قضايا الدولة تحتفل بخريجي كلية الحقوق من جامعة عين شمس    قطاع الأعمال: التعليم الفني والتدريب المهني ركيزة أساسية لبناء الدولة الحديثة    نادي الأسير الفلسطيني: لم يتم تحديد عدد المفرج عنهم من سجون الاحتلال حتى الآن    القوات الأفغانية تشن هجومًا على مواقع عسكرية للجيش الباكستاني    الإمارات تنتزع فوزًا مثيرًا أمام عمان بقيادة "كيروش" في تصفيات كأس العالم 2026    رشاد العرفاوي يشيد بتألق اللاعبين التونسيين في الدوري المصري ويعتبر علي معلول رمزًا للنجاح    الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة البحرية في البحر المتوسط    هنادي مهنا تحتفل بالعرض الخاص لفيلم أوسكار_ عودة الماموث.. صور    بالتعاون مع شركة "دراجر" العالمية.. "وزير الصحة" يبحث تطوير وحدات العناية المركزة بالمستشفيات    محمد كمال: عودة أهالي غزة إلى الشمال رسالة قوية على تمسكهم بأرضهم...فيديو    هاتريك تاريخي.. هالاند الأسرع وصولا إلى 50 هدفا دوليا مع النرويج    ألمانيا تهنئ خالد العناني بانتخابه مديرًا عامًا لليونسكو وتؤكد دعمها للتعاون المستقبلي    تعرف على برنامج "السينما السعودية الجديدة" للأفلام القصيرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي    مي مصطفى تطلق ميني ألبوم جديد بعنوان "أنا النسخة الأصلية" خلال أيام    أوقاف الفيوم تكرم الأطفال المشاركين في البرنامج التثقيفي بمسجد المنشية الغربي    إنزو فيرنانديز يغادر معسكر الأرجنتين بسبب الإصابة.. وتشيلسي يقيم حالته    ما هو شلل المعدة؟ .. الأسباب والأعراض والعلاج    محافظ المنيا: رعاية النشء والشباب أولوية لبناء المستقبل وخلق بيئة محفزة للإبداع    وزير الرياضة يتابع الاستعدادات الخاصة بالجمعية العمومية للأهلي    تصاعد اعتداءات المستوطنين على قاطفي الزيتون بالضفة الغربية    رحلة .. منصة رقمية جديدة تربط التعليم بالسياحة وتفتح أبواب التراث لطلاب المدارس    هنادي مهنا أول الحاضرين في عرض فيلم «أوسكار - عودة الماموث»    بعد فوز 3 من أعضاءه بجائزة الدولة.. رئيس القومي لحقوق الإنسان: يعكس دور المجلس وريادته    الأجهزة الأمنية بالغربية تفحص فيديو لموكب حركات إستعراضية بزفة عروسين ب بسيون    مصرع تاجر مخدرات في تبادل النيران مع الشرطة بقنا    هالاند يقود النرويج لاكتساح إسرائيل بخماسية فى تصفيات كأس العالم    مستشفى "أبشواي المركزي" يجري 10 عمليات ليزر شرجي بنجاح    صوروه في وضع مخل.. التحقيقات تكشف كواليس الاعتداء على عامل بقاعة أفراح في الطالبية    مياه الغربية: تطوير مستمر لخدمة العملاء وصيانة العدادات لتقليل العجز وتحسين الأداء    9 مرشحين بينهم 5 مستقلين في الترشح لمجلس النواب بالبحر الأحمر ومرشح عن حلايب وشلاتين    محافظ الأقصر يقوم بجولة مسائية لتفقد عدد من المواقع بمدينة الأقصر    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    وفقًا لتصنيف التايمز 2026.. إدراج جامعة الأزهر ضمن أفضل 1000 جامعة عالميًا    عالم أزهري يوضح أحكام صلاة الكسوف والخسوف وأدب الخلاف الفقهي    عالم أزهري يوضح حكم تمني العيش البسيط من أجل محبة الله ورسوله    QNB يحقق صافى أرباح 22.2 مليار جنيه بمعدل نمو 10% بنهاية سبتمبر 2025    وزير خارجية الصين يدعو إلى تعزيز التعاون الثنائي مع سويسرا    رسميًا.. موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 وتغيير الساعة في مصر    نزلات البرد.. أمراض أكثر انتشارًا في الخريف وطرق الوقاية    قيل بيعها في السوق السوداء.. ضبط مواد بترولية داخل محل بقالة في قنا    معهد فلسطين لأبحاث الأمن: اتفاق شرم الشيخ يعكس انتصار الدبلوماسية العربية    «الري»: التعاون مع الصين فى 10 مجالات لإدارة المياه (تفاصيل)    تفاصيل لقاء السيسي بالمدير العام لليونسكو (صور)    الجو هيقلب.. بيان عاجل من الأرصاد الجوية يحذر من طقس الأيام المقبلة    الداخلية تكشف حقيقة سرقة شقة بالدقي    المستشارة أمل عمار تشارك في فعاليات القمة العالمية للمرأة 2025 في الصين    القنوات الناقلة لمباراة الإمارات وعُمان مباشر اليوم في ملحق آسيا لتصفيات كأس العالم    منظمة العمل العربية تطالب سلطات الاحتلال بتعويض عمال وشعب فلسطين عن الأضرار التي سببتها اعتداءاتها الوحشية    غدًا.. محاكمة 60 معلمًا بمدرسة صلاح الدين الإعدادية في قليوب بتهم فساد    تقديم 64 مرشحًا بأسيوط بأوراق ترشحهم في انتخابات النواب    «المشاط» تبحث مع المفوضية الأوروبية جهود تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون CBAM    زراعة المنوفية: ضبط 20 طن أسمدة داخل مخزنين بدون ترخيص فى تلا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    الرباعة سارة سمير بعد التتويج بثلاث فضيات ببطولة العالم: دايمًا فخورة إني بمثل مصر    الرعاية الصحية: تعزيز منظومة الأمان الدوائي ركيزة أساسية للارتقاء بالجودة    منها «القتل والخطف وحيازة مخدرات».. بدء جلسة محاكمة 15 متهما في قضايا جنائية بالمنيا    أسعار اللحوم اليوم السبت في شمال سيناء    «رغم زمالكاويتي».. الغندور يتغنى بمدرب الأهلي الجديد بعد الإطاحة بالنحاس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعا عن سوريا.. قبل فوات الأوان!
نشر في محيط يوم 30 - 09 - 2007


دفاعا عن سوريا.. قبل فوات الأوان!
عبد المالك سالمان
منذ أن شنت اسرائيل الغارة الجوية المباغتة والغامضة على موقع في أقصى العمق السوري تبين فيما بعد انه مركز أبحاث زراعية بمحافظة الرقة الواقعة شمال شرقي سوريا قرب الحدود مع تركيا والعراق في السادس من سبتمبر 2007، يمكن القول إن أجواء الحرب قد عادت بقوة لتخيم على المنطقة، وقد تراجعت بشدة أي امكانية لاجراء مفاوضات سورية اسرائيلية لتحل محلها الخشية الحقيقية من اندلاع حرب جديدة تشنها اسرائيل على سوريا، وان الغارة الاسرائيلية لم تكن الا تمهيدا ومقدمة لتلك الحرب المتوقعة.
ليس في هذا الحديث عن الحرب أية مبالغة، بل ان التفكير العقلي والمنطقي يفرض الحديث بصوت عال عن هذه الاحتمالية، وضرورة استنفار جميع الطاقات العربية لمواجهة هذا الاحتمال والتصدي له دفاعا عن سوريا ولهزيمة مخططات الهيمنة الصهيونية الأميركية على المنطقة العربية.
فحديث الحرب اصبح متداولا بشدة في الأوساط العسكرية والسياسية الاسرائيلية، وقد كشف ايهود أولمرت رئيس الوزراء الصهيوني في حديثه إلى لجنة الشئون الخارجية والدفاع بالكنيست بعد الغارة الاسرائيلية على سوريا أن القوات الاسرائيلية والسورية على جانبي الحدود ما زالت في حالة تأهب عسكري واستنفار منذ وقوع الغارة وحتى الآن، لأن كلا من الجانبين السوري والاسرائيلي يخشى أن يبادر احدهما بشن هجوم عسكري شامل.
وقد كشفت التقارير العسكرية، مؤخرا، أن حالة الاستنفار العسكري والتوتر قد دفعت بأجهزة الرادار الاسرائيلية الى تخيل ان سربا من الطيور المهاجرة هو بمثابة سرب طيران سوري قادم في حالة هجوم مما دفع القيادة الاسرائيلية الى ارسال طائرات اسرائيلية اعتراضية للتصدي "للهجوم المزعوم" وكانت فضيحة عندما تبين أن الطائرات المهاجمة هي مجرد طيور مهاجرة.
بالاضافة الى هذه الأجواء الحربية السائدة، هناك من المؤشرات والدلائل ما يؤكد خطورة استبعاد شن عدوان اسرائيلي شامل على سوريا في الفترة من خريف هذا العام 2007 وحتى ربيع العام القادم 2008 يمكن أن نشير اليها في النقاط التالية:
أولا: قبل شن اسرائيل للغارة العدوانية على سوريا في السادس من سبتمبر 2007، كتب معلق اسرائيلي بارز هو عكيفار الدار في صحيفة "هاآرتس" الاسرائيلية يقول: "ان الجيش الاسرائيلي الذي يقوم منذ فترة بعمليات إعادة ترميم لآثار حربه ضد حزب الله في الصيف الماضي بحاجة الى صدمة كبرى لاستعادة ثقته بنفسه، وهذه الصدمة قد تكون الحرب الساحقة ضد سوريا".
ثانيا: إن من أهداف إسرائيل في شن أي حرب جديدة على سوريا، محاولة إجهاض الخطة السورية لإعادة بناء التسليح السوري على أسس حديثة وتحديث القدرات العسكرية السورية خصوصا بعد أن قامت دمشق، مؤخرا، بشراء منظومة دفاع جوي صاروخي حديث وفعّال من روسيا، ويقال أن أحد أهداف الغارة الاسرائيلية كان محاولة اختبار مدى فاعلية هذا النظام الدفاعي الجوي السوري الجديد وقدرته على التصدي للطيران الإسرائيلي.
ثالثا: ان ايهود باراك زعيم حزب العمل والذي تولى منصب وزير الدفاع الاسرائيلي في حكومة أولمرت الحالية، ويضع نصب عينيه العودة مجددا الى رئاسة وزراء اسرائيل في الانتخابات القادمة، يقوم حاليا بتنفيذ استراتيجية عسكرية هدفها استعادة "قوة أو هيبة الردع" للجيش الاسرائيلي التي أصيبت بانتكاسة حقيقية وطعنة نجلاء إزاء عجزها عن سحق قوة " حزب الله" في حرب الصيف الماضي.
ويعتقد باراك الذي ينظر اليه على انه واحد من أكفأ الجنرالات العسكريين في تاريخ اسرائيل، ان مستقبله السياسي مرتبط بتحقيقه انجازا عسكريا يعيد بناء صورته كقائد عسكري قوي ومحنك يستطيع الرأي العام الاسرائيلي أن يثق بقيادته العسكرية والسياسية، ومع الأسف الشديد فإن الميدان المرشح لاستعراض عضلات الجيش الاسرائيلي هو السعي لتحطيم قدرات الجيش السوري.
فإسرائيل لا تريد الدخول مرة أخرى في مواجهة مع حزب الله الذي يتبع اسلوب حرب العصابات مما قد ينتهي الى كارثة للجيش الاسرائيلي اذا تلقى هزيمة جديدة على يد حفنة من المقاتلين التابعين لحزب سياسي، فضلا عن الدخول في حرب استنزاف ليست مضمونة النتائج.
لكن الدخول في حرب نظامية مع الجيش السوري الأقل مستوى من حيث نوعية التسليح العسكري قد يساعد اسرائيل على إعادة ترميم صورتها العسكرية واستعادة (قوة أو هيبة الردع) في المنطقة، كما ان اضعاف سوريا عسكريا وسياسيا قد يؤدي الى اضعاف حزب الله ذاته لانقطاع مصدر الامداد الرئيسي له عبر الأراضي السورية. وبالطبع فإن مثل هذه الحسابات الاسرائيلية لا تستبعد إمكانية دخول حزب الله المعركة، لأن قيادة حزب الله تدرك أن ضرب سوريا سيساعد على محاولة تصفية الحزب لاحقا، وهو هدف اسرائيلي أميركي استراتيجي.
لذلك، فالأرجح أن يدخل حزب الله اللبناني المعركة في حالة دفاع عن النفس ودفاع مشترك معاون مع سوريا. وهذا يقودنا الى سيناريو الكارثة الثلاثي الذي يمكن أن تشهده المنطقة في الفترة من خريف 2007 الى ربيع .2008 وما نقصده بسيناريو الكارثة الثلاثي وربما الرباعي هو الاتجاهات التي تحكم تفكير المحافظين الجدد المهيمنين على صناعة القرار السياسي والاستراتيجي في ادارة بوش، وهو محاولة القضاء على قوى الممانعة والمقاومة لمشروع الهيمنة الصهيوني الأميركي على المنطقة عبر محاولة ضرب وتصفية ما يطلقون عليه (محور المتطرفين) في المنطقة والذي يشمل (ايران وسوريا وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية).
ويجب هنا أن نتنبه جيدا للخطوة الاسرائيلية المفاجئة بالاعلان عن اعتبار قطاع غزة الذي تسيطر عليه حاليا حركة حماس (كيانا معاديا) لاسرائيل، ومسارعة ادارة بوش الى اعتبار قطاع غزة (كيانا معاديا) لأميركا بعد ساعات فقط من القرار الاسرائيلي. وفي هذا الاطار، هناك خطط وضعها الجنرال باراك لاجتياح شمال قطاع غزة، وإعادة احتلال شريط فيلادلفيا على الحدود المصرية مع قطاع غزة في محاولة لاحكام الحصار على قطاع غزة شمالا وجنوبا فضلا عن التهديد بقطع امدادات الكهرباء والماء عن قطاع غزة. ما نريد ان نشير اليه، هو ان الصحافة الاسرائيلية هذه الأيام مليئة بالتعليقات والتحليلات التي تعزز التوجهات العسكرية لحكومة أولمرت.
ويلفت النظر المواقف المتشددة التي يدلي بها وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك حيث أعلن رفضه لأي انسحاب اسرائيلي من الضفة الغربية قبل خمسة اعوام حتى يستكمل الجيش الاسرائيلي بناء منظومة صواريخ دفاعية تستطيع التصدي لأي هجمات صاروخية فلسطينية من غزة أو الضفة مستقبلا، فضلا عن تركيز باراك في العمل على استعادة (هيبة الردع) للجيش الاسرائيلي ومعارضته لأي تسويات تفاوضية مع الجانب الفلسطيني، وهذا ما يشكل نقيض ما سعى اليه باراك نفسه عام 2000 بمحاولة التوصل الى تسويات نهائية مع كل من سوريا والفلسطينيين في نهاية عهد الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون.
وهو الأمر الذي يعطي مؤشرا على أولوية النزعة العسكرية على التوجهات السياسية أو التفاوضية في اسرائيل حاليا. ومما يعزز هذا الاتجاه، أن شعبية كلا من ايهود أولمرت وايهود باراك وزير دفاعه قد ارتفعت بعد أن اعترفت اسرائيل بشن الغارة الجوية ضد سوريا مؤخرا.
وهذا الأمر قد يدفع حكومة أولمرت الى مزيد من النزعة العسكرية حتى تستطيع البقاء في السلطة، وتفادي الآثار السلبية لصدور التقرير النهائي للجنة فينوجراد التي تحقق في اسباب التقصير العسكري والسياسي لحكومة أولمرت في حرب الصيف الماضي ضد (حزب الله)، والذي تحاول حكومة أولمرت تأخير صدوره الى أطول فترة ممكنة ربما حتى تنتهي من شن عدوانها المحتمل ضد سوريا، ليكون هذا العدوان بمثابة الرافعة السياسية وطوق النجاة لها من الانهيار.
رابعا: ان هذا يدعونا الى تسليط الضوء مجددا على سيناريو الكارثة الثلاثي أو الرباعي الذي يمكن ان يشنه التحالف الاسرائيلي الأميركي ضد ما يطلقون عليه محور المتطرفين الذي يضم (سوريا وايران وحزب الله وحركة حماس) حيث يفكر المحافظون الجدد الغارقون في المستنقع العراقي في خوض المعركة الاخيرة لمخطط (الفوضى الخلاقة) في المنطقة، خاصة ان اسقاط النظام السوري البعثي هو هدف معلن للمحافظين الجدد منذ اسقاط نظام صدام حسين البعثي في العراق، فلا يرغب المحافظون الجدد من أجل بناء (الشرق الأوسط الجديد) الخاضع للهيمنة الأميركية الصهيونية في رؤية اي قوى مقاومة أو أيديولوجيات قومية مثل (البعث في سوريا) يمكنها ان تعبئ وتحشد الرأي العام العربي أو تعزز طاقات الصمود.
واذا أضفنا الى ذلك ان تحطيم البرنامج النووي الايراني هو هدف استراتيجي اسرائيلي أميركي مشترك وبات يمثل خطا أحمر معلنا في السياسة الأميركية والاسرائيلية، فضلا عن عدم الارتياح لوجود قوى شعبية مقاومة مثل حزب الله ، فيمكننا أن نقرأ ماذا يمكن أن يقدم عليه المحافظون الجدد كخطوة جنونية أخيرة لتعويض فشلهم في العراق، وعلى أمل أن تكون خطوة لانقاذ مشروع التغيير الكبير الذي خططوا له في المنطقة عبر (الفوضى الخلاقة) وذلك عبر استراتيجية الهروب الى الأمام ، بمزيد من المغامرات العسكرية المجنونة، والتي يمكن ان تشكل عبئا استراتيجيا هائلا على الادارة الديمقراطية الجديدة التي يتوقع ان تصل الى البيت الأبيض في مطلع عام 2009.
بما يشكل نوعا من الانتقام السياسي من الديمقراطيين في اميركا بتوريطهم في مستنقع هائل من الأزمات، وبإرث ثقيل من الورطات العسكرية والسياسية التي يمكن ان يخلفها المحافظون الجدد لهم هؤلاء الذين يعتبرون ان لا أحد يستحق ان يحكم اميركا غيرهم، واذا حكمها الديمقراطيون الذين طالما وجهوا انتقادات لايديولوجية وأفكار المحافظين الجدد فعليهم ان يدفعوا ثمنا سياسيا باهظا.
اننا هنا، لا نتحدث عن نهج يتسم بالعقلانية السياسية، والا لتوقعنا صعوبة اقدام اميركا على شن مغامرات عسكرية جديدة بعد ورطتها في العراق، ولكننا نتحدث عن مجموعة المتعصبين الايديولوجيين من المحافظين الجدد بقيادة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني يعتقدون انهم يقومون بمهام مقدسة لخدمة أميركا واسرائيل بعضهم ينطلق من منظور لاهوتي أيديولوجي وبعضهم من منظور استراتيجي لخدمة المصالح الصهيونية.
ولهذا فإنهم اختطفوا القرار السياسي والاستراتيجي الأميركي منذ عام 2001 تحت قيادة بوش ولن يتركوه الا بمزيد من الكوارث لمن يخلفهم في قيادة أميركا. في ضوء ذلك، لا يستبعد ان نرى سيناريو ضربة مشتركة متزامنة، تقوم فيها اميركا بشن حرب على ايران لتدمير البرنامج النووي الايراني، في حين تتولى اسرائيل شن حرب ضد سوريا شاملة مع امكانية الهجوم على كل من حزب الله وحركة حماس وهو ما اطلقنا عليه سيناريو الكارثة الثلاثي او الرباعي.
فإسرائيل تعتقد ان شن الحرب على سوريا في وقت تتعرض فيه ايران لهجمة عسكرية اميركية، سيمكن اسرائيل من تحطيم القوة العسكرية السورية والقضاء على قوة (حزب الله) او اضعافه الى أبعد مدى ولن تتمكن ايران من تقديم الدعم الاستراتيجي لهما لأنها ستكون منهمكة في مواجهة الهجوم الأميركي، كما ان حركة حماس في ظل الحصار ستصبح في متناول القوة الاسرائيلية، ومن شأن هذه الحرب الشاملة اعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح التحالف الاسرائيلي الأميركي، أو هكذا يتصورون في كل من أميركا واسرائيل.
من هنا نؤكد خطورة المؤشرات التي اطلقتها الغارة الاسرائيلية الغامضة على سوريا مؤخرا. خامسا: في ضوء هذه المعطيات، كان من المؤلم حقا، ان جاءت ردود الفعل العربية على الغارة الاسرائيلية على سوريا في مطلع سبتمبر 2007، ردودا باهتة ومخجلة وكارثية بالمعنى السياسي، فقد التزمت معظم العواصم العربية الصمت، وكأن هذه الغارة لا تشكل عدوانا صارخا على بلد عربي شقيق.
وفي ذات الوقت، لم تجد سوريا أي مساندة لها عندما قامت بتقديم شكوى الى مجلس الأمن ضد الغارة الاسرائيلية التي تشكل انتهاكا صارخا لسيادة دولة وخرقا فاضحا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ولم يصدر حتى بيان ادانة من مجلس الأمن، حتى ان أميركا مارست ضغطا على مجلس الأمن لاهمال الشكوى السورية.
وفي تقديرنا، ان عدم المساندة العربية للموقف السوري ضد هذا العدوان الاسرائيلي كان فشلا حقيقيا للدبلوماسية العربية ولروح التضامن العربي وعدم تقدير مسئول لجسامة هذا العدوان على مقتضيات الالتزام بمتطلبات حماية الأمن القومي العربي.
ان من المفارقات المؤلمة، ان نسجل هنا ان الصحف والقيادات الاسرائيلية قد عبرت عن سرورها بردود الفعل العربية الباهتة على الغارة الصهيونية على سوريا، وقدم الموقف العربي الهش اشارات سيئة الى اسرائيل، حيث اعتبرت تل ابيب ان ذلك يشكل مؤشرا على عزلة سوريا في الساحة العربية، ورأى بعض المعلقين الاسرائيليين ان ما حدث يكشف ان العرب لن يحركوا ساكنا اذا شنت اسرائيل الحرب ضد سوريا، وهذا أخطر ما في عواقب الموقف العربي الهزيل تجاه الغارة العدوانية.
وكان الأجدر، ان تعلن الدول العربية تهديدها بعدم حضور اجتماع الخريف لبحث عملية السلام الذي دعت اليه ادارة بوش لأنه لا يمكن الذهاب لمؤتمر يبحث في مصير السلام في وقت تتعمد اسرائيل فيه شن عدوان على بلد عربي يشكل ركنا أساسيا من أركان عملية السلام في المنطقة بما يجلب أجواء توتر وعدم استقرار وفقدان للثقة، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، مما يشكل خللا في الرؤى السياسية العربية، خاصة ان العواصم العربية تعلم جيدا ان ذلك المؤتمر الدولي المزعوم لن يحقق الاختراق المنتظر في عملية السلام، والأرجح انه سيكون مؤتمرا للتغطية على العدوان الأميركي المرجح ضد ايران والاسرائيلي ضد سوريا، خاصة ان هناك محاولات أميركية واضحة لعدم دعوة سوريا إلى حضور المؤتمر. ولنا ان نتأمل كثيرا تصريح وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس التي طالبت سوريا بنبذ العنف كشرط للمشاركة في اجتماع الخريف.
وقد جاء هذا التصريح بعد أيام فقط من العدوان الاسرائيلي على سوريا عبر الغارة الجوية، فهل هناك عبث واستهتار بالعقول العربية أكثر من هذا؟ فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: من الذي عليه ان ينبذ العنف.. هل هي سوريا المحتلة اراضيها في الجولان وتعرضت لعدوان اسرائيلي جديد عبر الغارة الجوية، أم اسرائيل التي تحتل اراضي العرب وتشن عدوانا جويا ضد سوريا فضلا عن استمرارها في ممارسة جميع اشكال العدوان والعنف ضد الشعب الفلسطيني سواء على المستوى العسكري أم الاقتصادي أم التجويعي؟
وختاما: نقول ان جميع المؤشرات ترجح تزايد احتمالات شن اسرائيل لحرب ضد سوريا خلال الاسابيع أو الشهور القليلة القادمة، وتعكس الذرائع التي قدمت في تبرير الغارة الاسرائيلية مثل الحديث عن محاولة سوريا امتلاك قدرت نووية بالتعاون مع كوريا الشمالية وهو ما ثبت انه أكاذيب مضللة، ان الهدف هو التهويل لتبرير العدوان الاسرائيلي القادم ضد سوريا.
ومن هنا، فإن العرب مطالبون بالتسامي على اي خلافات فيما بينهم بشأن قضايا اخرى، والتضامن الشامل مع سوريا، فنحن لا نريد ان نرى مأساة العراق تتكرر في سوريا خاصة ان العدوان على سوريا كان مبيتا في مخططات المحافظين الجدد ولم يعرقله الا احتدام المقاومة العراقية للاحتلال الأميركي في العراق. وفي تقديرنا ان وقفة تضامن سياسية وشعبية قوية للعرب مع سوريا يمكن ان تجنب سوريا عدوانا غاشما يستهدف ادخالها في دوامة (الفوضى الخلاقة) وتفجير الصراعات الطائفية داخلها على غرار ما حدث في العراق.. فهل يتحرك العرب قبل فوات الأوان للتصدي لهذا العدوان الجديد على أمنهم القومي؟.
عن صحيفة الوطن العمانية
30/9/2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.