السادات قال لي : الصور حقيقية ومش مزيفة.. بتستأذني ليه في نشرها؟! إبراهيم سعده قرأت للزميل الأستاذ سليمان جودة في الزميلة 'الوفد' متمنيا:'لو أن السيد أنس الفقي وزير الإعلام واجه الشائعات التي تناولت صحة الرئيس مبارك بأن أرسل الكاميرات إلي استراحة 'برج العرب' لتصوير الرئيس وهو علي طبيعته بلا قيود.. يلعب مع حفيديه بتلقائية، ويتمدد علي الشاطيء في حرية، ويمارس رياضته المفضلة، ويعيش كما يعيش أي إنسان يقضي إجازته'. وأكرمني الصديق الأستاذ سليمان جودة في بداية مقاله فذكرنا كيف وافق الرئيس الراحل أنور السادات علي قيام أشهر مصوري الصحافة الفنان فاروق إبراهيم بمرافقته بعدسته منذ لحظة استيقاظه من النوم صباحا، وحتي عودته إلي سريره في المساء، وهي الصور التي تلقفتها 'أخبار اليوم' من كبير مصوريها ونشرتها في صدر صفحتها الأولي، واحتلت الصفحة الثالثة بالكامل. وأضاف الأستاذ سليمان جودة قائلا:'لم تكن الصور بالطبع للرئيس وهو يقرأ، أو يكتب، أو يطالع ملفات في مكتبه.. لكنها كانت تصوٌر الرئيس السادات وهو يعوم قرب الشاطيء، ثم وهو يحلق ذقنه، ويغسل وجهه، ويسوي شاربه، ومتكئا علي عصاه ويتمشي بالشورت والكاب.. إلي آخر مايمكن أن يبدو فيه الرئيس علي أنه واحد من البشر. وكان رئيس تحرير 'أخباراليوم' وقتذاك إبراهيم سعده يري، ومعه حق طبعا، أن نشر هذه الصور تقرٌب الرئيس من الناس، وتجعلهم يحسون بأنه واحد منهم،وأنه فوق كل ذلك، شأنه شأن أي بني آدم، من حقه أن يأخذ إجازة، وأن يسترخي فيها، وأن يخلع ملابسه الرسمية ويرتدي ملابس البحر، ويكون علي راحته تماما، بعيدا عن أي رسميات، أو بروتوكولات'. واختتم الأستاذ سليمان جودة مقاله قائلا: 'تمنيت لو أن الدولة كلها وليس الوزير الفقي وحده، فكرت في الأمر بهذا المنطق نفسه،دون غيره. فالرئيس مبارك كان في إجازة، وقت انطلاق الشائعة حوله.. هكذا قيل للناس.. ونحن نصدق ذلك.. ولكن نتساءل في الوقت نفسه عن مبرر إرهاق الرئيس وإزعاجه، وهو في إجازته، بذهابه إلي القرية الذكية، مرة، ثم تجواله في مصانع مدينة برج العرب مرة ثانية؟ لقد كان الشيء الطبيعي، في مواجهةالشائعة، هو الإعلان أولا عن بدء إجازة الرئيس مسبقا.. لا يذهب إليها سرا، ثم إذا تساءل الناس عن سر غيابه عن وسائل الإعلام، أو عن مكان وجوده قيل وقتها.. ووقتها فقط.. إنه في إجازة!'. .. وأمس، الجمعة، علق الزميل الأستاذ محمد علي إبراهيم رئيس تحرير صحيفة 'الجمهورية' علي ما كتبه الزميل سليمان جودة، فقدم وجهة نظر أخري تقول: (أثناء الشائعة البغيضة التي ترددت حول صحة الرئيس مبارك وكان لها تداعيات كثيرة علي المصريين المتعلقين برئيسهم وبحبهم له، اقترح بعض زملائنا أن يتم تصوير الرئيس مبارك مرتديا ملابس البحر وهو يقضي إجازته بالإسكندرية بحيث يبدو علي طبيعته متحررا من قيود المنصب. وكانت وجهة نظر الزملاء أن الرئيس بشر يعيش كما يعيش أي إنسان يقضي إجازته، ومن حق الناس أن يطمئنوا عليه ويشاهدوه بدون حراسة أو رسميات أو بروتوكولات. وجهة النظر هذه يستند أصحابها إلي أنه كلما بدا الرئيس 'علي راحته' أحس الناس أنه بخير). وأعرب الأستاذ محمد علي إبراهيم عن إيمانه بحسن نية من تقدموا بهذا الاقتراح، وأنهم يحملون تقديرا كبيرا للرئيس ويسعون إلي اقتراح أسلوب جديد في تصوير الرئيس يقطع الطريق أمام مروجي الشائعات، ثم أضاف الزميل رئيس تحرير'الجمهورية' موضحا وجهة نظره المختلفة قائلا:(الرئيس حسني مبارك ابن الريف المصري وخريج المدرسة العسكرية وقضي حياته المهنية كلها طيارا مقاتلا.. هذه التركيبة تعني شيئين هما:الالتزام والمحافظة. انضباط الرئيس مشهود له، وأيضا حياته الشخصية لا ينبغي أن تكون مشاعا لأنها ليست مجالا ليخوض فيها الناس والكاميرات والإعلام). وعن المقارنة بين الرئيسين السادات ومبارك قال الأستاذ محمد علي إبراهيم:(الرئيس مبارك لا يتبع أسلوب الرئيس الراحل أنور السادات، فكلنا نتذكر الصور التي نشرها له إبراهيم سعده في 'أخباراليوم' بعدسة فاروق إبراهيم وكانت أول صور من نوعها يراها الناس لرئيس جمهورية يحلق ذقنه، ويركب دراجة، ويستلقي علي الأرض، ويسبح.. لكن الذي لا يعرفه كثيرون أن إبراهيم سعده لم ينشر هذه الصور إلاٌ بعد استئذان السادات نفسه الذي وافق. ولم يكن رئيس تحرير 'أخباراليوم' وقتذاك يتجاسر وينشرها لو لم يوافق السادات علي نشرها. والمعني واضح: السادات هو الذي أراد نشر صوره علي هذا النحو، والنشر تم باختياره هو، لذلك عندما اعترضت السيدة جيهان السادات علي نشرها بهذا النحو لم يتأثر وقال لها'إنتم متعرفوش حاجة.. العالم كله يسير علي هذا النحو، والصحف والمجلات العالمية تنشر صورا غير رسمية للرؤساء الغربيين والشرقيين كثيرا). ويري الزميل رئيس تحرير 'الجمهورية' أن السادات (كان في مرحلة معينة من حكمه يهدف إلي التشبه بالرؤساء الغربيين، فقد كان يستعد لقرار مصيري وكان يهدف إلي إعطاء انطباع بأنه هاديء النفس وغير مكترث أو مهموم بشيء، ويمارس حياة طبيعية تماما وليس هناك ما يزعجه .. والأهم ليس هناك ما يخطط له! وهذا كان أسلوب السادات المفضل في إعطاء انطباع عكس ما يرمي إليه. الرئيس مبارك مختلف، كما قلت، وليس تكرارا لأحد، ولا يقتبس من الغرب أو الشرق تصرفاته.. ثم إن الأهم من هذا كله أن لكل رئيس أسلوبا في الحكم، ولكل فترة ظروفها وملابساتها. فالرئيس مبارك يهمه المواطن المصري في المقام الأول والأخير، وكل أحاديثه وتصريحاته واجتماعاته وسفرياته الخارجية وزياراته الداخلية تستهدف صالح المصريين أولا وأخيرا. وعلينا أن نتنبه إلي الهدف السياسي البعيد الذي يحرص عليه الرئيس أكثر من أي شيء آخر، وهو أن ما يستحق 'التصوير الفوتوغرافي، أو التليفزيوني' هي الإنجازات والمشروعات التي تحققت للمصريين.. وليس شخص الرئيس. وهذا هو ما قصده الرئيس وهو ينفي الشائعة، فاختار أن يزور مصانع جديدة وليست مصانع تقليدية.. مدينة برج العرب الجديدة أحد إنجازات عصر مبارك. هذا هو مبارك.. لم يكن ينفي الشائعة فقط بمجرد ظهوره في صورة والسلام، ولكنه ظهر وسط تجمع عمالي وواصل حرصه علي الحوار مع عاملات المصنع). لقد أعادني الزميلان الأستاذان: سليمان جودة في 'الوفد' ومحمد علي إبراهيم في 'الجمهورية' إلي ذكريات لا تنسي. وليسمحا لي أن أضيف إلي ما كتباه بعض التفاصيل التي صاحبت نشر صور الرئيس السادات غير التقليدية في 'أخبار اليوم' وحقق هذا العدد أوسع توزيع، وانتشار، في تاريخها. في صباح يوم جمعة يوم الانتهاء من العدد الذي سيصدر في اليوم التالي جاءني الفنان فاروق إبراهيم حاملا مظروفا كبيرا أخرج منه عشرات الصور غير المسبوقة والتي التقطها لرئيس الجمهورية، خلال الأسبوع الكامل الذي أمضاه في مقر إقامة الرئيس. وطرح فاروق إبراهيم الصور فوق مكتبي، وكل صورة كانت أروع من سابقتها. اجتمعنا مجلس التحرير لاختيار أكبر عدد من الصور لنشرها في اليوم التالي. وجلست مع الزميل والصديق فاروق إبراهيم، لأسمع منه تفاصيل ما يفعله الرئيس السادات علي مدار الساعة. وما سمعته ورأيته.. بلسان وعين كبير مصورينا، قمت بإعداده للنشر كاملا في الصفحة الثالثة. وتفضل أستاذنا الراحل مصطفي أمين بزيارتي في مكتبي المجاور لمكتبه، وسألني سؤاله التقليدي: ' هيه.. عندكم إيه لبكرة؟'. ولم أتكلم.. وإنما اكتفيت بمد يدي إليه حاملة مجموعة الصور غير المسبوقة. وبدا الاهتمام، والإعجاب الشديدان علي ملامح مصطفي بيه، وبادر بتهنئة فاروق إبراهيم علي براعته ونجاحه في التقاطها. ثم استمع إلي تصوراتنا لإخراج الصور وصفحاتها، كما اختار بنفسه صورة الصفحة الأولي. وفي طريقه لمغادرته المكتب، توقف فجأة وسألني: ' هل استأذنت السادات في النشر؟'، فأجبت قائلا: ' لا.. لم أسأله'. فرد مصطفي بيه قائلا: ' اتصل به الآن واستأذنه.. وإذا لم تستطع اليوم فيمكن تأجيل النشر للعدد القادم. لازم تسأل الرئيس، ولا تنشر إلاٌ بعد موافقته'. وتحمٌس فاروق إبراهيم لنصيحة مصطفي بيه، وكنت أتخوٌف من احتمال عدم استطاعتي الاتصال بالرئيس الراحل السادات، مما يضطرنا إلي تأجيل نشر الصور واحتمال تسريبها إلي صحف أو وكالات الأنباء العالمية، ويضيع علي 'أخبار اليوم' هذا 'السبق الصحفي' المتميز! ونبهني فاروق إبراهيم إلي أن السادات لا يعرف أننا سننشر الصور في 'أخباراليوم'، لأن موافقة السادات علي تسجيل 'يوم في حياة السادات' بالصورة والقلم لنشرها في كتاب يترجم في الوقت نفسه إلي عدة لغات أجنبية، وبالتالي يجب استئذان الرئيس في نشرها أولا في 'أخباراليوم'. بعد ما سمعته من زميلي فاروق إبراهيم.. تلاشي ترددي في الاتصال بالرئيس، واقتنعت بتأجيل نشر الموضوع غدا.. إذا فشلت في الحصول اليوم علي الموافقة. طلبت مكتب الرئيس السادات، وأبلغت رغبتي في مكالمته لأمر مهم. ولحسن حظي أن السادات كان علي وشك التحرك من منزله إلي المسجد لصلاة الجمعة، عندما أجبلغ بمكالمتي، طلب الاتصال بي.. بعد دقائق معدودة كنت أتصورها ساعات طويلة! قلت للسادات: (أمامي صور رائعة لسيادتك، التقطها فاروق إبراهيم..). فرد: ( إنت شفتها؟ عجبتك؟ ما هو فاروق ولد عفريت.. قعد يلح علشان عايز يعمل كتاب عن يوم في حياتي، ووافقت عشان يكسب منه قرشين حلوين). وشجعني ما سمعته من السادات علي أن أدخل في الموضوع مباشرة، قائلا: ( سيادة الرئيس.. لقد سمعت من فاروق إبراهيم أدق التفاصيل لشرح حكاية كل صورة، وقمت بالفعل بكتابتها.. و..). فقاطعني السادات قائلا: ( كويس.. ما أنا با أقول عليه ولد جن وعفريت ولحوح كمان ،وخلي الناس عندي يتوسطوا لأوافق علي الفكرة اللي طقت في دماغه.. ها ها ها). وتلاشت مخاوفي من رفض اقتراحي، وسارعت قائلا: ( استأذن سيادتك في نشر الصور والموضوع.. بعد موافقتكم أولا. فهل تسمح سيادتك بعرضها عليك بعد صلاة الجمعة؟). ففوجئت بالرئيس الراحل يسألني: (صور إيه؟). ووجمت للحظات.. فالرئيس سألني صور إيه؟ وسألت نفسي: أمال إحنا كنٌا بنتكلم عن إيه؟! ثم قلت للسادات: ( صور سيادتك إللي صوٌرها فاروق إبراهيم'. فسألني: (ومين في الصور؟ أنا ولا حد يشبهني؟!). فقلت بمنتهي الجدٌية: ( صور سيادتك طبعا). فعاد يسأل: (يعني إنت متأكد من إن الصور حقيقية ومش مزيفة؟ طيب بتستأذني ليه في نشرها؟!). وازداد ارتباكي لعدم معرفتي بما وراء هذه الأسئلة، وقلت مختارا كلماتي: ( أنا باقترح إن سيادتك تختار الصور الصالحة للنشر، لأنها كثيرة جدا وإحنا مش عارفين نختار إيه منها؟ وكمان .. أنا أطمع إن سيادتك تقرأ الموضوع إللٌي كتبته). ورد الرئيس الراحل: ( أنا مش حاشوف صور، ولا حا أقرأ موضوعك. أنت إللي كاتب، وأنت إللي تختار الصور. وكفاية بقي عشان أنا اتأخرت)! .. وقد كان. أما ما حدث بعد دوران ماكينة الطباعة بعدد أخباراليوم، وردود أفعال نشر هذه الصور النادرة.. فهذه قصة أو قصص أخري أتمني من الكاتب الكبير أنيس منصور أن يحكيها للقراء يوما ما.. خاصة تلك التي كان طرفا في بعضها. عن صحيفة أخبار اليوم المصرية 8/9/2007