موجة العداء العالمية ضد أميركا بسام الكساسبة مع أن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت رائدة الامبريالية العالمية، والامبريالية بتعريفها البسيط هي أعلى مراتب الرأسمالية وأسوأ أنواع الاستعمار، إبان الحرب الباردة السابقة، بين المعسكرين الشرقي الذي قاده الاتحاد السوفيتي سابقا وبين المعسكر الغربي الذي قادته الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكنها نجحت بإيهام كثير من شعوب العالم بأنها دولة تقف مع الحرية الشاملة السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية، عبر العديد من الممارسات، حينما قدمت دعما ماليا وعينيا للعديد من الدول الفقيرة، كما استقطبت عبر المنح الدراسية الموسعة أعدادا كبيرة من الطلبة الأجانب ومن مختلف دول العالم، كل تلك الممارسات أكسبت الولاياتالمتحدة مؤيدين لها على امتداد الساحة العالمية بالرغم من كل مساوئها وجرائمها السياسية. لكن بعد انتهاء الحرب الباردة السابقة (لأننا حاليا نمر بحرب باردة جديدة) أو بعهد جديد من الاستقطابات الدولية، فقد تكشفت الولاياتالمتحدة على حقيقتها أمام الشعوب والدول، فظهرت على أنها النظام السياسي والعسكري والاقتصادي الأسوأ والأكثر إجراما وبشاعة عبر تاريخ البشرية بأسره، فالتوترات الدولية الحالية تقف خلف اندلاعها مباشرة الولاياتالمتحدة، مثلما هو في العراق، وفي أفغانستان، والسودان، وكوريا الشمالية (التي تعيش حصارا اقتصاديا وسياسيا منذ عدة عقود من الزمن) والعدوان الصهيوني المستدام على الشعب الفلسطيني وعلى استقرار منطقتنا بأسرها، وأزمة القوقاز ودفع جورجيا للقيام بأعمال استفزازية لجر روسيا نحو حرب ساخنة، وغياب الاستقرار عن الباكستان ودوامة العنف التي تعيشها هذه الدولة الفقيرة، وما تشهده دول قارة أمريكيا اللاتينية، كبوليفيا وفنزويلا وحملة تبادل طرد الدبلوماسيين ما بينهما من جهة وما بين الولاياتالمتحدة من جهة أخرى، وأزمة الدروع الصاروخية ومنظومة الرادارات التي تنصبها الولاياتالمتحدة في دول أوربا الشرقية والتي تستهدف دولة روسيا الاتحادية، فهل تخدم هذه الأعمال بمجملها مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية؟. قد تبدو الإجابة نعم إذا ما نظر إليها من منظار ساذج وقصير المدى، وقد تبرز هذه التصرفات الاستعراضية أن الولاياتالمتحدة تتربع على مقعد الأحادية القطبية العالمية، وقد تثير هذه التصرفات إشباعا لرغبة الجانحين لعقدة العظمة في الإدارة الأمريكية تحت ذريعة متطلبات المصالح الأمريكية الإستراتيجية، لكنها على المدى المتوسط والبعيد ستجلب للولايات المتحدةالأمريكية ولمصالحها أسوأ النتائج، لأن هذه الممارسات ستؤدي إلى تعاظم الجبهة العالمية المناوئة للولايات المتحدةالأمريكية ولمصالحها. إثناء الحرب الباردة السابقة، التي حطت أوزارها بانهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل تسعينات القرن الماضي، كان هناك اصطفاف دولي واسع خلف الولاياتالمتحدة، وكان هناك هدف من هذا الاصطفاف هو مقاومة الشيوعية والفكر الإلحادي والنظام الاقتصادي الاشتراكي المركزي، لكن هذه الأهداف تلاشت منذ أكثر من عقد، مما يجعل من أسباب الحرب الباردة الحالية ضعيفة جدا، وغير مقنعة للكثير من الدول بالانضمام إليها لجانب الولاياتالمتحدةالأمريكية، مما سيضطرها خوض هذه الحرب الباردة ضد جبهة واسعة من الدول المتقدمة والنامية، بما فيها بعض حلفائها السابقين، الذين أصبحت لديهم حساباتهم الوطنية الجديدة، المتناقضة مع مصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذه الحالة ستجعل إمكانية فوز الولاياتالمتحدة بالحرب الباردة الحالية احتمالية ضعيفة جدا. كان بوسع الولاياتالمتحدة أن تخوض حرباً باردة جديدة، لكن ليس ضد الدول والشعوب، بل حرب إنسانية ضد المرض والجهل والفقر وتلوث البيئة والتغيرات المناخية ونقص مياه الشرب وتطوير الإنتاج الزراعي في مواجهة المجاعات التي تجتاح دولا كثيرة جدا، كغالبية دول قارات إفريقيا وأسيا وأمريكيا اللاتينية، بإمكان الولاياتالمتحدة لو خاضت هذه الحرب الإنسانية أن تكسبها، فتكسب تأييد وثقة الشعوب والدول وليس معاداتها. عن صحيفة الرأي الاردنية 16/9/2008