أوسيتيا الجنوبية .... حرب تحرير أم حرب مصالح د.عمر الحضرمي ليس من مقاصد هذه المقاربة، الحديث عن أسباب الصراع الدائر في القوقاز. ولن يذهب السياق إلى تبيان أسباب ما جرى وما يجري في اوسيتيا الجنوبية وابخازيا. ولكن المقصد الأساسي هو التنبيه إلى معاني هذه الواقعة وقراءتها في ضوء أهدافها. لقد دخلت المنطقة القوقازية في أزمة منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي. وكانت أطراف النزاع روسيا الوريثة الرئيسية للاتحاد السوفياتي والدول التي استقلت بعد انهيار الاتحاد. ففي بداية 1992 أعربت كل من أوسيتيا الجنوبية وابخازيا عن رغبتهما في الانفصال عن جورجيا، الأمر الذي رفضه الرئيس الجو رجي ميخائيل ساكاشفيلي وطلب من المنطقتين أن تحذوا حذو جمهورية ادجاريا التي تمتعت بحكم ذاتي في كنف تبليسي وذلك منذ عام 2004. رفضت المنطقتان ذلك، وانخرطتا في الأزمة القوقازية الواسعة التي شملت داغستان والشيشان وانغوشيا واوسيتيا الشمالية والجنوبية وابخازيا وناغورني- كراباخ. وهنا انفتح الباب واسعا أمام التدخلات الإقليمية والدولية، وبدأ صراع المصالح يخيم على القوقاز. لم يقف الأمر عند حد الخلاف السياسي، بل امتد إلى استخدام السلاح، حيث دفعت روسيا بقواتها إلى داخل الأراضي الجورجية وباتت تخيم على مشارف العاصمة تبليسي. وهنا ايضا بدأت معالم الصراع المصلحي بين الدول الكبرى . وأخذ العالم يتجه نحو إعادة النظر في الأحادية القطبية. وراحت روسيا تفكر جديا بضرورة العودة إلى المشاركة الفاعلة في قيادة العالم كما كان الاتحاد السوفياتي. دخلت روسيا الأزمة الاوسيتية لهدفين، أولهما إعادة التوازن للاستقواء الدولي. وثانيهما البدء بالرد على المنظومة الصاروخية التي بدأت الولاياتالمتحدة بنشرها في دول اوروبا الشرقية السابقة، وذلك ما اعتبرته روسيا تهديدا مباشرا لها، كان آخرها توقيع الاتفاقية الامريكية مع بولندا في مدينة الحلف الشيوعي المنهار حلف وارسو. الولاياتالمتحدة من جانبها لم تحرك ساكنا عسكريا. ولم تتخذ موقفا جديا حيال الدفاع عن حليفها ساكاشفيلي وأقصى ما قالته على لسان رئيسها بوش: إن الاستقواء والترهيب ليسا وسائل مقبولة في السياسة الخارجية. وان على روسيا أن تحافظ على كلمتها وتنهي الأزمة ، وأكدت الإدارة الأمريكية أن العلاقات مع روسيا لم تصل إلى درجة الخصومة ولكنها أصبحت معقدة الأمر الذي دفع بالرئيس الجورجي للقول منتقدا الموقف الأمريكي: إن التغني (الأمريكي) بالديمقراطية لا يفيد دولة تهرسها جنازير الدبابات . أما الاتحاد الاوروبي الذي هو على وشك أن يضم إلى جورجيا فقد رد على ما يجري في اوسيتيا باعتماد الدبلوماسية الناعمة الخجولة . إن درس اوسيتيا الجنوبية يجب أن يؤخذ بكل جدية، والاعتبار منه يقول إن الدول لاتهمها إلا مصالحها الذاتية. ونحن في المنطقة العربية يجب أن نفهم الذين تلاعبوا بنا لتنفيذ مصالحهم. فكيف بروسيا التي تدفع نحو حرق الشيشان لأنهم طلبوا الانفصال وتحرق جورجيا لأنها ترفض انفصال اوسيتيا؟ أين هي روسيا عندما كانت أمريكا تدك العراق وتهدد السودان وسوريا وكل العرب؟. عن صحيفة الرأي الاردنية 24/8/2008