نحو تجسير إيراني مع دول الخليج محمود الريماوي تقوم الدوحة بتحرك نشط تجاه طهران لترتيب لقاء خليجي - إيراني على مستوى رفيع، كما تدل على ذلك الأنباء التي رشحت عن الزيارة القصيرة التي أداها أمير دولة قطر لطهران الخميس الماضي. سبق للدوحة أن قدمت لفتة نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، باستضافة الرئيس نجاد الى قمة خليجية عقدت في العاصمة القطرية في وقت سابق من هذا العام. في واقع الأمر إن سائر مسؤولي دول الخليج العربي دأبوا على إرسال إشارات إيجابية نحو الجارة إيران، والتبادل الاقتصادي والتجاري يتم على نطاق واسع، وتتمتع العمالة الإيرانية بفرص كبيرة ومميزة في دول المنطقة. من اللافت أن الأنباء عن التوجه لترتيب لقاء خليجي إيراني تزامنت مع أنباء أخرى تحدثت عن قيام السلطات الإيرانية بخطوات في الجزر الإماراتيةالمحتلة، قوبلت بالنقد من طرف دولة الإمارات ومجلس التعاون الخليجي. طهران أدارت الظهر للانتقادات، انطلاقاً من سياسة دأبت عليها، مفادها أن “قوة الأمر الواقع أقوى من أية احتجاجات"، وهي سياسة لا علاقة لها بمبادىء التعاون وحسن الجوار، وحل المشكلات بالحوار والتفاوض والوسائل السلمية عموماً. ولعل هذا التطور كان في خلفية التحرك القطري وإن كانت الأنباء تحدثت عن أن الملف النووي الإيراني هو القضية التي تستأثر بالاهتمام. من المفيد بل من الأهمية بمكان عقد لقاءات خليجية إيرانية رفيعة المستوى، والأفضل أن يتم ذلك بصورة دورية وفي إطار جماعي: إطار مجلس التعاون، تمهيداً للانتقال الى مستوى عربي أعم. واقع الحال أن طهران معنية كما هو باد بعلاقتها مع العراق وسوريا ولبنان وحركتي الجهاد الإسلامي وحماس، بأكثر من علاقتها مع جاراتها دول الخليج وبقية الدول العربية. وهناك شؤون شتى بحاجة للتداول الدائم بشأنها، وثمة حاجة أكبر لتفاهمات سياسية لتجنيب المنطقة المخاطر، وإرساء علاقات تعاون قائمة على الاحترام المتبادل والتكافؤ، مع حق كل طرف بالتمسك بايديولوجيته (والمقصود هنا الجمهورية الإسلامية) وأية مطامح أخرى مشروعة. لطهران رؤاها الخاصة التي تصل أحياناً الى بناء خليج إسلامي موحد. علماً بأن إرساء أسس ومبادئ للتعاون الدائم هو المدخل لأية صيغ طموحة أخرى. وطهران لا تروقها اتفاقيات دفاعية أبرمتها دول خليجية مع أطراف غربية. علماً أن طهران لم تبد احتجاجاً على وجود أمريكي في أفغانستان والعراق، بل أبعد من ذلك اعتبرت الاجتياح العسكري الأمريكي لهذين البلدين في حينه، تطوراً مهماً مُرحباً به ويخدم المصالح الإيرانية. الملف النووي حكاية أخرى. فالجوار الجغرافي والمخاطر البيئية وغير البيئية على دول المنطقة المتاخمة تقريباً لمناطق إيرانية لم تحمل الجار الإسلامي على وضع دول المنطقة في صورة ما يحدث، وقد رفضت طهران حتى قيام أطراف خليجية بالتقريب بين العاصمة الإيرانية ودول غربية، للحد من مخاطر التحديات المتبادلة. علماً أن دول الخليج رفضت على الدوام الخيار العسكري ضد إيران وأي تصعيد ضدها، كما رفضت مبدأ استخدام أراضيها كمنطلق لأي حملة عسكرية مفترضة ضد جارتها المسلمة. بهذا تم إقصاء دول الخليج وهي الأكثر تماساً مع تداعيات هذا الملف عنه، وحيل بينها وبين دور الوساطة والتقريب. وفيما تعمد طهران الى جعل ملف الجزر الإماراتية الثلاث خارج أجندة العلاقات مع دول المنطقة وبعيداً عن التداول السياسي، وتتخذ من الإجراءات المجحفة في هذه الجزر، ما يتناسب مع خطاب إعلامي بالغ السلبية حول هذه القضية التي تجمع سائر دول العالم، لا العربية والإسلامية فحسب، على ضرورة حلها بالتفاوض والتحكيم الدولي، وهو الموقف الذي تعتمده دولة الإمارات. يورد المرء ذلك دون تجاهل النزعة الأمريكية العدوانية، ومحاباتها الهستيرية لتل أبيب والاحتلال “الإسرائيلي"، ومحاولتها إضعاف إيران وكل دولة أخرى في المنطقة، ومن الواجب الوقوف والتجند ضد هذه السياسة الحمقاء، لكن من واجب الجمهورية الإسلامية ألا تستعرض قوتها ضد جيرانها، وألا تعادي من هم في موقع الصداقة معها، وألا تعمد الى لعب دور “شرطي ثوري" مقابل دور الشرطي الامبريالي، فالأساس بناء علاقات صداقة وتعاون وعدم التدخل في شؤون الغير، والتفاهم حول القضايا والشؤون ذات المساس بالآخرين، وعدم الركون الى منظور يميز بين دول “كبيرة" وأخرى “صغيرة"، فهذا المنطق في أساسه توسعي، ولا يحترم في جوهره سيادة واستقلال الدول وخيارات شعوبها. تبدي طهران استعدادها للتفاوض وقد فعلت مع واشنطن ومع دول عربية عديدة. والأفضل هو التفاوض مع الجيران والشركاء، وإبداء ما يلزم من احترام إزاءهم. الاختلاف السياسي لا يسوغ التباعد بل على العكس يملي التقارب والتقريب، كي لا يرتدي أبعاداً سلبية ويمس مصالح الغير، ويخرج عن كونه خيارات ذاتية لهذا الفريق أو ذاك. عن صحيفة الخليج الاماراتية 25/8/2008