صحافتك يا مصر يوسف القعيد في صحافة مصر الآن. توجد 528 قضية مرفوعة ضد صحفيين. وكلها من قضايا الرأي. وليس مجرد تكذيبات لأخبار منشورة. أي أن الصحفيين الذين سيقفون أمام القضاء في الفترة القريبة القادمة يوشكون أن يشكلوا ربع الصحفيين المصريين. مما يعني أن مستقبل مهنة الصحافة المصرية. يبدو وراءها. إن الحل الوحيد أمام هجمة القضايا المرفوعة ضد الصحفيين من محامين كل واحد يصف نفسه في عريضة الدعوي. بأنه محب للرئيس مبارك أو محب لمصر. أو محب لفلان أو علان من القيادات. بل لوحظ أيضاً أن النيابة تعتبر أوراق التحريات هي نفسها عرائض الدعوي. أكثر من هذا فإن القاضي صاحب الحكم الأول يحبس أربعة من رؤساء التحرير. قد نص في حكمه الأول مرة في تاريخ مصر - علي أن رعاية الرئيس مبارك لمصر. التطورات معروفة. توالت الأحكام. وجري تحويل إبراهيم عيسي رئيس تحرير الدستور إلي القضاء العسكري. وبعد ردود الأفعال العنيفة. جري التراجع في حكاية القضاء العسكري. ويقال أن هذا تم بتدخل مباشر من الرئيس مبارك. جري اتفاق صحف المعارضة. الذين يفضلون وصف أنفسهم بالصحف المستقلة. بدلاً من الاعتصام والإضراب المفتوحين. تقرر تشكيل للجنة للتفاوض مع الدولة. وهي اللجنة التي تعطلت أعمالها بسبب مرض جلال عارف المفاجئ. عندما داهمته أزمة قلبية أثناء وجوده في مكتبه بالنقابة. وفي مواجهة هذا الفراغ نشأت فكرة الاحتجاب وتحدد له يوم الأحد السابع من أكتوبر. وخرج بيان رسمي عن الاجتماع. لكن الذين حضروا الاجتماع من رؤساء تحرير الصحف المعارضة والمستقلة تحدثوا عن خلافات واختلافات بين رؤساء التحرير. قال البعض أن يوم الاحتجاب تقرر في السابع من أكتوبر. وهو يوم العطلة بمناسبة السادس من أكتوبر. لأن السادس من أكتوبر عيد النصر. ولا يجب الاحتجاب فيه. والسؤال هو: ألم يكونوا يعرفون أن اليوم عطلة بمناسبة السادس من أكتوبر؟. بعد أن اتضح للدولة أن السادس من أكتوبر هو يوم السبت. الذي يعد عطلة رسمية للموظفين. مثل الجمعة. بعد مد الأجازة الأسبوعية يومين بدلاً من أجازة اليوم الواحد. وقد جري العرف في مصر أنه عندما يتصادف عيد تعطل فيه المصالح الحكومية. مع يوم جمعة أو سبت. أنه يصدر قرار من رئيس الوزراء بتحديد يوم آخر - هو اليوم التالي له مباشرة - بديلاً لهذا اليوم. لأن الفلسفة الجوهرية الآن هي التوسع في الأجازات. وليس تقليلها. لدرجة أن هناك دراسة عن تنامي الأجازات علي مستوي السنة كلها. إذن أصبح السابع من أكتوبر هو عطلة أكتوبر. رفضت الصحف الرياضية - وعددها كبير جداً الاحتجاب باعتبار أن الأمر سياسي. وهي صحف لا علاقة لها بالسياسة. مع أن السياسة تدخل في سياق الحياة اليومية. وهذا قلل من عدد الصحف المحتجبة. وعلاوة علي رفض الصحف الرياضية الاحتجاب. علي أن الاحتجاب أصاب وحدة الصحفيين كثيراً. رئيسان للتحرير كان رأيهما عدم المشاركة في الاحتجاب. وهما: مصطفي بكري. رئيس تحرير جريدة الأسبوع. وفريدة النقاش. رئيس تحرير جريدة الأهالي. لأنهما عضوين في لجنة الحوار مع الدولة. ويجب تأخير احتجابهما إلي وصول الحوار لطريق مسدود. فالاحتجاب ضد فكرة الحوار. وقد اقتنعا بعد مناقشات طويلة. جريدة الوفد كان موقفها صعباً. لأن رئيس الحزب محمود أباظة. كان في لندن. وعند الاتصال به هناك. قال إنه من الصعب الاحتجاب في مواجهة حكم قضائي. هذا يعني الاعتراض علي حكم القضاء. ولكنه بمجرد أن عرف أن هناك إجماعاً علي الاحتجاب، قال إنهم مع أي إجماع صحفي. أنور الهواري. رئيس تحرير جريدة الوفد. قال من بداية الأزمة. إن قرار الاحتجاب هو قرار رئيس الحزب وليس قراره. وقد فوجئت في أحد السحورات الرمضانية. برئيس تحرير آخر يسأله - يسأل أنور - عن صحة اتصال الرئيس حسني مبارك به بعد حكم القضاء ضده. وقد هز رأسه دلالة أن الاتصال تم. وعندما أكد صاحب السؤال علي أن الاتصال من الرئيس شخصيا أم من مندوب عنده. عاود هز رأسه دلالة الموافقة. طبعاً لا يسأل أنور عما جري في الاتصال. هكذا العرف في مصر. رغم كل ما يقال عن الشفافية آناء الليل وأطراف النهار. ولكن الملابسات يمكن أن نقرأ منها الكثير. فكون الرئيس يتصل بنفسه. برئيس تحرير صدر ضده حكم بالحبس. معناها أن الرئيس يريد أن يقول لأنور ولكل الصحفيين أنه يغسل يديه من هذه الأحكام. وهكذا نصل إلي المربع الخطير في المقال كله. مصر يحكمها رئيس وشرعية الحكم تأتي من الرئيس. يقولون دائماً شرعية الرجل الواحد. فهل هذه الشرعية معرضة للتغيير؟! هل علي الصحفيين إرضاء أكثر من الرئيس؟! عادل حمودة. رئيس تحرير جريدة الفجر. كتب مرة عن المجموعة المحيطة بالرئيس والتي تعمل ضده. لكنه لم يحدد أياً منهم بالإسم. وعموماً فإن الوضع أكثر من خطير. لأنه يحدث لأول مرة علي الأقل في حياة جيلنا. يوم الاحتجاب كان غريباً. لأن انزعاج الدولة من الاحتجاب لم أفهمه. فإن كانت الدولة المصرية قد ضاقت ذرعاً بالصحافة المعارضة، فكون هذه الصحافة تحتجب. فإن هذا معناه أن تسعد الدولة بالاحتجاب. وتشجع عليه. وتقول إن يوم الاحتجاب كان يوماً جميلاً لأنه مضي دون شتائم. لكن يبدو أن الصورة متداخلة أكثر مما ينبغي. قال لي بائع صحف في مدينة نصر. إن الذين ترددوا علي فرشته يوم الاحتجاب يعدون علي أصابع اليد الواحدة. وعندما سألت عن السبب قال لي. أن المواطن يأتي ليشتري جريدة قومية. قد تكون الأخبار أو الأهرام. ومعها يشتري صحيفتين أو ثلاث من صحف المعارضة. ولإحساس الناس بأنه لا توجد صحف معارضة في ذلك اليوم. لم يأت أحد. علماً بأنني كنت أتصور أن عدم وجود صحف المعارضة سيؤدي إلي زيادة بيع الصحف القومية. التي يقول عنها المعارضون صحف الموافقة. لكن حدث العكس. عن صحيفة الراية القطرية 16/10/2007