لم يتوقف الشعور ب"الاشمئزاز" من الشعب الفلسطيني على الفرحة والابتهاج وأجواء الابتهاج التي أبداها بعد عملية القدس الاستشهادية على الإدارة الأمريكية، فقد تبنى ذلك أحد الكتاب الذين يحسبون أنفسهم على الشعب الفلسطيني من فريق الكتاب المدافعين عن "قداسة أوسلو وبركاته".
فبعد قليل من وصف البيت الأبيض تعبير سكان قطاع غزة عن ابتهاجهم اثر العملية النوعية التي استهدفت المعهد المتطرف في الجزء الغربي من القدسالمحتلة الخميس، وذلك من خلال إطلاق النار في الهواء وتوزيع الحلوة في الشوارع، بأنه "يثير الاشمئزاز"، التقط المصور الذي امتهن الكتابة مؤخراً موفق مطر وهو من فريق الصحفيين والكتاب المدافعين عن مشروع أوسلو وأصحابه الذين يتخذون من المقاطعة في رام الله مقراً لهم، الإشارة وتباكى على "ضحايا" المعهد الديني المتطرف واصفاً القتلى بالمدنيين.
وبهذا يغمض كاتبنا الهمام عن حقيقة وطبيعة المعهد الذي وصفه الصحفي الإسرائيلي أفيشاي بن حاييم في تقرير له الجمعة في صحيفة "معاريف" أن منفّذ العملية في قلب القدس "قصد لب لباب الصهيونية الدينية، وما أقر به زيفولون آرليف، النائب اليميني المتدين للتلفاز العبري أن "هذه كارثة كبرى ضربت قلب الصهيونية الدينية".
وعلى خطى توني فراتو المتحدث باسم البيت الأبيض الذي قال :"إن المحزن للغاية رؤية الناس في شوارع غزة وغيرها من الأماكن وهم يعبرون عن ابتهاجهم بالهجوم"، انبرى موفق مطر الذي يقيم في غزة بعد أن قدم إليها بعد تأسيس السلطة ليستقر في غزة مستفيداً من بركات أوسلو ورواتبها؛ ليتبنى القضية ويسير على نفس الدرب مستهجناً على غزة المفجوعة والحزينة على 135 شهيداً ومئات الجرحى، الشعور بالفرح لمقتل عدد من غلاة المتطرفين كما أقرت بذلك كل وسائل الإعلام العبرية.
وبعد أن صمت على مشهد الدم الفلسطيني المسفوك تحركت مشاعر الكاتب مطر بعد أن أريق دم الإسرائيليين (حاله حال أمريكا في مجلس الأمن) فقال في مقالته التي نشرت اليوم السبت (8/3) في جريدة الحياة الجديدة التي تصدر من رام الله :"نعتقد أن لسان حال كل إنسان عاقل ينتمي لعائلة الضمير يقول في هذه اللحظة كفى هدرا لأرواح البشر، وكفى سفكا لدماء أبناء آدم".
وأضاف :" فالمؤمن بحقوق الإنسان يدرك مباشرة بان المستهدف الحقيقي في دوائر القتل والقتل المضاد، والعنف الانتقامي ليس أعدادا من الفلسطينيين والإسرائيليين العسكريين أو المسلحين، والأبرياء من المدنيين من الجانبين، وأطفالنا وأطفالهم، والأمهات الفلسطينيات و الإسرائيليات وحسب، بل نكاد نجزم بأن المقصود هو طحن بذرة الإنسانية الكامن في نواتها السلام، والوئام والمحبة".
واعتبر أن تعبير الفلسطينيين عن فرحتهم بمقتل الإسرائيليين وشماتتهم في ما أسماءها "بدماء الإسرائيليين المدنيين المسفوكة" تعبير "يتناقض تماما مع قيمنا الروحية وثقافتنا الإنسانية، وتنسف خصال وسمات شخصيتنا العربية الأصيلة".
ولا ندري إن كان ذلك جهلاً أن تجاهلاً من الكاتب الهمام بحقيقة سمات الشخصية العربية الأبية التي تأبى السكوت على الضيم وترد عليه مهما كان الثمن، فالشخص العربي إذا تعرض للصفع على خده الأيمن لا يدير خده الأيسر كما يبدو من منطق مطر، إنما يرد وينتصر لكرامته.
وبمنطق أعوج يذهب المصور مطر إلى استهجان الفرحة إلى القول :" فليس معقولا ولا مقبولا أن نفرح .. لأننا لو سمحنا بطغيان هذا المفهوم على أنماط تفكير الفرد وسلوكه، فإننا سنفتقد في ساعة الصفر في اليوم المنشود المناضلين المقاتلين المجاهدين من أجل الحق والقضية الفلسطينية، لأننا بذلك نكون قد حولنا القتل والعنف وسفك الدماء إلى هدف".
وأضاف :"كان علينا الانتصار لأرواح أطفالنا عبر إدارة حكيمة للصراع، فنوظف لحظات التعاطف العالمي معنا لصالح قضيتنا العادلة، لا أن نبادر لتأييد العنف والقتل ضد المدنيين، فنحن شعب صاحب قضية عادلة، يجب ألا نسمح بدفعنا إلى ردات فعل يكون المدنيين ضحاياها، لأننا حتى لو كسبنا بعضا من التصفيق وإطلاق النار فرحا على المستوى الحزبي المحلي، إلا أننا نخسر تعاطفا وتأييدا عالميا ضروريا لنا، فمن يعتبر قصف المدنيين وقتلهم جريمة حرب، وانتهاك ضد الحقوق الإنسانية، لا يعقل أن يبرر لنفسه فعل الشيء نفسه حتى وان اختلفت الوسائل والأدوات". وبذلك يكون كاتبناً ملكياً أكثر من الملك إذ أن الاحتلال وقادته وإعلاميوه اعترفوا أن المعهد يخرج غلاة المتطرفين الصهاينة الذين ينادون بالإبادة الشاملة لكل ما هو فلسطيني وعربي.
ويرى الكاتب أن إقدام الاحتلال على عمليات القتل بحق الشعب الفلسطيني "لا تعني بالنسبة لنا تسعير أفران العنف، وإباحة القتل العشوائي، ورفع منسوب ومستوى الدماء الإنسانية المسفوكة".
وبمنطق بدا غريباً وغير مفهوم رأى أن الرد على أي تصعيد إسرائيلي ينبغي أن يكون بالالتقاء على "على برنامج وطني يحدد السلام كخيار استراتيجي واضح الأهداف والآليات، برنامج يوسع ميادين تحركاتنا السياسية ويعزز جدواها، وقطع الطريق على الذين يرون في قضيتنا ورقة وسلاحا، وأرضنا ميدانا وحلبة للصراع لتحقيق أهدافهم الإقليمية "، نعم هذا هو ما يريده الاستنعاج وأن تهيء نفسك للذبح عاش السلام خياراً استراتيجياً.
ويطلق العنان لتفجيره ليصل إلى قناعة بأن الجهة المنفذة للعملية حريصة على استمرار دوامة العنف وسفك الدماء، ومعنية بتطوير ورفع الخط البياني للموت والدمار في بلدنا إلى أعلى المستويات !!
رحماك ربي بعقولنا ... وصدقت أيها المبدع الكبير زكريا محمد في وصف حال اثنين ممن يسيران على نفس نهج مطر (غير الموفق) من مجموعة الكتاب الذين انسلخوا من جذورهم وحضارتهم ومعاناة شعبهم ليتماثلوا مع جلاديهم فهاجموا المقاومة ويبرروا جرائم الاحتلال بأن" هؤلاء يعتقدون ان راتب يجب أن يحدد موقفك في الحياة".