قدسية العمل في الإسلام ..وفي جميع الأديان لأنه ضرب من ضروب الجهاد الأكبر ...!
* سيد صباح بهبهاني
بسم الله الرحمن الرحيم ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ ) الجمعة10 لقد قدس الإسلام العمل وكرم العاملين والمنتجين واعتبره شرفا وجهادا وصورة معبرة عن ذات الإنسان واستعداداته.. فبالعمل يؤدي الإنسان رسالة الأعمار في هذه الأرض ..وبالعمل يتطابق مع دعوة القران إلى الأعمار والإصلاح في هذه الأرض ..ولذا قال تعالى : (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) هود61 ومن هذه الدعوة الصريحة حث الإسلام على العمل وحارب الكسل والأتكالية ودعي إلى الجد وبذل الجهد من اجل تحصيل الرزق والانتفاع بطيبات الحياة وأعمار الأرض وإصلاحها . وقد ضرب الرسول (صلى الله عليه وآله وأصحابه) وخلفاؤه رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في الجد وممارسة العمل والنزول إلى ميدان الحياة فلم يستخفوا بالعمل ولم يحتقروا العاملين .. بل كرموا العمل والعاملين واستنكروا الخمول والأتكالية والكسل ، لأن العمل في عرف الإسلام هو بذل الجهد من اجل إشباع حاجة إنسانية محللة .. وهو ضرب من ضروب العبادة وتحقيق لإرادة الله وحكمته في الأرض والسعي لبناء وفق مشيئته تبارك وتعالى ..ولكي يحقق الإسلام فكرته هذه جعل إشباع الحاجات الشخصية واجبة من حيث الأساس على الإنسان نفسه ،لكي لا يتوانى عن الكسب ومباشرة العمل بنفسه ولذلك وضعت الشريعة الإسلامية فروض .. على إعطاء الزكاة للفقراء القادرين على العمل والكسب ..إلا إذا خرجوا للكسب ولم يحصلوا على شئ ..فان هو عجز عن توفير حاجاته كاملة انتقلت مسؤولية إشباع هذه الحاجات إلى الداخلين معه في علاقات النفقة والتكافل كالآباء والأبناء والأرحام فإذا تعذر النهوض بمسؤولية الكفالة هذه وإشباع الحاجات الضرورية انتقلت المسؤولية إلى المجتمع ..أو الضمان الاجتماعي للدولة . ولكي يتجلى للفرد اهتمام الإسلام بالعمل والإنتاج ..أوضح جملة من النصوص والمواقف التي تؤكد حرص الإسلام عليهما وحثه على تنمية الثروة لأعمار الأرض وإنما الحضارة والاستمتاع بطيبات الحياة وإسعاد الإنسان وربط كل ذلك برباط الأيمان والتوجه الشكور إلى الله سبحانه قال تعالى : كما ذكرت أعلاه من سورة الجمعة 10 وقال تعالى :( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )الملك /15 . وقال خير الثقلين حبيب الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه) : ( إن أصنافا من أمتي لا يستجاب لهم دعاؤهم : رجل يدعو على والديه ، ورجل يدعو على غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه ولم يشهد عليه ..ورجل يدعو على امرأته وقد جعل الله عز وجل تخليه سبيلها بيده ،ورجل يقعد في بيته ويقول : رب ارزقني ، ولا يخرج ولا يطلب الرزق ، فيقول الله عز وجل له : عبدي ، ألم اجعل لك السبيل إلى الطلب والضرب في الأرض بجوارح صحيحة ، فتكون قد أعذرت فيما بيني وبينك في الطلب لاتباع أمري ، ولكيلا تكون كلا على اهلك ،فان شئت رزقتك وإن شئت قترت عليك ،وأنت غير معذور عندي..وعن أبي عبد الله (رضوان الله عليه) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه) : ( ملعون من ألقى كله على الناس) وعن أبي جعفر (رضوان الله عليه وآله وأصحابه) قال : قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه) (العبادة سبعون جزءا ، أفضلها طلب الحلال)..وعن الإمام الصادق (رضوان الله عليه) : ( لا خير في من لا يحب جمع المال من حلال ، يكف به وجهه، ويقضي به دينه ، ويصل به رحمه) وروى الإمام أبو الحسن علي بن موسى عن أبيه (رضوان الله عليهم قال: (قال أبي لبعض ولده : إياك والكسل والضجر فانهما يمنعانك من حظك من الدنيا والآخرة) وقال الإمام الصادق (رضوان الله عليه ) : (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله) وقال أبي الحسن كرم الله وجهه ورضوان الله عليه قال : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه) : إن النفس إذا أحرزت قوتها استقرت )
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وأصحابه) (ما من مسلم زرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه الإنسان أو دابته إلا وكتب الله له به صدقة) ولم تكن يا أعزة هذه الأقوال الرائعة التي تقدس العمل وتدفعه إلى مستوى الجهاد والعبادات وأقوالا قيلت لتحفظ في بطون الكتب أو في أذهان الحفاظ ..بل هي أسس ومبادئ تشريعية وأخلاقية تقوم على قواعد عقائدية إيمانية وضعت ليقوم عليها بناء الحياة والمعاش ..وتشاد على هديها حضارة الإنسان المسلم ويتكون على هداها مفهومه عن العمل والمال والثروة وأعمار الأرض وإصلاح الحياة وملئها بمظاهر النشاط وعطاء الخير المثمر ..لذا يجب على كل فردا أن يقاوم فكرة البطالة وحث أصحابه وإخوانه وأرحامه على العمل ويد بيد لبناء الوطن..