ساركوزي ونهاية الديغولية د. حسين حافظ يرى البعض من المهتمين بالشأن الفرنسي أن ال 16 من مايو/أيار الماضي الذي ترك فيه جاك شيراك قصر الإليزيه كان إيذانا بانتهاء مرحلة وبداية أخرى، المرحلة التي انتهت بكل ملامحها وتجلياتها هي الإرث الديغولي، الذي حرص على احترامه معظم الساسة الفرنسيين الذين تعاقبوا على الحكم منذ أكثر من نصف قرن، تماماً مثلما تحرص النظم السياسية الرصينة على موروثاتها السياسية والقيمية، الديغولية التي أرست، أولاً مبدأ الحفاظ على قيم الثورة الفرنسية في الحرية والإخاء والمساواة، وثانياً تكريس الاستقلالية الفرنسية، والدفع باتجاه الخصوصية الأوروبية، والابتعاد عن التبعية الأمريكية، وثالثاً، مناصرة كل حركات التحرر الوطني في العالم. وإذا كان ثمة وجه مضيء في الفترة الرئاسية لشيراك فإنه يبدو أكثر إشراقاً في مسألة التمسك بمبدأ الاستقلالية الفرنسية، وقد تجلى ذلك واضحاً في الموقف الفرنسي من قرار الحرب على العراق الذي أعاد الى الأذهان احترام شيراك للخط الديغولي الذي أعلن في أعقاب خلاف ديغول المعروف مع آيزنهاور في منتصف الستينات حين انسحب من المنظمة العسكرية لحلف الأطلسي تفادياً لانغماس فرنسا في السياسات الأمريكية المتهورة منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من أن شيراك محكوم ببيئة داخلية وأوروبية ودولية تحرص على دعم الكيان الصهيوني إلا أنه ظل متمسكاً وحريصاً على التعاطف مع حركة التحرر الفلسطيني حتى وصف بأنه الصديق الحميم للرئيس الراحل ياسر عرفات، وكان فعلاً كذلك حيث ظل يتابع بحميمية حالتة الصحية حتى ساعاته الأخيرة، فيما سمته بعض الأوساط الصهيونية بأنه عدو (إسرائيل). ساركوزي يحاول أن يقوض أركان ذلك الإرث العظيم ويحول فرنسا الى تابع صغير للولايات المتحدة تماماً كما قوض بلير الفاعلية البريطانية وترك ساسة بلاده بين سندان التبعية المذل للولايات المتحدة ومطرقة الحاجة الى التخلص من أعباء تلك التبعية الرثة. وحين دخل ساركوزي على خط الأزمة العراقية بزيارة وزير خارجيته كوشنير الى بغداد كان دخوله رثاً ومتعثراً، إذ انتهى بتقديم اعتذار للحكومة العراقية التي اعتبر استقالتها مفتاح الحل لكل مشكلات البلاد، وهو تبسيط ساذج لأكثر الأزمات الدولية خطورة في العالم. من هنا يمكن أن نؤشر بداية إلى القطيعة بين الموقف الذي يرى المراقب فيه الجذور الديغولية الرصينة متجلية في أبهى صورها وبين التيه والتخبط السياسي الذي لا يعبر إلا عن شطط فكري وجهالة متميزين. في الملف اللبناني أيضاً هناك قطيعة أخرى ففي الوقت الذي تمنعت فيه السياسة الفرنسية السابقة عن وصف معظم حركات التحرر في العالم بالمنظمات الإرهابية لا يتردد ساركوزي وعشية الدعوة الى ضرورة الحوار بين مختلف الأطراف اللبنانية برعاية فرنسية للوصول الى حل للأزمة المتفاقمة في لبنان، في وصف حزب الله بأنه “منظمة إرهابية" من دون إدراك منه لخطورة هذا الوصف على مستوى علاقات فرنسا بالعالم الإسلامي برمته وبمنظماته الجهادية وعلى مستوى تجاهل أهمية ودور حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية، وهو تبسيط آخر ينم عن قراءة ساذجة وسطحية في شأن من شؤون دولة عربية هي الأقرب الى الفهم الفرنسي أكثر من أية دولة أخرى. كذلك تتطابق وجهة نظر ساركوزي ورايس حول ضرورة ممارسة ضغوط إضافية على السودان من أجل القبول بحل أزمة دارفور بقوات خارجية وتحت سيطرة الولاياتالمتحدة. وإذا كانت دارفور، حسب ساركوزي، مأساة إنسانية فماذا تعني له جرائم القوات الأمريكية في العراق؟ وهل فعلاً لدى ساركوزي القدرة على التعامل بمكيال واحد تجاه مآسي العراق والسودان على حد سواء ؟ إن فرنسا على أبواب مسك الختام الديغولي والعبرة في النهايات. عن صحيفة الخليج الاماراتية 11/10/2007