حريق القوقاز ينتقل إلى الشرق الأوسط؟ سعد محيو لماذا يبدو أن الصراع في جنوب القوقاز بدأ يأخذ ملامح شرق أوسطية فائقة؟ لأن هذا الذي يبدو واقعياً وحقيقياً، وعلى ثلاث جبهات دفعة واحدة. الجبهة الأولى هي سوريا التي تحوّلت (أو حوّلت نفسها) بين ليلة وضحاها إلى جزء من اللعبة الكبرى بين روسيا والغرب في مثلث القوقاز- قزوين-آسيا الوسطى. وهذا تم عبر عرضها “استضافة" صواريخ “إسكندر" الروسية على أراضيها التي تستطيع التغلب على دفاعات الخصم الصاروخية وضرب أهداف على بعد 280 كيلومتراً؛ وأيضاً عبر استعدادها، على ما يبدو، لمنح الروس قاعدة عسكرية بحرية في طرطوس. كلا التطورين قرع أجراس الإنذار في تل أبيب والعواصم الغربية، خاصة مسألة القاعدة البحرية لأنها ستضع مرفأ سيحان التركي الاستراتيجي والذي يتدفق إليه نفط أذربيجان عبر خط الأنابيب باكو- تبليسي - سيحان تحت رحمة البحرية الروسية. الجبهة الثانية “إسرائيل"، التي سبقت سوريا بأشواط حين بادرت قبل ثلاث سنوات إلى القيام بتدريب القوات الجورجية ومدّها بالخبراء والأسلحة الحديثة، وهو ما دفع رئيس الوزراء بوتين إلى توجيه تحذير قوي اللهجة إلى الرئيس “الإسرائيلي" بيريز بضرورة التوقف عن هذه النشاطات “وإلا ستضطر موسكو إلى مضاعفة تعاونها العسكري مع سوريا وإيران". الجبهة الثالثة إيران. لكن، ما علاقة هذه الأخيرة بنزاع جورجيا؟ لنترك الإجابة إلى المحلل البريطاني ستيفن كينزر: “الأرجح أن الثنائي بوش- تشيني يفكران الآن على النحو الآتي: نحن حالياً على وشك مغادرة البيت الأبيض، وكما تبدو الأمور، المجابهات الأخيرة بيننا وبين الأشرار انتهت لصالحهم. لا نستطيع أن ننهي ولايتنا على هذا النحو. هذه يجب ألا تكون الكلمة الأخيرة. يجب أن نخرج من السلطة بأكاليل الغار والمجد. لكن أين يجب أن نضرب لتحقيق ذلك؟ في إيران بالطبع". نبوءة كينزر قد تتحقق وقد لا تتحقق. لكن ما يظهر أنه يتحقق بالتأكيد هو أن الشرق الأوسط انغمس بحيوية وبشكل مباشر في النزاع المفتوح في منطقة الاتحاد السوفييتي السابق، وهذا ستكون له حتماً تبعاته ومضاعفاته ومفاجآته. صحيفة “التايمز" البريطانية وصفت هذا التطور بأنه “حرب باردة جديدة في الشرق الأوسط". وهذا تعبير ربما كان موفقاً لولا الحقيقة بأن مثل هذه الحرب مندلعة بالفعل في المنطقة (وإن سراً) بين روسيا - الصين وبين أمريكا - أوروبا منذ أكثر من سبع سنوات. لا بل أكثر: ما منع، جزئياً على الأقل، الولاياتالمتحدة من تحويل الحرب الباردة إلى حرب ساخنة ضد إيران وسوريا، كان خوفها من أن تصب مضاعفاتها غير المتوقعة (كما حدث في العراق) في صالح موسكو وبكين. هذه بعض العوامل التي تجعل الصراع القوقازي في بعض أوجهه صراعاً شرق أوسطياً. وعلى الرغم من أن هذا لم يحدث على صعيد كل الأوجه، إلا أنه سيكون مفتوحاً على هذا الاحتمال إذا ما دفع الرد الأمريكي المتوقع على النصر الروسي في جورجيا موسكو إلى قطع ما تبقى من ضبط نفس وجسور مع واشنطن وتل أبيب في الشرق الأوسط. عن صحيفة الخليج الاماراتية 28/8/2008