مؤتمر الخريف فرص النجاح واحتمالات الفشل مكرم محمد أحمد منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي بوش في منتصف أغسطس الماضي, عن عزمه الدعوة الي عقد مؤتمر دولي ينعقد في الولاياتالمتحدة, يحضره الفلسطينيون والإسرائيليون وعدد من الدول العربية من بينها السعودية ودول الخليج, إضافة الي ممثلين للرباعية الدولية وعدد من الدول الآسيوية الإسلامية, لتنشيط عملية السلام علي المسار الفلسطيني, والتعجيل بإقامة الدولة الفلسطينية في إطار تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي, والمصريون يحذرون علي ألسنة عديد من المسئولين أولهم الرئيس مبارك من خطر أن ينعقد الاجتماع دون إعداد جيد يضمن نجاحه لأن عواقب الفشل سوف تكون ثقيلة ووخيمة, ويعبرون عن قلقهم من أن يتحول المؤتمر الي مناسبة احتفالية أو عمل من أعمال العلاقات العامة يستهدف تحسين صورة الإدارة الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي دون مردود حقيقي علي عملية السلام, ويبدون مخاوفهم من أن يكون هدف المؤتمر الحقيقي الدفع بعملية تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية خصوصا مع السعودية ودول الخليج, دون أن يتحقق تقدم جوهري علي مسار التسوية الشاملة, أو التغطية علي عمل عسكري أمريكي يستهدف توجيه ضربة جوية لإيران, تنال منشآتها النووية ومقار الحرس الثوري الإيراني في الوقت الذي تؤكد فيه مصر ومعظم الدول العربية, ضرورة تسوية مشكلة الملف النووي الإيراني من خلال التفاوض المباشر بين طهران وواشنطن, وليس من خلال عمل عسكري, لأن حربا ثانية في الشرق الأوسط ضد إيران بعد الغزو الأمريكي للعراق سوف تؤدي الي نتائج خطيرة يصعب حصارها تهز استقرار المنطقة وتفتح عليها أبواب الجحيم. وفي مرات كثيرة, عبرت مصر عن هذه المخاوف في رسائل مكتوبة الي الإدارة الأمريكية والأطراف الأوروبية والروس والأممالمتحدة, في الوقت الذي تؤكد فيه استعدادها للمشاركة في أي جهد جاد تكون نتيجته تعزيز عملية السلام, لأن خطوة الي الأمام مهما تكن محدودة أفضل دون شك من البقاء محلك سر.. وما زاد من قلق القاهرة الغموض الذي أحاط بعقد المؤتمر حتي الأمس القريب, وعدم وضوح ضروراته وطبيعته وحضوره ومدي قدرته علي تجاوز العقبات الضخمة التي تواجه أطرافا أساسية, أولهم الفلسطينيون الذين يواجهون انقساما عميقا شديد الوطأة, يتمثل في وجود كيانين نقيضين يفصلهما واقع جغرافي يعزل غزة عن الضفة, وخلاف عقائدي وسياسي عميق بين الأخوة الأعداء فتح وحماس, يصعب أن يجد له حلا في الأمد المنظور, وثانيهم الإسرائيليون, حيث تعاني حكومة إيهود أولمرت ضعفا داخليا شديدا بسبب سوء ادارتها للحرب اللبنانية الأخيرة, وقرب صدور التقرير النهائي للجنة التحقيق التي يرأسها القاضي فينوجراد, وبدء توجيه اتهامات جنائية الي رئيس الوزراء أولمرت في قضايا تتعلق بالفساد والرشوة, وتزايد قوة اليمين الإسرائيلي, الذي يرفض تقديم أية مبادرات للفلسطينيين بح جة أن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ومستعمراتها أدي الي أن أصبحت المستعمرات الإسرائيلية في سديروت وعسقلان في مرمي صواريخ القسام. بل لعل الشكوك ذاتها كانت تساور معظم عواصم العالم العربي التي كانت تتساءل عن جدوي انعقاد مؤتمر تهبط التوقعات المرجوة منه الي حدودها الدنيا, ويتغير اسمه وعنوانه يوما وراء يوم, ولا يضم ضمن حضوره أطرافا أساسية مثل سوريا, وتصر عليه إدارة أمريكية لم تحرك ساكنا في مسيرة السلام علي امتداد عدة سنوات تتسم بالعناد وصلابة الرأي, ولم يعد باقيا لها في الحكم سوي بضعة شهور لا تمكنها من تحقيق انجاز حقيقي في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي, إلا أن يكون هدفها من المؤتمر تجميل صورة إدارة بوش القبيحة في العالم العربي بعمل من أعمال العلاقات العامة, أو التغطية علي عمل عسكري يجري التخطيط له لضرب إيران, أو تكريس الانقسام الواقع في الصف الفلسطيني بين فتح وحماس وتعزيز قسمة العرب الراهنة الي معتدلين ومتطرفين, وتوسيع الفجوة بين إيران والعرب. بل ولعل هذه الشكوك كانت أحد الدوافع المهمة التي أملت علي وزراء الخارجية العرب أن يوحدوا مواقفهم من هذا المؤتمر, في اجتماع عقدوه علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك, أسفر عن وثيقة عربية موحدة, قدمها وزير الخارجية سعود الفيصل الي وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس باعتبار أن السعودية ترأس القمة العربية, تؤكد ضرورة وجود جدول زمني لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي في إطار مرجعية الأرض مقابل السلام وقرارات الأممالمتحدة, مع اقامة آلية للمتابعة هدفها التأكد من التزام كل الأطراف بتنفيذ ما يتم التوصل إليه في هذا المؤتمر, شريطة أن يكون ضمن حضوره السوريون واللبنانيون, مع ضرورة التحرك علي كل مسارات التسوية الثلاثة اللبنانية والسورية والفلسطينية التي يمكن أن تبدأ علي الفور اذا ما انتهت المباحثات التي تجري الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين الي اتفاق علي المبادئ الأساسية التي تشكل جوهر الحل لقضايا المرحلة النهائية, الحدود والقدس واللاجئين والمستعمرات والمياه والأمن. وما من شك في أن التطمينات الأربعة التي قدمتها وزيرة الخارجية الأمريكية في اجتماعها مع وزراء الخارجية العرب في نيويورك, أزالت بعض الغموض الذي يحيط بطبيعة المؤتمر ووظيفته, فالمؤتمر طبقا لتطمينات رايس يهدف الي انجاز تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي, تركز أولا علي القضية الفلسطينية التي هي جوهر الصراع وعلي وجه التحديد القضايا الست التي تمثل مشكلات الحل النهائي, كما أن سوريا ولبنان يمكنهما حضور المؤتمر في إطار لجنة المتابعة العربية المشكلة من11 دولة عربية جميعهما مدعوة لحضور المؤتمر الذي سوف ينعقد في دورات متتابعة لمتابعة التنفيذ وتقويم الأداء دون حاجة الي إنشاء آلية جديدة. ووفقا لهذا التوصيف سوف ينعقد المؤتمر ليوم واحد, يصادق فيه علي اتفاق الإطار الذي يحدد المبادئ الأساسية لتسوية مشكلات الحل النهائي علي المسار الفلسطيني, الذي يتوصل إليه الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي دون اضافة أو تعديل, ويطلق عملية التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي التي تبدأ فور انتهاء المؤتمر, ويحدد آلية برامج المتابعة لتنفيذ القرارات وموعد الاجتماع التالي للمؤتمر. وتبقي عدة ملاحظات أساسية: أولها, أن المؤتمر يكاد يكون حتي الآن مثل جبل الجليد العائم, الجزء الغامض منه تحت السطح لايزال أكبر من الظاهر, لأن المادة الأساسية للمؤتمر المتمثلة في اتفاق إطار لمحددات المبادئ الأساسية في تسوية القضايا الست, الحدود, القدس, المستوطنات, اللاجئين, الأمن والمياه, لم تزل موضع تفاوض بين فريقي العمل الفلسطيني والاسرائيلي اللذين يختلفان حول طبيعة هذا الإطار, وهل يكون محددا ومفصلا علي نحو حاكم يساعد في عملية التفاوض, أم يكون عاما وفضفاضا بدعوي ترك التفاصيل الي مرحلة التفاوض, خصوصا أن مباحثات أولمرت وعباس لم تسفر عن أية مدونة تمثل خريطة طريق تساعد المفاوضين في التغلب علي المصاعب في مرحلة لاحقة. ثانيا, انه ربما يستحيل علي الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني وحدهما الوصول الي هذا الاتفاق الاطاري, الذي سوف يصادق عليه المؤتمر دون تعديل أو إضافة, ويصلح لأن يكون نقطة بدء لاطلاق عملية التفاوض الي مشروع معاهدة سلام فلسطينية إسرائيلية تنهي كل أوجه المشكلة الفلسطينية وتضع خاتمة لأية مطالبات فلسطينية يتم تنفيذها في أمد زمني محدد, بحيث يصبح توقيع المعاهدة بداية مرحلة جديدة في العلاقات العربية الإسرائيلية تقرن بين خطوات التطبيع وخطوات تنفيذ بنود المعاهدة, وما لم تكن الولاياتالمتحدة طرفا أساسيا يساعد الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني علي الوصول الي هذا الاتفاق الإطاري, ويقرب وجهات نظرهما وصولا الي هذا الاتفاق فربما يصعب تحقيق النتائج المرجوة, ولهذا السبب سوف تأتي وزيرة الخارجية الأمريكية في رحلة قريبة الي المنطقة تستمر بضعة أيام لضمان وصول الفلسطينيين والاسرائيليين الي اتفاق مبادئ. ثالثا, انه برغم الضعف الملحوظ في قدرة كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي علي مواجهة الضغوط الداخلية التي يتعرض لها كل منهما, إلا أن العوار والضعف الشديد في الموقف الفلسطيني بسبب انقسام فتح وحماس مقارنة بالموقف الاسرائيلي, يمكن أن يضعف قدرة الطرف الفلسطيني علي مواجهة ضغوط اسرائيلية أمريكية تسعي لإلزامه الاتفاق علي صيغ مبهمة وغير محددة في قضايا القدس واللاجئين والحدود وتبادل الأراضي تزيد من صعوبات مرحلة التفاوض أو تؤجل الفشل الي مرحلة لاحقة, وتحمل الفلسطينيين تبعة هذا الفشل!. رابعا, انه بالرغم من التطمينات التي قدمتها وزيرة الخارجية الأمريكية في اجتماعها مع وزراء الخارجية العرب علي هامش اجتماعات الجمعية العمومية في نيويورك, وقبولها أن يكون الهدف المعلن للمؤتمر هو اتفاق تسوية شاملة ونهائية للصراع العربي الإسرائيلي, وأن يكون انطلاق التفاوض علي المسار الفلسطيني هو مجرد خطوة أولي يمكن أن تبدأ علي الفور إلا أن إنهاء المؤتمر لأعماله الذي سوف يستمر يوما واحدا دون اتفاق معلن ومحدد علي آلية استئناف التفاوض علي المسارين اللبناني والفلسطيني سوف يزيد الموقف العربي انقساما وتعقيدا, كما أن ربط عملية تطبيع العلاقات الإسرائيلية العربية باتفاق الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي علي بنود معاهدة سلام فلسطينية اسرائيلية سوف يزيد من تعقيد الموقف العربي وقسمته, ما لم يكن قد تم احياء التفاوض علي المسارين السوري واللبناني, وفي جميع الأحوال ربما يكون من الضروري اشعار السوريين بأنهم في قلب الاهتمام العربي الذي لن يخذلهم, ولن يساعد الأمريكيين والإسرائيليين علي عزلهم. خامسا, انه ما لم ينته المؤتمر الي ضرورة الربط الحتمي بين انطلاق عملية التفاوض الإسرائيلي الفلسطيني ووقف كل صور العدوان علي الضفة والقطاع وتجميد كل عمليات الاستيطان, سواء في النقاط عير القانونية أو توسيع المستوطنات القائمة بالفعل ووقف بناء الجدار, وانهاء عمليات الاستيلاء علي الأرض العربية, ورفع الحواجز من مدن الضفة, وتسهيل الربط بين القطاع والضفة والافراج عن المزيد من الأسري الفلسطينيين فسوف تبقي عملية السلام معزولة تماما عن محيطها الانساني الفلسطيني, تفتقد ثقة وتأييد وتشجيع الرأي العام الفلسطيني يسهل علي حماس. سادسا, إن فكرة الوصول الي اتفاق فلسطيني إسرائيلي مركون علي الرف لحين تهيئة الظروف الملائمة لتنفيذه عملا لا طائل من ورائه, يمكن أن تعصف به أية متغيرات طارئة أو مصطنعة, بل إن فكرة التفاوض علي التسوية النهائية, في غيبة جانب فلسطيني مهم له وجوده المستقل علي الأرض يقتسم مع فتح السيطرة علي الرأي العام الفلسطيني, يعني تكريس الانقسام بين الضفة وغزة, واضفاء نوع من الشرعية الجديدة علي معارضة حماس يمكن أن تغفر لها انقلابها العسكري علي مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية خصوصا اذا فشلت المفاوضات. وفي النهاية, فإنه أيا كان احتياج الإدارة الأمريكية الي انجاز اتفاق فلسطيني إسرائيلي يحسن صورتها أو تغطي به علي ضربة مفاجئة لإيران تخطط لها, فمن المحظور أن يتحول الحضور العربي لهذا المؤتمر الي مجرد حفل علاقات عامة, يخدم أجندة محض أمريكية لا علاقة لها بالحقوق العربية. وقد يسجل المؤتمر نجاحا عربيا مهما, اذا تمكن العرب من الزام الحضور دعوة المؤتمر الي دورة ثانية للانعقاد في موعد قريب لمناقشة آلية التحرك علي المسارين اللبناني والسوري لكن ذلك يبدو حلما بعيد المنال. عن صحيفة الاهرام المصرية 6/10/2007