16 عاماً على انهيار الاتحاد السوفييتي د. جانا بوريسوفنا في نهايات القرن الماضي سقطت من خارطة المجتمع الدولي إحدى أهم القوى الدولية التي لعبت دوراً سياسياً مؤثراً في تشكيل موازين القوى الدولية على مدار أكثر من 70 عاماً، والتي جمعت 15 جمهورية في إطار الاتحاد السوفييتي، وقادت نصف القارة الأوروبية نحو بناء نظام يختلف عن النظام العالمي السائد منذ بداية القرن العشرين.
ولعل المنهجية السياسية والاقتصادية التي أدار وفقها النظام السوفييتي شؤون البلاد، كانت أبرز محاور الصراع الدولي. ومنذ 16 عاماً اختفت من الوجود دولة كانت تعرف باسم الاتحاد السوفييتي، وذلك بعد أن وقع رؤساء ثلاث جمهوريات سوفييتية رئيسية روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا اتفاقية «بيلوفيجسكايا بوشا» في ديسمبر 1991. وتم في في نفس الشهر إعلان قيام كيان جديد في مكان الاتحاد السوفييتي عرف باسم «رابطة الدول المستقلة».
وقبل وفاته اعتبر الرئيس الروسي السابق وقائد الانقلاب على الاتحاد السوفييتي بوريس يلتسين أن التدهور الاقتصادي تسبب في تفجر أزمة سياسية، واندلاع نزاعات دموية داخل الاتحاد السوفييتي. . ما أسفر عن أزمة ثقة بين قيادات الجمهوريات السوفييتية وموسكو. وأدى هذا الوضع المتوتر لإعداد معاهدة اتحادية جديدة تمنح جمهوريات الاتحاد السوفييتي صلاحيات واسعة.
وقبل توقيع هذه المعاهدة الجديدة، وقعت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها أعوان رئيس الاتحاد السوفييتي (ميخائيل غورباتشوف) لتقضى على آفاق الاتفاق الاتحادي الجديد قبل توقيعه وإنشاء اتحاد جديد.
وبدأت منذ تلك الفترة تحدث سلسلة تغييرات جذرية في الأنظمة السياسية والاقتصادية للجمهوريات السوفييتية السابقة، خاصة بعد أن رفعت موسكو شعار الإصلاح والانتقال بالاقتصاد الروسي إلى علاقات السوق الحر. وبالرغم أن التوجه الذي التزمت به حكومة يلتسين تبلور كسياسة رسمية لروسيا استنادا لموقف الأغلبية.
إلا انه كانت بمثابة كارثة اقتصادية ليس فقط على روسيا وإنما أيضاً على الجمهوريات السوفييتية السابقة التي كانت تعتمد بشكل كبير على الاقتصاد الروسي، وإذا كانت أسباب انهيار الاقتصاد الروسي آنذاك تتمثل في سياسة التهب والفساد التي سيطرت على نظام يلتسين، فإن هذه الأزمة تفجرت في الجمهوريات الأخرى بسبب انهيار الجانب الصناعي الإنتاجي في اقتصاداتها والذي كان يعتمد بشكل كامل على روسيا.
وجاء تشكيل رابطة الدول المستقلة كمحاولة لإنقاذ الوضع، باعتبار أن انفصال الجمهوريات السوفييتية بحد ذاته ودون الأخذ بعين الاعتبار آية أزمات اقتصادية أخرى قد تسبب في تعطيل 40% من القاعدة الصناعية السوفييتية، التي شيدت على أساس شبكة العلاقات السوفييتية المتشعبة.
إلا أن الإطار الجديد فشل على مدار أكثر من 15 عاماً في تقليل حجم الخسائر من خلال إعادة صلات التعاون على أرضية المنفعة المتبادلة. حيث أسفر تشظي الاتحاد السوفييتي وانهيار اقتصادات جمهورياته إلى خضوعها لمراكز قوى عالمية مختلفة، ما فجر بينها خلافات سياسية حادة. وتجاهلت حكومات هذه الدول حقيقة أهمية التعاون فيما بينها للنهوض بمصالحها الاقتصادية، ويعود ذلك لارتباطاتها الدولية والتي كانت تأمل هذه الدول ان تستفيد منها في إصلاح أوضاعها الاقتصادية، ولم يتحقق الحلم!!
وسعت روسيا لابتكار أشكال واطر تعاون متعددة في محاولة لفرز الأطراف المدركة لأهمية هذا التعاون، ما أدى لتأسيس دول المجال الاقتصادي الموحدة والذي ضم أوكرانيا وبيلاروسيا وروسيا وكازاخستان، وانهار هذا المجال الموحد بعد سيطرة البرتقاليين المواليين للغرب في أوكرانيا على مقاليد السلطة.
وركز الكرملين اهتمامه على المجموعة الاقتصادية الأوراسية التي تضم (روسيا وبيلوروسيا وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزيا وأوزبكستان) لتطويرها باتجاه أن تصبح أطاراً بديلاً لرابطة الدول المستقلة، التي فشلت في إقامة مجال اقتصادي يضم الجمهوريات السوفييتية السابقة، وفى بناء علاقات تعاون اقتصادي بين هذه الدول، بل بدأت تعاني من أزمات ستؤدي إلى تفككها وانهيارها. إلا أن هذا الإطار لم يتمكن من تحقيق تفاهم حول عدد من الملفات، أبرزها ملف الطاقة وأسعار توريد الغاز الروسي، والآليات النقدية، ما تسبب في ركود نشاط هذا الإطار.
ومنذ عام 2005 بدأت موسكو تركز جهودها على النهوض بمنظمة شنغهاي بالتعاون مع الصين كتحالف سياسي واقتصادي في منطقة وسط آسيا، قادر على استقطاب دول أساسية في المنطقة مثل الهند وإيران وباكستان. وبالرغم من أن منظمة شنغهاي تمتلك كافة المقومات اللازمة لكي تتحول إلى تحالف أمني وسياسي واقتصادي، إلا أن لقاءات قيادات الدول الأعضاء الأخيرة كشفت عن أن هذا التجمع لم يرتق بعد لمستوى التحالف وانه مازال حلقة حوار وبحث تناقش إمكانية تحقيق هذا الهدف.
لقد نفذت الدول الأعضاء في المنظمة مناورات عسكرية ناجحة، شاركت فيها قوات أغلب الدول الأعضاء، وتم الاتفاق على تشكيل مركز عسكري في إطار مساعي المنظمة لمواجهة الإرهاب في المنطقة، وستعتمد القوة العسكرية للمركز التابع للمنظمة خلال السنوات الخمس الأولى وفق اتفاق أعضاء المنظمة على القوات الصينية والروسية والهندية، إذا انضمت الهند للمنظمة. إلا أن هذا لم يخرج عن إطار الاتفاق.
ومازال هذا التجمع يواجه تحديات وتباينات في المواقف بين المشاركين يمكن أن تؤثر سلباً على وجود المنظمة. ويشير البروفيسور سيرغي لوزيانين إلى إن الصين حاولت أن تجعل منظمة شنغهاي أداة للوصول إلى نفط وغاز آسيا الوسطى، ولكن البلدان المشاركة رفضت اقتراح بكين لإقامة منطقة تجارة حرة، لتجنب مخاطر الضم الاقتصادي. ومازالت مشكلة استغلال الموارد المائية تواجه خلافات.
حيث تخشى أوزبكستان أن تحرمها إقامة سدود على أنهار قرغيزيا من الموارد المائية. ويبقى الملف الذي يتم تضخيمه في الصحافة الغربية حول كون هذه المنظمة حلفاً امنياً، فمازالت أغلبية الدول الأعضاء ترفض التحول لحلف عسكري، وتتعامل بحذر مع انضمام إيران للمنظمة، باعتبار أنها لا تسعى لمواجهة الولاياتالمتحدة والدخول في صدام معها من خلال خلاف إيران معها.
حيث يتمحور الخلاف بين واشنطن ودول آسيا الوسطى حول تواجد القوات الأميركية في الإقليم. وكانت أوزبكستان قد تمكنت من إجلاء القوات الأميركية عن أراضيها، ومازالت قرغيزيا تخوض مفاوضات مع واشنطن حول قاعدة ماناس. ما يعني أن توسيع هوة الخلاف مع الولاياتالمتحدة بضم إيران سيؤدي لتعقيد الأمور. وهو ما تحاول الدول الأعضاء في المنظمة تجنبه.
هذه الوضع يكشف الخريطة التي بدأت تتبلور ملامحها عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، بعيدا عن المبالغات التي تتحدث عن أن منظمة شنغهاي ستكون ثقلا موازيا لحلف الناتو، وما قيل سابقا عن ان رابطة الدول المستقلة هي الإطار الجديد والبديل لمجلس التعاضد الاقتصادي للدول الاشتراكية، بل اعتبره البعض التحالف المناظر للاتحاد الأوروبي، فمازالت روسيا تحاول حماية مصالحها وأمنها القومي بشكل منفرد وتعتمد على تحالفات تكتيكية، قد تتطور لتصبح استراتيجية. عن صحيفة البيان الاماراتية 1/9/2007