أقباط ضد الأقباط رجاء النقاش هناك دخان كثيف ينبئ، بل ينذر بأن فتنة طائفية ثالثة يمكن أن تشتعل في مصر هذه الأيام، وعندما نسمع كلمة «الفتنة الطائفية» فإن ذلك يعني كما يعرف الجميع خلافا حادا عنيفا بين الأقباط والمسلمين، ولا شك أن مثل هذا الخلاف يمس أمن مصر داخليا وخارجيا بصورة قوية، كما أن هذا الخلاف يهز الاستقرار الذي يحتاج إليه أي بلد لإدارة أموره ومواجهة مشاكله التي تتراكم فوق بعضها البعض يوما بعد يوم، ومن الطبيعي أن يسعى الذين لا يريدون استقرارا لأي بلد عربي في الوقت الحاضر وهم كثيرون وعندهم القدرة على تنفيذ ما لديهم من خطط شريرة، هؤلاء جميعا يسعون إلى استغلال كل الفرص المتاحة لتمزيق البلدان العربية من الداخل، والفتنة الطائفية في مصر من بين هذه الفرص. والآن هناك فرصة لإشعال نيران هذه الفتنة الخطيرة، والتي أسميها بالفتنة الثالثة، بعد الفتنة التي حدثت سنة 1910، والفتنة الثانية التي حدثت في السبعينيات أيام السادات، وهي الفتنة التي أسميها باسم «الفتنة الساداتية»، لأن السادات كان السبب في اشتعالها، أما الفتنة الثالثة فهي فتنة «أقباط المهجر» الذين يتجمعون في الولاياتالمتحدة، فما هي قصة هذه الفتنة الجديدة؟ كيف نشأت ولماذا تتحرك الآن؟ في السبعينيات من القرن الماضي، وبعد حرب أكتوبر 1973، بدأت الأزمات الاقتصادية الحادة تلاحق الناس في مصر، كما أن الفتنة الطائفية بين الأقباط والمسلمين بدأت تظهر بصورة عنيفة جدا في شتى أنحاء مصر من أسوان إلى الإسكندرية، وسقط في هذه الفتنة قتلى كما تم إحراق عدد من المساجد والكنائس، وأوشكت حرب أهلية كبيرة أن تشتعل في مصر وأن تحرق كل شيء أمامها، وفي هذا المناخ المسموم من الضائقة الاقتصادية والفتنة الطائفية بدأ كثيرون من أقباط مصر يفكرون في الهجرة من مصر، وتم بالفعل هجرة عدد كبير منهم إلى كندا وأميركا، ولم يخرج الأقباط من بلادهم راضين، بل خرجوا وهم يشعرون أن حقوقهم كانت ضائعة في مصر التي يعيشون فيها منذ آلاف السنين جيلا بعد جيل، ولذلك كانت هذه الهجرة القبطية فيها مرارة، وبقيت هذه المرارة في نفوس الذين أصبحوا يحملون اسم «أقباط المهجر» إلى اليوم، أي بعد أكثر من ثلاثين سنة من الهجرة الكبرى للأقباط في عهد السادات وفي سبعينيات القرن الماضي، ودراسة هذه المرارة ومدى ما فيها من صواب أو خطأ ليست موضوع حديثنا، ولكن الموضوع هو ما يقوم به أقباط المهجر من تحريض ضد مصر، ودعوة غير مقبولة من المخلصين الوطنيين أقباطا ومسلمين إلى مقاطعة مصر اقتصاديا والتضييق عليها بأكثر مما هي فيه من ضيق شديد، كل هذا في الوقت الذي تقوم فيه الأقليات المتجمعة في أميركا مثل الأقلية اليهودية بالدفاع عن مصالحها، وتكوين أدوات ضغط قوية لتوجيه السياسة الأميركية توجيها يتناسب مع أهداف هذه الأقليات، مما يخدم البلدان الأصلية لها، في هذا الوقت نجد أقباط المهجر يعملون ضد بلادهم ويحرضون على إلحاق الأذى بها. على أن أقباط المهجر هؤلاء وهم يستعدون لتنظيم مؤتمرهم السنوي في «شيكاغو» قبل نهاية هذا العام قد وجدوا من يتصدى لهم بشجاعة، ويقف في وجههم بقوة ومنطق وطني أصيل، وذلك حينما غضب عدد من الأقباط المصريين الذين يعيشون ويشاركون في الحياة العامة ويعرفون بوضوح خطورة السموم التي يطلقها مؤتمر أقباط المهجر في مؤتمراتهم السنوية، هؤلاء الأقباط الوطنيون من أهل مصر والذين لم يهاجروا بل أقاموا فوق أرض وطنهم ثابتين، دعوا إلى مظاهرة سلمية كبرى ضد مؤتمر أقباط المهجر، وقال المتحدث باسم هذه المظاهرة جمال أسعد، وهو من المفكرين الأقباط المعروفين «إن إقباط مصر مختلفون مع أقباط المهجر، وهؤلاء الأقباط المهاجرون لا تعنيهم مشاكل الأقباط الحقيقية في مصر، وإنما هم يقومون بالترويج للسياسة الأميركية التي تسعى إلى إعادة تخطيط المنطقة عن طريق إثارة الفتن والتوسع الكبير في استخدام الورقة الطائفية، ولذلك فإننا نحن الأقباط المصريين نسعى من وراء هذه المظاهرة التي سوف نقوم بها إلى أن نلفت نظر العالم كله إلى أننا نستطيع أن نعبر عن مشاكلنا كلها في داخل بلادنا دون أن يمنعنا أحد من ذلك». وهكذا فإن أقباط مصر الوطنيين يقفون لأقباط المهجر ويصنعون بذلك سدا منيعا ضد فتنة طائفية جديدة في مصر. عن صحيفة الوطن القطرية 25/10/2007