أول الهزيمة تصريحات كاظم الموسوي ازدادت في الأيام الأخيرة الغارات الأميركية ، جوا وأرضا، بالطائرات والقصف المدفعي والتفجيرات المصنوعة خصيصا من خبراء البنتاجون وتل أبيب على السكان الآمنين في باكستانوأفغانستان والعراق، ومثلها من حلفائها أيضا لاسيما في فلسطينالمحتلة، متجاوبة مع تنوع التصريحات المتكررة من قادة عسكريين ووزراء حرب واحتلال لهذه البلدان خصوصا، أو متوازية معها. والمتابع لهذه الغارات العسكرية والكلامية، لا سيما تلك التي تتناقض مع خطب الرئيس الأميركي جورج بوش ونائبه تشيني ووزيرة خارجيته رايس، وحربه جيتس، وبعض اتباعهم، يتوصل إلى أنها مؤشر لقرب الهزيمة، إذا لم تكن هي البدايات الفعلية لها، وهي بمجملها تعيد الذاكرة إلى الأيام الأخيرة للحرب الأميركية على فيتنام، وحرق الأرض وشيوع مصطلح: سياسة الأرض المحروقة. وكأنها تجدد الهزيمة وتنطلق منها، وبالتصريحات الرنانة والعدوان الوحشي، حربا وانتهاكا وإقرارا مضمرا بالهزيمة للمشاريع والخطط العدوانية ونهب الثروات وتدمير البلدان والشعوب والاستقرار والأمن الدولي والمحلي، تواصلا مع الانهيارات المالية والسياسية والفكرية في عقر دار الامبراطورية وحلفائها في الضفتين من الأطلسي، محيطا وحلفا عسكريا واقتصاديا متوسعا. ورغم أنها متواترة ومتصاعدة تنقلها وسائل الإعلام مترادفة مع الجرائم الوحشية التي تمارسها على الأرض والتي تكشف عقلية أصحاب القرار فيها، فإنها تعكس أيضا محاولات تغيير جلد الأفعى والبحث عن منشطات البقاء وعدم الإذعان، وإنكار الهزيمة واقعا ومصيرا لها، عبر التشديد على فرض معاهدات واتفاقيات ومذكرات تتلخص في خدمة المصالح الأميركية وتسديد ديون حربها وغزوها واحتلالها وممارساتها وانتهاكاتها للقانون الدولي والشرعية وحقوق الإنسان وسيادة واستقلال البلدان وحرية الشعوب ووحدتها الوطنية والقومية. وهذه وقائع سياسية متداولة ومعروفة أيضا وقد تستعين بها أو تستعملها بالتأكيد لمواجهة الوقائع الأخرى على الأرض وتعمل في سبيلها بشتى الطرق والأساليب. رغم ذلك قد تكون تصريحات روبرت جيتس وزير البنتاجون في الشهر الماضي، حول الجولة الأخيرة أو المرحلة الأخيرة لقواته في العراق فاتحة أولى أو إشارات ضوئية لعملية انسحاب عسكري واسعة، ووضع مبررات لها عملية ومحاولات إقناع الرأي العام بالهزيمة والخسارات المتفاقمة على صعد مختلفة، وآخرها الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها النظام الرأسمالي والأميركي خصوصا. وهو في تصريحاته يعبر عن الخيبة للورطة الكبيرة ولما كان مخطط له في العراق وتقديم مقصود ومن منطلق المصالح الأميركية الامبراطورية إلى الإدارة القادمة في استعدادها لتحمل أعباء فشل تلك المخططات وأساليب تنفيذها التي وضحت حقيقة السياسات الأميركية والغربية تجاه الشعوب والبلدان التي ابتليت بها. ولابد من الانتباه والتذكر والاعتراف الواقعي والأخلاقي إلى أن بوادر الهزيمة التي منيت بها القاعدة الاستراتيجية للرأسمالية الغربية في الوطن العربي في حربها الجنونية عام 2006 كانت المقدمة لمثل هذه التصريحات وبداية العد التنازلي لهزيمة المسؤولين فيها، بدءا من أولمرت وأركان حربه وانتهاء بإدارة بوش وعصابات المحافظين الجدد. تضاف لها تصريحات وإشارات الدبلوماسيين الغربيين حول الأوضاع المتفاقمة في البلدان التي غُزيت واحتلت واعتدي عليها، كما سرب عن مذكرة ديبلوماسي فرنسي جاء فيها أن السفير البريطاني في كابول قال له إن الخطة المتبعة في أفغانستان "ستنتهي بالإخفاق التام"، وهي استكمال لما تصدره مؤسسات البحث والقرار السياسي في الإدارات الغربية، وتبقى تحت طاولات أصحاب القرار السياسي والعسكري واللوبيات وأركان المجمعات العسكرية والمالية والنفطية. ولعل ما يضيف لها أو يعمقها في دلالاتها أو معناها السياسي تصريحات أخيرة اهتمت بها وسائل الإعلام الغربية اكثر من غيرها، للبريغادير مارك كارلتون سميث، أكبر قائد عسكري بريطاني في أفغانستان. حيث أكد أنه لا ينبغي توقع نصر حاسم على طالبان، بل الاستعداد للتفاوض على صفقة مع الحركة الأفغانية المسلحة. ونصح القائد العسكري البريطاني بعد جولته الثانية لأفغانستان ب "خفض سقف التوقعات" قائلا: "إننا لن نربح هذه الحرب. إن الأمر ينحصر الآن في خفض مستواها إلى حدود يمكن للقوات الأفغانية أن تتعامل معها، ولا تصير فيه تهديد استراتيجي." ولم يستبعد القائد العسكري البريطاني أن تغادر قواته أفغانستان: " لا أظن أنه بعد ذهابنا لن تكون في هذا الركن من العالم عصابات مسلحة. سيكون ذلك أوهام لا مصداقية لها." ومهما كانت هذه التصريحات وأشباهها فإن الحقيقة المدوية أنها أول الغيث في الخريف والشتاء القادم، حيث أعطت مسبقا نفسها عملية تساقط الورق الأصفر بدماء الأبرياء من الذين يقصفون وتدمر بيوتهم وأراضيهم ويشردون في أوطانهم وتنتهك حقوقهم أمام العالم كله. هذه التصريحات المتواترة من مختلف المصادر تؤكد من جديد أن الشعوب وإرادتها أقوى من كل آلات الحرب والعدوان ومخططات البنتاجون والبيت الأبيض وكل حلفائهما وأنها اعتراف متأخر لوقائع تصنعها تلك الارادات الوطنية مهما طال الزمن وصعبت الظروف وقدمت من تضحيات. فالتجربة التاريخية ودروسها تقول بذلك ومن لا يستفيد منها يطيل أمد الخسائر البشرية والمادية ويعرض الشعوب إلى كوارث متكررة وارتكابات مدانة. وإذا عبرت هذه التصريحات الأولية عن اعترافات مبكرة بالهزيمة واستحالة النصر على الارادات الوطنية فإنها في نفس الوقت قرع ناقوس مستمر في وجه الاحتلال والحروب والغزو والمشاريع الاستعمارية الجديدة. تصريحات جيتس وسميث وغيرهما واضحة كالشمس، وكل الوقائع مهما حاولوا تغليفها بأي شيء لديهما لا يمكن الهروب من النهاية المحتمة والمعروفة لكل ذي بصر وبصيرة. إنها الهزيمة مهما طالت الحرب واستمر الغزو وبنى الاحتلال من قواعد عسكرية أو نصب من أعوان وحكومات وخرب في النفوس والخيارات. عن صحيفة الوطن العمانية 13/10/2008