي الأولوية للهجوم على خصمك إلا إذا كنت تعلم جيدا أن استغلال الوقت المتاح لشرح مواقفك سوف يزيد من انصراف الناخبين عنك. عندئذ يصبح الحل الوحيد هو أن تركز على إثارة شكوك هؤلاء الناخبين في الخصم وعلى زعزعة ثقتهم في قدرته على تولي المسؤولية.
وحملة ماكين تتبنى منذ أسابيع خطابا بالغ الشراسة بل والفجاجة أحيانا في هجومه على أوباما وهو جزء من استراتيجية تهدف للحصول على البيت الأبيض عبر فشل أوباما لا تفوق ماكين. بعبارة أخرى فإن حملة ماكين صارت تدرك أنها تواجه عقبات كؤود في إقناع الناخبين المستقلين بأن ماكين يختلف عن بوش الابن لأن الاختلاف بينهما في المواقف محدود فعلا.
وقد صار واضحا أيضا أن الحملة تعاني بشدة في أوساط المرأة البيضاء التي هي قطاع بالغ الحيوية في أية انتخابات رئاسية حيث وصل الفارق بين أوباما وماكين في أوساط ذلك القطاع إلى أكثر من 10 نقاط لصالح أوباما. بل أخطر من هذا وذاك، يواجه ماكين صعوبات حقيقية في بعض ولايات الجنوب التي هي معقل الحزب الجمهوري والتي كان من المفترض أن تصب بسهولة في خانته.
ومن هنا فقد ارتأت حملة ماكين أن الوسيلة الوحيدة للفوز بالبيت الأبيض هي أن يقرر الناخبون التصويت لماكين خوفا من أوباما لا حبا في ماكين.
وفي الواقع فإن هذه الاستراتيجية ليست جديدة في عالم الانتخابات الأميركية. فقد استخدمت من قبل وحققت نجاحا في بعض الأحيان. ولعل أكثر نجاحات تلك الاستراتيجية شهرة هي تلك المرتبطة- مرة أخرى- ببوش الأب!
فقد حققت له تلك الاستراتيجية الفوز في انتخابات 1988 التي أدار فيها حملة بالغة السلبية ضد منافسه الديمقراطي وقتها مايكل دوكاكيس أدت فعلا إلى إثارة شكوك الكثيرين في قدرة الأخير على تولي الحكم. ومن ثم أعطى الناخبون أصواتهم لبوش الأب لا لأنهم اقتنعوا بمواقفه وإنما لأنهم شعروا أنه أهون الشرين والأقل خطورة على مستقبل البلاد.
لكن تلك الاستراتيجية تمثل مخاطرة على من يتبناها إذا ما كانت البلاد تواجه أزمة حقيقية. ففي تلك الظروف يكون المواطن العادي في حاجة لأن يعرف على وجه التحديد ما الذي يحمله المرشح في جعبته من مقترحات تفصيلية للخروج بالبلاد من أزمتها. ويكون أقل صبرا إزاء المرشح الذي لا يكف عن مهاجمة خصمه ويعطي لذلك الأولوية على حساب شرح مواقفه للناخبين.
وقد دفع بوش الأب ثمن اتباع تلك الاستراتيجية في 1992 حين واجهت البلاد أزمة اقتصادية طاحنة. ومن هنا يصبح السؤال هل يدفع ماكين الثمن نفسه هذا العام؟ عن صحيفة البيان الاماراتية 15/10/2008