المقاومة الفلسطينية وسياسة الردع في مواجهة الاحتلال * إياد القرا
ذهب الكيان الصهيوني إلى القاهرة يطلب التهدئة مع المقاومة الفلسطينية، وطالب الولاياتالمتحدة دعمها في طلبه عند القيادة المصرية ، ولم تتردد رايس وزيرة الخارجية الأمريكية إن تؤكد دعمها للتهدئة والجهود المصرية للتهدئة بعد أن تبدلت أجندة زيارتها للشرق الأوسط من ضاغط على حماس إلى طلب للحوار معها بطريقة غير مباشرة.
نعرف جيدا أن الكيان الصهيوني وخلفه الولاياتالمتحدة لم تذهب للقاهرة طلبا للتهدئة حبا بالسلام ولا حرصا على شعبنا الفلسطيني المحاصر، لكن ذلك جاء بعد الفشل الذريع الذي أصاب جيش الاحتلال في عمليته العسكرية شمال قطاع غزة قبل أيام، حيث واجه مقاومة شرسة أفقدته عدد من جنوده، ووفق للتقارير الصهيونية فان قيادة الجيش الصهيوني رفعت توصيات قاسية لا تقل عن نتائج لجنة تقرير "فينوغراد" الخاصة بحرب لبنان الثانية تبين حجم الكارثة التي يمر بها الجيش الصهيوني وتعاظم قدرة المقاومة، وامتلاكها وسائل وتطوير لأساليبها في مواجهة العدوان الاسرئيلي.
طلب الكيان الصهيوني للتهدئة جاء قبل ساعات من وقوع العملية الاستشهادية في قلب الكيان الصهيوني ويصيبها في مقتل، ليصاب الكيان الصهيوني بحالة من الصدمة جعلته يقف مشلولا أمام الأحداث بعد سلسلة الفشل سواء على مستوى مواجهة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى رأسها الفشل في وقف صواريخ القسام على المنطقة الجنوبية ، بل دفع كتائب الشهيد عز الدين القسام لتوسيع رقعة المواجهة، وفشل الاحتلال في منع وقوع عملية استشهادية في القدس بعد أن تفاخر قادة الأجهزة الأمنية للكيان الصهيوني أن عام 2007 سجل أدنى عدد من القتلى الصهاينة، إلا انه في اقل من ربع العام 2008 قتل ضعف العدد من الجنود الصهاينة.
كتب ايتان هابر- مدير مكتب رابين سابقا – في صحيفة يديعوت مقالا يسال فيه علي لسان الشارع الكيان الصهيوني أين اختفى "العقل اليهودي"؟ ماذا حصل لأبطال عنتيبى(عملية تحرير الرهان الصهيونية في اوغندا)؟ كيف لم يحصل بعد أن يدخل جنود سييرت متكال (وحدة القتال الخاصة)في أنابيب المجاري ليخرجوا من مرحاض إسماعيل هنية في منزله لتصفيته؟ كيف؟
حقا انه سؤال منطقي لكن لا يعلم ايتان هابر أن الذي تغير هو العقل الفلسطيني مقابل عقلية اليهودي الذي يعجز عن الوصول إلى قادة المقاومة وعلى رأسهم إسماعيل هنية وغيره ممن يهدده الكيان الصهيوني بالاغتيال، حيث المقاومة الفلسطينية تطورت إلى درجة عالية من التنظيم والإدارة والقدرة على القتال والتي اعترف به قادة الجيش الصهيوني الميدانيين بقولهم إننا لأول مرة نواجه جيشاً حقيقياً بكل معني الكلمة، يقاتلون بشراسة وبشكلٍ منظم، فعناصر المقاومة الفلسطينية هم جنود حقيقيون في ساحة القتال".
الذي تغير هو عقلية المقاومة الفلسطينية التي بدأت تدمج بين الاستراتيجي والتكتيك وأصبحت تمتلك أكثر من وسيلة تعتبر أداوت ناجحة لتحقيق أهدافها وفرض واقعها وهي العمليات الاستشهادية وإطلاق الصواريخ على المستوطنات الصهيونية المحيطة في قطاع غزة ومدن جنوب الكيان الصهيوني لتحقق ما يطلق عليه توازن الرعب كما اسماه الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي أو سياسة الردع في التعامل مع صواريخ القسام.
إن المقاومة الفلسطينية أصبحت تمتلك أساليب ردع جديدة بعد أن مثلت العمليات الاستشهادية عامل ردع أساسي في التعامل مع الكيان الصهيوني على مدار السنوات الماضية، عاش الكيان الصهيوني خلالها مرحلة من الرعب والخوف، واستطاعت أن ترتاح منه على مدار الأعوام الأربع الأخيرة بعد أن كان بإمكان المقاومة أن تنفذ عمليات استشهادية تفتك بما يزيد عن 20 الكيان الصهيوني في عملية استشهادية واحده، لكن عملية السور الواقي الذي نفذتها الكيان الصهيوني عام 2002 وإعادة احتلال المدن الفلسطينية إلى جانب بناء جدار الفصل العنصري حول المدن الفلسطينية تركت تأثير كبير على عمل المقاومة الفلسطينية.
ذهبت المقاومة الفلسطينية للقاهرة وهي تملك أوراق اللعبة بعد أن كان الكيان الصهيوني يذهب لأي تهدئة لفرض شروطه، لكن هذه المرة تذهب حماس إلى القاهرة لتفرض شروطها على الاحتلال الصهيوني، فهي تملك القدرة على إطلاق الصواريخ على جنوب الكيان الصهيوني وتمتلك القدرة على إبقاء مئات الآلاف من المستوطنين الصهاينة في الملاجئ لعدة أيام بفعل صواريخ المقاومة، والتي تعتبر نقطة ضعف حكومة الاحتلال التي فشلت في إيقافها بكافة الطرق، واستبعاد الاجتياح الكامل لقطاع غزة بعد شراسة المقاومين في مواجهة جنود الاحتلال، يضاف إلى ذلك أن المقاومة تذهب للتهدئة بعد عملية القدس والتي أعادت للأذهان الرعب الاستراتيجي للعمليات الاستشهادية وتحقق توزان الرعب، وتذهب الكيان الصهيوني إلى التهدئة وهي عاجزة عن القيام بأي شيء بعد أن جربت كل الوسائل العدوانية.
سياسة جديدة تتبعها المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الصهيوني ترتكز على مبدأ الردع، وان الأمر لم يعد كما كان سابقا، فحماس تضرب بصواريخها حدود أسدود وقد تتقدم في أي مواجهة قادمة إلى ما بعد أسدود، ولا يستبعد أن يطلق من الضفة الغربية، في حين حزب الله يضرب ويهدد حيفا وما بعد بعد حيفا وقد يطال تل أبيب وفق كافة التقديرات، إلا الرعب الحقيقي الذي لا يقل أهمية هو قوة حماس الصامتة القادرة في ضرب قلب القدس وتل أبيب وحيفا على غرار عملية القدس الاستشهادية والتي تمثل التهديد الاستراتيجي للمجتمع الصهيوني ويخشاه الكيان الصهيوني أكثر من غيره.
لذلك فالمقاومة الفلسطينية بحاجة لان تطور أساليبها وأدواتها الردعية للكيان الصهيونية كي تحمي أبناء شعبها في أي اعتداء صهيوني وتجعله يفكر مليون مرة قبل الإقدام على أي عمل عسكري، باعتبار انه سيجر رد لا يقل أهمية من المقاومة الفلسطينية اتجاه المجتمع الصهيوني الذي لا يحتمل أي مواجهة عسكرية، وأي خسائر بشرية.
** المستشار الإعلامي هيئة رئاسة المجلس التشريعي الفلسطينى