هل يجتاح الاكراد.. كركوك؟ محمد خرّوب أثار تحريك رئاسة اقليم كردستان العراق لواءين من البشمركة، يتوليان حماية مدينتي اربيل (عاصمة الاقليم ومعقل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة سعود برزاني) والسليمانية (معقل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة رئيس الجمهورية الحالي جلال طالباني)، باتجاه مدينة كركوك.. مخاوف اطراف عديدة بشأن اهداف هذه الخطوة/ الرسالة التي جاءت مباشرة بعد تهديد رئيس الاقليم مسعود برزاني بضم المدينة الى اقليم كردستان، في حال فشل المحاولات الجارية الان داخل البرلمان العراقي للخروج بتسوية توافقية مقبولة على الكتل الحزبية والسياسية ذات الوزن والدور في المشهد العراقي الراهن. وإذ تهديدات برزاني بضم المدينة لم تقترن بالحسم العسكري كخيار، بل ان الرجل وضع المسألة بين يدي برلمان اقليم كردستان الذي يسيطر عليه هو وشريكه الاتحاد الوطني، فإن مجرد تحريك لواءي البشمركة، يطرح بعداً جديداً على الجدل والسجالات المحتدمة الان على نحو يمكن لأي خطوة متسرعة او غير محسوبة بدقة، أن تُخرج الامور عن نطاق السيطرة وتدخل البلاد في صراع جديد يأخذ طابعاً سياسياً قومياً هذه المرة (عربي كردي) بعد ان استقرت الحال منذ سقوط بغداد واحتلال العراق وخصوصاً بعد تفجير ضريحي الامامين العسكريين في سامراء قبل سنتين ونيّف، عند تخوم الصراع السياسي الطائفي. المتابع للخطوات التي يتخذها قادة اقليم كردستان في السنوات الخمس الاخيرة (دع عنك السنوات العشر التي سبقت الاحتلال الاميركي للعراق في عهد النظام السابق ووجود منطقة الحظر الجوي وتمتع الاكراد بوضع مريح، اكثر من الحكم الذاتي واقل من الاستقلال)، يلحظ بوضوح انهم يعرفون ما يريدون وانهم يبذلون جهداً كبيراً في تكريس الأمر الواقع خطوة خطوة مع سعي حثيث لتجميع كل الاوراق المتاحة لاستخدامها لاحقاً في المواجهات التي يرونها حتمية سواء كانت قريبة أم بعيدة لاسباب لها علاقة بلعبة الأمم الدائرة الان في المنطقة بأسرها، ومستقبل العراق جزء لا يتجزأ منها بل هو الساحة الاساسية (وان كانت ليست الوحيدة) التي سيتقرر مستقبل العديد من الملفات والقضايا والمعادلات والتحالفات والاصطفافات الاقليمية والدولية على حد سواء، وفي مقدمتها مكانة الولاياتالمتحدة، نفوذها وقدرتها على الاستمرار في عسكرة العلاقات الدولية عبر نظرية الحروب الاستباقية والحرب المزعومة على الارهاب والاسلام الفاشي كما قال جورج بوش، أم أنها ستدرك ان للقوة حدودها ومحدوديتها وان عليها أن تستعيد دورها الاخلاقي والسياسي بما هي القوة العظمى الوحيدة التي يتوجب عليها ان تنحاز بلا تردد للقانون الدولي واحترام الشرعية الدولية، وشرعة حقوق الانسان واتفاقية جنيف الرابعة. ليس من المغامرة القول أن الاكراد لن يرتكبوا الخطأ القاتل، ولن يقعوا في اغراء القوة والفراغ السياسي والارتباك وانعدام الافق وهامش المناورة أمام نوري المالكي في شأن الاتفاقية الامنية التي يجري الحديث عن توقيعها قبل نهاية العام الجاري، بل قبل انتخابات الرئاسة الاميركية اوائل تشرين الثاني المقبل، كي تمنح رياحاً جديدة باتت تحتاجها حملة المرشح الجمهوري جون ماكين المتعثرة. لن يكون خيار الكرد عسكرياً حتى لو لم يتوصل البرلمان العراقي الى اتفاق حول قانون انتخابات مجالس المحافظات (وتحديداً المادة 24 منه) وحتى لو تعذر ضمان موافقة التركمان على اقتراح ممثل الأممالمتحدة في العراق ستيفان دي ميتسورا، بتأجيل الانتخابات في كركوك حتى نهاية العام المقبل (2009) فيما تجري الانتخابات في المحافظات ال(17) وفق الجداول المحددة سابقا. مجرد موافقة الاكراد على تأجيل الانتخابات في كركوك يعكس مرونة وبراغماتية لم يكونوا عليها قبل عام واحد فقط عندما كانوا يقولون انهم لن يسمحوا تحت أي ظرف بعدم تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي التي تنص على اجراء استفتاء شعبي لتقرير مصير المدينة ان لجهة تصويت سكانها لصالح الانضمام الى اقليم كردستان ام بقاء الوضع على ما هو عليه الان. يمكن للمرء ان يقرأ في ذلك تنازلا من الكرد، كما يمكنه ان يرى فيه واقعية سياسية لا تُسقط من الاعتبار التغييرات والمستجدات التي طرأت على المشهد العراقي في السنتين بل في الثمانية عشر شهرا الاخيرة ليس فقط في تصدع الائتلاف الشيعي وحدوث الطلاق بين المالكي والحكيم من جهة وكل من التيار الصدري وحزب الفضيلة الشيعي من جهة اخرى وانما ايضا في التحول النسبي (ولكن الغني بالدلالات) الذي طرأ على الموقف الاميركي، او ما يمكن تسميته بمراجعة واشنطن لمعادلة تحالفاتها السابقة وبروز السّنة في مقدمة الاهتمام الاميركي اضافة الى تراجع حدة التوتر بين واشنطن وكل من طهران ودمشق ناهيك عن عودة الحرارة للعلاقات التركية الاميركية وهذا هو الأهم في نظر اربيل (عاصمة اقليم كردستان). في ضوء ما سبق أليس لافتاً هنا، النقد أو الغمز أو التهديدات التي انطوت عليه تصريحات مسعود برزاني لواشنطن عندما تعهد بافشال أي مخططات خارجية حول كركوك مستطرداً، إن الولاياتالمتحدة تريد ان تلعب دور الوسيط بين الفرقاء العراقيين بشأن أزمة انتخابات مجالس المحافظات لكنه وفي رفض علني للرغبة الاميركية، قال في ما يشبه الصد هذه مشكلة عراقية غير مطلوب من اميركا ان يكون لها موقف خصوصاً في الوقت الحالي . يبقى السؤال اخيراً. هل اقتربت المواجهة الكردية الاميركية وهل يحس الاكراد انهم أمام خذلان اميركي جديد لهم؟ أم اننا أمام مصيدة يتحاشى الجميع الوقوع فيها لكنهم يصرّون على البقاء قريباً منها بانتظار سقوط أحدهم فيها؟. عن صحيفة الرأي الاردنية 7/8/2008