إن أحداث التفجيرات التي جرت بكنيسة القديسين بالإسكندرية كانت بمثابة صدمة لكل المصريين مسلمين ومسيحيين وقد أظهرت هذه الأحداث المؤلمة تسامح الإسلام والمسلمين وإعلان المسلمين تضامنهم مع الأخوة المسيحيين ولكن بنفس الوقت أظهرت غضب الأخوة المسيحيين مما جرى بحقهم وأصبح لديهم إحساس وشعور بالظلم .
ونحن نلتمس لهم العذر ...
لأن هذه الصور والمشاهد التي رأيناها لا تختلف كثيرا عن المشاهد والصور التي نراها في العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان وغيرها من الدول والأماكن الملتهبة بالتفجيرات و الأحداث الموجعة .
نعم صورة هذه الأشلاء المتناثرة والتي صعب التعرف على بعضها قد خيمت بالحزن على قلوب كل المصريين وإصابتهم بالصدمة .
فما جرى لا نرتضيه لأنفسنا أو لأبنائنا أو لأهلينا أو لأي أحد من البشرية أيا كانت ديانته أو جنسيته لأنها أعمال تعمل على إزهاق الأرواح البشرية .
إن الذين أقدموا على هذا الفعل الشنيع ليس لهم صلة من قريب أو بعيد بالدين الاسلامى أو أي ديانة سماوية أو حتى بالمبادئ الإنسانية ...!
بل إنها أفعال شيطانية تنبعث وتبث من مخربين وحاقدين على هذا الوطن العظيم يريدون أن يحولوه إلى سودان وعراق ولبنان آخر .
لأنهم يعلمون أن ورقة المسيحيين في مصر هى الورقة الوحيدة التى يقدرون أن يلعبوا عليها أو كما نقول بالمثل الشعبي هى (مسمار جحا الموجود في ظهر المصريين ) ولكنهم خابوا وخسروا لأنهم لا يدركون مدى حب المصريين لوطنهم .
إن مظاهر تجلى الوحدة قد ظهرت للجميع بعد هذا الحادث العدواني الآثم والذى أدانه جميع شعب مصر بكافة طوائفه وانقساماته السياسية وأعلنوا عن تضامنهم مع الاخوة المسيحيين وعبروا عن حزنهم العميق لهذا الحادث البشع الذي لا يمت الى الدين الاسلامى بأي صلة .
إن هؤلاء القائمين على هذا الفعل الغير إنساني نسوا أن المسلمين والمسيحيين في مصر كانوا دائما بجوار بعضهم البعض في الأحداث التاريخية مثل ثورة 19، وثورة عرابي، وثورة يوليو وكان دائما شعار الهلال مع الصليب مرفوع في التظاهرات ضد الاحتلال والمستعمر.
وأيضا كان دائما المسيحي بجانب المسلم في جميع الحروب التى خاضتها مصر ضد أعدائها مثل حرب 48،وحرب 56 ،وحرب 67 ، وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة عام1973م .مما جعل الوحدة بين المسلمين والمسيحيين بمصر مثال يحتذي به أمام العالم أجمع ويشهد بذلك التاريخ.
فالدين الاسلامى دائما وأبدا لم يكن دين عدائي لأحد أو يحث على قتل أحد ولو نظرنا إلى الفتوحات الإسلامية وخاصة في عهد عمر ابن الخطاب بما أن الفتوحات الإسلامية كثرت في عهده كانت تدعو الى التسامح واحترام أصحاب الديانات الأخرى .
وكان سيدنا عمر رضى الله عنه كان يحث المسلمين على ألا يصلوا في كنيسة أو يهدموا صومعة عابد يتعبد فيها ،وذلك احتراما لا صحاب هذه الديانات .
ولو كانت الفتوحات الإسلامية تعمدت قتل من يدين بغير الإسلام لما وجدنا هذه الأعداد الكبيرة من غير المسلمين بيننا اليوم .
ولنرى عندما قام عمرو بن العاص بفتح مصر لم يجبر أحدا على الدخول للإسلام وعامل الأقباط بأفضل معاملة وحافظ عليهم وعلى ممتلكاتهم مما كان له الأثر في دخول الناس للدين الاسلامى .
والدين الاسلامى يحث على التسامح والمودة ولم يكتف القرآن بتشريع حرية التديّن، بل نجده قد وضع جملة من الآداب، تدل على تجلى مظاهر التسامح الديني، فقد دعا المسلمين إلى أن يكونوا لغيرهم موضع حفاوة ومودّة وبِر وإحسان.
وأيضا في الإسلام لا تعصب لدين واحد، ففي القرآن الكريم يخبرنا الله تعالى .. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : 62]..
و أيضا لا تعصب لنبي واحد: فيخبرنا الله سبحانه في كتابه الكريم (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة : 136]...
الدين الحقيقي الذي جاء به كل الرسل هو دين الله الذي يدعو الى عبادة الله وحده، و الذي يدعو الإنسان إلى عمل الخير و اجتناب عمل الشر..
فيقول سبحانه وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء : 25]. وإن كان هناك بعض الاختلافات بين الديانات فقد ألمع القرآن إلى ضرورة هذا الاختلاف النمطي، وإلى حتمية وجوده حتى يتمكّن كل فرد وكل مجتمع من العيش حسب ما لديه من إرادة وحرية واختيار وبالطريقة التي يرتضيها.
فقال سبحانه وتعالى { ولو شاء ربّك لجعل الناس أُمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين } سورة هود. الآية 118). وبذلك قد حسم الامر لقضاء الله وقدره في إدارة شئون خلقة بكلمة كن فيكون .
إن هؤلاء الجناة لا توجد لديهم رؤية ولا منطق غير القتل وسفك الدماء بغير حق والعمل على تنفيذ أجندات خارجية تعمل على أحداث الفتنة بين المصريين .
إنهم يريدون أن يجعلوا من مصر سودان وعراق آخر حتى يفتتوا وحدة مصر ووحدة شعب مصر.. ثم بعد ذلك يعملون على تقسيم مصر إلى دويلات كما يفعلون الآن بالسودان والعراق وإحداث الانشقاقات كما في لبنان والصومال واليمن....!
وهناك أسئلة تطرح نفسها في هذه المرحلة الصعبة التي تعيشها مصر. هل أعداء مصر قرروا بالفعل تنفيذ مخططاتهم العدوانية ضد مصر ؟ ومن له المصلحة في ذلك ؟
وهل فطن المصريين لهذه المخاطر ويعملوا بصدق على التصدي لها؟ أم ينساقوا وراء الفتن والطائفية والانقسامات والتعصب الأعمى ؟
هذه أسئلة أصبحت تحتاج لإجابة عملية من قبل كل المصريين ..
نعم تحتاج إلى الوقوف صفا واحدا أمام أي عدوان يضر بأمن مصر ومستقبلها وعلينا أن ننحى خلافاتنا جانبا ونقف وقفة رجل واحد لنقول للعالم أنه لا فرق بين مسلم ومسيحي في مصر وأننا جميعا سوف نكون بالمرصاد لكل من أراد وقد الفتنة أو أراد بمصر أى سوء .
إن على كل مصري أن ينتفض من أجل البقاء على مصر دولة عظيمة قوية شامخة بوحدة أبنائها وبقوة إرادتهم .،وأتمنى أن يكف المتشددين والمتنطعين عن تشددهم سواء كانوا من المسلمين أو المسيحيين والذين يعملون على تأجيج نار الفتنة ويعملون على زرع الكره والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد .
وعلى الحكومة المصرية أن تعمل على حل المشاكل العالقة منذ سنوات والخاصة بالإخوة المسيحيين والحفاظ على أمنهم وتأمين حياتهم من هذه الأعمال التخريبية التى لا نرتضيها لأي أحد كان .
وعلينا جميعا أن ندرك جميعا أن هذا الحادث المأساوي لم يكن ضد الأخوة المسيحيين وحدهم وإنما كان ضد مصر بأكملها وضد أمنها والعمل على إضعافها .
وإن كنا نتعارض مع الدولة والحكومة في بعض الأشياء ،لكن علينا أن نقف بجانبهم في هذه الظروف الصعبة سواء كنا مسلمين أو مسيحيين أو أحزاب معارضة لأنه لا قدر الله إن تكررت مثل هذه الأحداث فسوف تعصف بمصر وأمنها وتكون مصر ريشه في مهب الريح يلعب بها القاصي والداني وفى ذلك الوقت يكن الشعب المصري هو الخاسر الوحيد ..
نعم نكون خاسرين لوحدتنا وقوتنا وأمننا وبذلك تصبح مصر غير مصر التي عرفناها على مدى التاريخ التى أسست الحضارات الإنسانية و التي قهرت الأعداء على مدار العصور والأزمان .
والتي تجلت فيها الوحدة بين المسلمين والمسيحيين في أحلك الظروف .،اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وأحفظ مصرنا دائما يا رب من كل سوء آمين يارب العالمين .وإلى لقاء