باكستان...رحيل مشرف واستيطان الأزمات د.عبد الحميد مسلم المجالي يقول جورج تنيت في مذكراته عن السنوات التي قضاها في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ال سي آي إيه أنه بعد يومين من أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وجهت الولاياتالمتحدة تحذيراً إلى باكستان لوقف دعمها لحركة طالبان في أفغانستان التي تأوي منظمة القاعدة والتعاون التام مع الولاياتالمتحدة في حربها المقبلة في أفغانستان حيث لم يؤكد ولم ينفِ تنيت تهديد ريتشارد ارميتاج نائب وزير الخارجية الأمريكي لمدير الاستخبارات الباكستاني الجنرال محمود أحمد الذي كان وقتئذ موجوداً في واشنطن بقصف باكستان وإرجاعها إلى العصر الحجري. ويضيف تنيت أنه بعد ساعات من توجيه ارميتاج إنذاراته وعلى الرغم من بعض المعارضة الداخلية العنيفة قلبت باكستان موقفها رأساً على عقب وأنه ؟أي تنيت- يعتبر موقف برويز مشرف الجديد أهم تطور إستراتيجي في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وعلى مدار الشهور والسنوات التالية كان لباكستان الدور الرئيسي في القضاء على البنية التحتية لتنظيم القاعدة في أفغانستانوباكستان كما أن الفضل يعود للاستخبارات الباكستانية في إلقاء القبض على قيادات رئيسية في القاعدة من بينهمابن الشيخ الليبي أحد كبار مدربي القاعدة في أفغانستان وخالد شيخ محمد المخطط الميداني لهجمات الحادي عشر من سبتمبر ورمزي بن الشيبه أحد المخططين لتلك الهجمات وأبو زبيدة خبير العمليات في تنظيم القاعدة إضافة إلى قتل أو اعتقال المئات من التابعين لهذا التنظيم. ونظراً لتغلغل طالبان وتنظيم القاعدة في المدارس الدينية الباكستانية وبين القبائل المعزولة عن الحكومة في شمال وغرب باكستان فقد أدت حرب مشرف على الإرهاب إلى انعدام الأمن وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد وتدني شعبيته كما أدت ردود أفعاله على ذلك إلى انه أصبح بالتالي وكأنه في مواجهة مع الغالبية العظمى من الشعب. ولم تشفع لمشرف إعادة معارضيه الرئيسيين من الخارج وإجراء انتخابات ديمقراطية فاز بها هؤلاء المعارضون الذين سعوا منذ البداية إلى اقالته بالطرق الديمقراطية ومحاكمته. وفي اللحظة التي كان فيها مشرف محاصراً من أعدائه تم تحييد الجيش في حين دعت واشنطن رئيس الوزراء الباكستاني الجديد لزيارتها ويبدو أنه فهم خلال الزيارة أن الإدارة الأمريكية لن تتمسك ببقاء مشرف لقاء استمرار حكومة إسلام أباد في الحرب على القاعدة وطالبان بالطرق التي تحددها تلك الحكومة خاصة وأن حكومة أفغانستانوواشنطن بدأت في الشهور الأخيرة تصرّح أو تلمح إلى تهاون إسلام أباد في ضرب طالبان التي صعّدت من هجماتها على قوات التحالف في أفغانستان. وإزاء هذا الوضع المعقد في باكستان لم تستطع واشنطن الاستمرار في مراهنتها على مشرف رغم كل ما قام به فمصالحها تقتضي المراهنة على الوضع الجديد وهذا هو منطق العلاقات الدولية الذي يقوم على ضرورة الحفاظ على المصالح بغض النظر عن المبادئ والأيدولوجيا والعلاقات الشخصية والأخلاقية وحفظ الجميل. وحدنا نحن العرب الذين ندين واشنطن ونعيّرها بأنها تتخلى عن حلفائها وننطلق في ذلك من تفكير هو الأبعد عن البراغماتية وأقرب إلى مروءة الصحراء ومن فيها ونكون بذلك قد عبرنا لغيرنا عن أننا لم ندخل بعد العصر الذي يمكننا من فهم حقيقة العلاقات بين الدول ومدى طغيان المصالح على هذه العلاقات بعيداً عن الفهم العاطفي لها أو استحضار منطق الرجولة والوفاء والكرم. وعلى أية حال فإن رحيل مشرف الذي يعد أول رئيس لباكستان يستقيل من تلقاء نفسه ؟وهذا يسجل له-لن يجد هذا الرحيل حلولاً لمشكلات باكستان المستعصية والمستمرة منذ استقلالها وانفصالها عن الهند. فالجهل والأمية وانعدام الأمن وتدهور الوضع الاقتصادي والانقسام السياسي و ضعف سلطة الدولة على مناطق عديدة في البلاد مشكلات استوطنت باكستان وتجعل أي حاكم للبلاد فرداً أو حزباً أمام تحديات خطيرة تحتاج إلى ما هو أكثر من رحيل مشرف أو إرساله إلى المنافي. عن صحيفة الرأي الاردنية 21/8/2008