يعجب الناس عندما يكون الحق واضحاً وضوح الشمس ثم يجدون من يهاجمه و يدَّعي بأنه باطل و من ثَمَّ يرى الحق دعوة للفساد و هذه هي النظرية التي اتبعها قوم سيدنا لوط عليه السلام عندما أرسله الله تبارك و تعالى لِيَنْهَ الناس عن الفساد و الرذيلة و يدعوهم إلى الصواب و مكارم الأخلاق. يقول الله تعالى على لسانهم: "أخرجوا آل لوطٍ من قريتكم، إنهم أُناسٌ يتطهرون."
فهذا من أوضح الأمثلة على محاربة أهل الحق بسبب اتهامهم بسلوك الطريق الخاطئ على الرغم من وضوح أدلة منهج الصواب الذي يسلكونه. و هذا ينسحب تماماً على واقعنا الحالي في فلسطين و خصوصاً بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في مطلع 2006م.
شهد جميع المراقبين من جميع الأطراف و من جميع الدول التي شاركت في المراقبة على الانتخابات التي فازت بموجبها حركة حماس و أعلنوا للعالم بأن تلك الانتخابات كانت من أنزه العمليات الانتخابية على مستوى العالم و لم ينكر عليهم أحد، و هذا شئٌ إيجابي أن يصل الشعب الفلسطيني المحتل إلى درجة من تطبيق الديمقراطية لم يصلها شعوب كثيرة سواء كانت متحضرة أو متخلفة. و لكن الأمر الذي يصيب الإنسان الذي يراقب الأحداث في فلسطين بالغثيان و يضعه في حالة من عدم الرضى هو ما يحدث من اغتصاب للديمقراطية على أيدي أناس وضعوا أسسها في فلسطين بأنفسهم و بمباركة من جهات تزعم بأنها تحمل على عاتقها نشر الديمقراطية في العالم أجمع.
أعتقد أن الجميع رأى كيف تعاملت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح مع حركة حماس بعد الفوز بالانتخابات. لقد قالت حركة فتح على لسان القيادي البارز فيها صائب عريقات بعد إعلان الفوز مباشرة أن فتح لن تشارك في حكومة تشكلها حماس و قد صرح هذا التصريح حرفيا القيادي البارز في حركة فتح سمير المشهراوي و كان الكلام موجه لي شخصياً حيث كان يستمع لإعلان النتائج في مقر إحدى وكالات الأنباء في غزة و فور ما سمعها اشتاط غضباً و انطلق للخارج بسرعة و لكني صحبته للمصعد لأخذ تعليق على هذا الأمر. و هذا يعني بوضوح عدم تقبُل الآخر حتى و لو كان أفضل.
ثم حصل ما حصل و شكلت حماس الحكومة و أعلنت أميركا الحرب عليها بالاستعانة بأطراف عربية معروفة حيث استضافت عناصر تابعة لحركة فتح و دربتها كما و قدمت السلاح من صناعتها لهؤلاء أيضاً، و كان كل ذلك بالتعاون مع الجهات التي خسرت السلطة في فلسطين من أجل النيل مما أنتجته الديمقراطية التي يفتخرون بها.
و بدأت تلك الجهات ممارسات خاصة بها للتضييق على حكومة حماس من أجل إسقاطها و بالتضييق على أبناء الشعب الفلسطيني من أجل الثورة على حماس و إثبات أنها لن تستطيع تنفيذ برنامجها التي وعدت الناس به في الدعاية الانتخابية. و هذه الأمور ليست بحاجة إلى أدلة لأنني أعتقد أن خطة إبرامز و خطط دايتون واضحة و الوقوف العربي إلى جانب تلك الخطط من الدول المقصودة كان واضحاً و أعتقد أن الوثائق التي عرضتها مجلة فانيتي فير الأميركية مؤخراً لا أحد يمكن أن ينكرها.
و هنا أقول لماذا لم نُسَمِ الأشياء بأسمائها و نقول أن حركة فتح متعاونة مع الاحتلال و مع أميركا من أجل محاربة خيار الشعب الفلسطيني و العمل على إجباره بقبول ما يريده الاحتلال و تريده أميركا. لماذا نساوي بين حماس و فتح في التسميات و نقول أنهما منشغلتان بالحروب و المناكفات الداخلية سعياً و حفاظاً على السلطة. ألم تُظهر الأدلة الساطعة و البراهين المقنعة أن ما تقوله حماس و تحارب من يقف في وجهها من فتح و غيرها من أجله هو الحقيقة؟ الأمر هو أن هناك مشروع صهيوأميركي تنفذه فتح بتعاون مع أطراف مختلفة و حماس تقف أمام هذا المشروع، و ذلك واضح لكل شعوب و حكام العالم. ألم يقل سلام فياض أمام شاشات التلفاز بأنه يفتخر بالتنسيق الأمني مع الاحتلال؟؟؟ أليس هذا دليل على تواطئه مع الاحتلال.
ألم يرَ العالم كله و وسائل الإعلام التي تنقل الأخبار الفرق بين ما تفعله حركة فتح و حكومتها في رام الله و ما تفعله حركة حماس و حكومتها في غزة؟ ألا يرون أن ما تفعله فتح في الضفة الغربية هو التعاون مع الاحتلال لتنفيذ خطط و اتفاقيات تم التوقيع عليها تهدف إلى إنهاء المقاومة. لا أريد أن أذكر أدلة تؤكد هذا الأمر أكثر من إعلان أحمد عبد الرحمن الناطق باسم فتح حل كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لفتح، و ما تبعه من تسليم أفراد شهداء الأقصى لسلاحهم و أخذ تعويض عنه و منحهم عفو من المطاردة من قِبَل الاحتلال نفسه.
و مثالاً آخر هو حكم المحكمة الفلسطينية في رام الله على منفذي إحدى العمليات الجهادية في الخليل بالسجن لأحكام عالية و الادعاء بأن العملية تم تنفيذها على خلفيات جنائية و مشاكل شخصية. و الأمثلة على ذلك كثيرة، و لكن إذا كان هناك من يقول بأن حكومة فتح في رام الله تعتقل كل من يحمل سلاح لاستخدامه في الفلتان، فلماذا لم تعتقل هذا اليوم من ادعت بأنهم خطفوا السيد محمد غزال أحد قادة حركة حماس و كانوا على حد زعمهم قد تحدثوا معهم و أقنعوهم بإطلاق سراحه؛ أقصد من ذلك أنهم عرفوهم و تمكنوا منهم.
إذاً، فلماذا لا نُسَمِ هؤلاء متعاونون مع الاحتلال و أعداء للقضية الفلسطينية و أعداء لمشروع المقاومة بشكل صريح و الأمور واضحة وضوح الشمس لا تحتاج لمن يُجَلِّيها.
و لكن في المقابل، ألم يرَ العالم بأن قطاع غزة أصبح هادئاً بشكل لم يمر عليه منذ زمن بعيد و أن جميع مظاهر الفلتان الأمني قد انتهت، و أقل مثال على ذلك عدم اشتعال المشاجرات العائلية التي راح ضحيتها على سبيل المثال بين عائلتين فقط في عهد حكومات فتح أكثر من 18 شخص و لم تستطع الأجهزة الأمنية السيطرة عليها. أليس إيقاف نزيف هذه الدماء أمرٌ لصالح أبناء القضية الفلسطينية و أبناء الشعب الفلسطيني؟ ألم تقضِ حكومة حماس في غزة على ظاهرة اختطاف الأجانب الذين يأتون للعمل مع المؤسسات التي تقدم المساعدات لنا أو يقومون بالعمل في وسائل إعلام مختلفة من أجل نشر أخبارنا للعالم و تعريفه بقضيتنا؟
ألم تُنْهِ حماس ظاهرة المربعات الأمنية و ظاهرة القتل على اللحية، كما اعترف أحد قادتهم، و ظاهرة قتل أئمة المساجد و ظاهرة قتل الأبرياء و خطف الأطفال من أجل الابتزاز المالي و ظاهرة الاعتداء على الحقوق العامة و ظاهرة عدم احترام قرارات المحاكم المختلفة؟؟؟ ألم تضبط حماس مئات الأطنان من المخدرات و تحرقها و تزج بمن يتجر فيها في السجون؟ أليست هذه كلها إنجازات لحكومة حماس في قطاع غزة؟ لماذا لا يُسَمِ الناس و لا يُسَمِ الإعلام هذه الأمور إنجازات لصالح أبناء الشعب الفلسطيني و إنجازات في طريق نشر العدل و القانون بدلاً من تسميتها مشاكل داخلية و مناكفات سياسية؟
لماذا عندما تقوم حكومة حماس في غزة بملاحقة المجرمين في شبكات التفجيرات و الدعارة و المخدرات التي تحاول النيل من حالة الأمن التي تعيشها غزة، نسميها ملاحقات و اعتقالات سياسية أو ما إلى غير ذلك؟ هل ذنب حماس و حكومتها أن يكون المتورطون في قضايا الإخلال بالأمن و المخدرات و الدعارة قادة و مسئولون أو أفراد في حركة فتح؟ و لذلك عليها عدم ملاحقتهم. هل ذنب حماس و حكومتها أن الذين ينقلون الأموال لهذه الشبكات يحملون بطاقات VIP و يتحركون بها بسهولة بين رام الله و غزة عبر المعابر الإسرائيلية المختلفة و المغلقة في وجوه الأطفال المرضى أن لا تسائلهم حماس؟
هل هناك من يقنعني بأن الذين يهربون من العدالة في غزة إلى الاحتلال و يستنجدون به و تحميهم طائرات الأباتشي الإسرائيلية كما شاهدها أبناء غزة في مساء هذا اليوم بأنهم مناضلون و مقاومون و لا ينسقون مع الاحتلال و يقومون مقامه في محاولة تخريب غزة و ملاحقة المقاومة فيها. بالتأكيد أنني أرفض كل من يدَّعي بأنهم خائفون من جَوْرِ حماس إذا وقعوا في قبضتها لأن ما حدث بعد الحسم العسكري في 14 حزيران من العام الماضي من العفو عن القاتل و المعتدي بمجرد سيطرة حماس الفعلية على الأمن دليل قاطع على أنها لن تظلم أحد.
فلماذا لا يُسَمى هذا خيانة و تعاون مشترك كما هو ظاهرٌ في حقيقته و لا أحد يستطيع إنكاره إلا إذا كان يستمرئ الكذب و قلب الحقائق أو أنه يعاني من مرض عدم الرضى بالحق لو تحقق على يدٍ غير يدي مثلما حدث عندما كذب اليهود سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بمجرد أنه لم يكن يهودياً.
و ختاماً، أقول لمن يعتقد أن حماس قد نسيت المقاومة في خضم تكثيف جهدها للقضاء على الفساد في غزة بأن حماس لم توقف المقاومة و الدليل ما تقوم به من عمليات جهادية في الضفة الغربية على الرغم من الحرب الشعواء التي تشنها حكومة فتح ضدها هناك، و أيضاً أقول له بأن التهدئة لم تكن إلا جزءاً من حلقات المقاومة إذا يتخللها التفاوض على إطلاق سراح الأسرى مقابل الجندي الإسرائيلي شاليط. كما و أقول بأن الموجودون في الميدان هم الذين يحكمون على المقاومة و يعرفون ما هي المقاومة و يحددون استراتيجياتها و ليس من يعيش في بريطانيا أو غيرها من الأماكن في العالم بعيداً عن أرض المعركة.