هل باتت طريق الشام بيروت.. سالكة؟ محمد خروب يصل الرئيس اللبناني ميشال سليمان، عاصمة الامويين اليوم، بعد ان نالت حكومة الوحدة الوطنية ثقة مجلس النواب، الذي كشفت كلمات النواب وسجالاتهم والجدل الصاخب، الذي ميز الايام الخمسة من تسجيل المواقف أو اعادة انتاجها أو اعتبارها لدى البعض بمثابة بيان انتخاب مبكر لانتخابات ربيع العام المقبل. أن أي وصف يمكن ان ينطبق عليها باستثناء الوحدة الوطنية التي يفترض ان تؤسس لخطاب مختلف سياسياً، وخصوصاً توافقياً ازاء العديد من الملفات والقضايا التي لم تحسم بعد، والمرشحة لأن تبقى خلافية ولكن في حدود المقبول، والقدرة على منع تفاقم الامور على نحو يحول دون جلوس الافرقاء حول طاولة الحوار الوطني، الذي سيرعاه رئيس الجمهورية في الاسابيع المقبلة، رغم الغموض المقصود الذي يلف موعد انعقاده والجهات المدعوة لحضوره (احزاباً وشخصيات وهيئات)، لأن العماد سليمان الذي علمته الاسابيع العشرة التي انقضت على انتخابه (25 ايار الماضي)، اكثر مما خبره طوال حياته العسكرية المديدة، والاختبارات الصعبة والقاسية التي تعرض لها (كقائد للجيش)، كان اخطرها احداث السابع من ايار الماضي في بيروت، لا يريد ان يحرق اوراقه في السنة الاولى من عهده أو أن يصبح طرفاً في صراع فريقي 8 و14 اذار، أو تنتهي به الحال الى الانعزال في قصر بعبدا في انتظار انتهاء ولايته.. زيارة العماد سليمان لدمشق، ربما تكون أهم زيارة لرئيس لبناني للعاصمة السورية منذ مقررات مؤتمر الطائف (1989)، لأن الملفات التي ستكون مدار البحث خطيرة وذات ابعاد وتداعيات وأكلاف، يصعب على دمشق (كما بيروت) ان تتعاملا معها وفق منطق الصفقات أو التسويات المرحلية أو على الطريقة العربية التقليدية (بوس اللحى)، وبالتأكيد ليس وفق تنظيرات فريق 14 اذار، الذي لا يكتفي بوضع سوريا واسرائيل في الكفة ذاتها، وانما ايضاً يذهب بعيداً في لغته الاستعلائية المتغطرسة والتذاكي على دمشق، الذي تكشف تصريحات قادة هذا الفريق انه لم يفق بعد من صدمة نتائج احداث السابع من ايار، وايضاً ما اصدره نوابه تحت قبة مجلس النواب من أوامر وتوجيهات لسوريا بما يجب عليها فعله لتصحيح مسار العلاقات السورية اللبنانية.. فريق الرابع عشر من اذار يشكك في جدية الوعد الذي اطلقه الرئيس بشار الاسد من باريس، باستعداد دمشق لاقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع لبنان بعد زيارة العماد ميشال سليمان.. واذ توفر هذا الفريق على معلومات بأن سوريا باتت ناضجة لمثل هذه الخطوة، التي لم تكن واردة في حساباتها منذ العام 1943 (في كل العهود) وليس فقط عندما تسلم حزب البعث السلطة قبل اربعة عقود ونصف، فإن هؤلاء راحوا يخترعون ذرائع وتبريرات تنتقص من اهمية هذه الخطوة وتقلل من شأنها، لأن دمشق (في رأيهم) تريد توظيف قرارها الشكلي (...) هذا للعودة الى لبنان والتدخل في شؤونه وتحويل سفارتها الجديدة الى عنجر أخرى، ولكن بحصانة دبلوماسية هذه المرة، وليس بسطوة الوجود العسكري الذي لم يعد قائماً منذ 26 نيسان ,2005. لا يعدم رموز هذا الفريق وسيلة للنيل من سياسات دمشق اللبنانية، وهم بذلك لا يترددون في تضخيم ملف المفقودين وضبط الحدود من التهريب.. وغيرها من الموضوعات التي لا يحتاج المرء لأكتشاف انها مفتعلة ولا تعدو كونها مناكفات تستهدف التملص من دفع الاستحقاقات المترتبة على تطبيع كامل العلاقات بين البلدين والتي لا يمكن لدمشق ان تدفعها وحدها ما دام الحديث يدور حول الندية والاحترام المتبادل وغيرها من الأوصاف التي لا يتذكرها هؤلاء الا في مواجهة دمشق، بينما يصرفون النظر عن ممارسات وتصريحات وتدخلات الكثير من سفراء الدول الغربية في الشؤون اللبنانية، دع عنك اسرائيل وارتكاباتها وعدوانها الذي لم يتوقف بل ان هؤلاء يمنحون القداسة للقرار 1701 وخصوصاً القرار 1559 ولا يقيمون وزناً للسيادة ولا القرار الوطني المستقل عندما تستبيح اسرائيل اجواء وبحر وبر لبنان ويصدر قائد القوات الدولية الساهرة على تطبيق القرار 1701 تعميماً لقواته بأن تحرص على حياة أي طيار اسرائيلي في حال سقوط طائرته وان تخلصه (ولو بالقوة) من آسريه، وتسلمه الى اسرائيل (...). العماد ميشال عون الذي لا يمكن لأحد ان يتهمه بصداقة قديمة مع سوريا او عشق طارئ وجديد لها، لا يمانع في فتح ملف المفقودين ولكن على جانبي الحدود لأن هناك من فقدوا داخل لبنان وحان الوقت لمعرفة مصيرهم حتى يرتاح اهاليهم. ضبط الحدود السورية اللبنانية هو الآخر مطلب حق، لكن تحريكه يتم بأصابع اجنبية، إذ لا مانع من تهريب المخدرات والبضائع والاموال ولكن الضبط المقصود هنا اميركياً واسرائيلياً وجعجعياً وما تبقى من 14 آذار، هو منع وصول الاسلحة لحزب الله. ثمة اسئلة يمكن طرحها هنا.. ماذا لو قامت دمشق وبقرار سيادي باغلاق حدودها مع لبنان لفترة طويلة كي تقطع دابر التهريب على انواعه؟ الن يخرج هؤلاء، للقول بأن دمشق تخنق لبنان ثم كيف وصل السلاح والذخيرة الاسرائيلية الى طرابلس في اشتباكات باب التبانة وجبل محسن الاخيرة، تم تصويرها وعرضها على الملأ؟. تبقى مسألة ترسيم الحدود.. ذريعة اخرى او قل ملف خلافي آخر، سوريا تعرض البدء بالترسيم من الشمال حيث لا احتلال ولا اختلاف كبير في الخرائط، فيما يصر فريق 14 آذار على ان تبدأ من مزارع شبعا والاسباب هنا واضحة وهي سحب الذريعة من حزب الله واستمراره في طرح تحرير المزارع مبرراً للاحتفاظ بسلاحه.. الحال ان هذه الزيارة ستكون تاريخية بحق، ان اسفرت عن نتائج جوهرية وملموسة، لكن هناك من يضع العصي في دولايب علاقة دمشقببيروت بانتظار حدوث مفاجأة ما في اصرار على انكار النتائج العاصفة التي فرضت نفسها على الارض، بعد انكسار المشروع الاميركي وهزيمة اسرائيل وخروج دمشق من عزلتها.. عن صحيفة الرأي الاردنية 13/8/2008