نم قرير العين في جنة الخلد كم كنت أتردد ، وترتعش أناملي وأنا أحاول الكتابة هذه المرة ، لأنها ليست ككل مرة ، نعم فهذه المرة أكتب عن رحيل إنسان أحبه ، فمن قبل كتبت عن إنسان أحترمه رغم أنني أبدا لم أكرهه لكن لأنه سنة الكون ، فقد حسمت أمري وقررت أن أكتب ، رغم أي شيء ورغم أن الكتابة هذه المرة ستتميز بالكآبة حيث أنها عن هادم اللذات ومفرق الجماعات ، لكنني رغم ذلك أصررت على الكتابة وليكن ما يكون .
وهناك سبب آخر كان سيمنعني من الكتابة لفقيدنا ، فقد يسأل البعض هل ستقتصر كتاباتي على من رحلوا عن دنيانا وأتحول بذلك إلى كاتب "حانوتي" بحيث يتمنى من حولي أن لا أقترب من ذكرهم ، بل قد يتهمني البعض بأنني أحاول استدرار الدموع من العيون بهدف الشهرة على أكفان العباد ، لكن يعلم الله أنها لا هذه ولا تلك ، فكل ما في الأمر أنني أسجل شهادة حق في إنسان عزيز على قلب كل من خالطوه . وإذا سلمنا بأن الموت ابتلاء من عند الله يوجب الصبر عليه .. ولم لا وقد وصفه جل في علاه بأنه مصيبة ، لكن مما لا شك فيه أيضا أن إصابتنا في أعزاءنا تجربة قاسية يصعب تجاوزها ، ويبقى المحك الأساسي في قدر الإيمان الذي يشعه المولى جل وعلى في قلوب المكلومين للرضا بقسمته . تداعت على رأسي كل هذه الأفكار حين مررت بتجربة فقد صديق عزيز من أسرة المجموعة المتحدة هو الأستاذ محمد حلمي الذي يشغل مكانة ، لا مكانا ، في قلب كل من حوله ، والذي صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها الخميس 14 من فبراير 2008 على إثر حادث مؤلم وقع له أثناء توجهه لمقر عمله . ووجدت نفسي أحاول التمسك بأذيال الصبر على فقيدنا الغالي الذي آلمنا فراقه أيما ألم وجاهدت مشاعري لأكبتها وأمنعها من الكتابة لكن هيهات كنت أفعل ، فقد أبى القلم إلا أن يكتب ، و أبى اللسان إلا أن يتكلم ، كما أبت الدموع من قبلهما إلا أن تنهمر . ففقيدنا تغمده الله في واسع جناته من ذلك النوع الذي كان يجعلك توقن حين تنظر إليه أن الدنيا ما زال فيها خير ، فقد منحه الله بسطة في الطول وبساطة في الطبع ، ولا يملك كل من يخالطه إلا أن يشعر بالارتياح والبهجة ، فسنه ضاحك ووجهه بشوش ، إضافة إلى الخلق الكريم الذي لا بد أن يذكر به ، فيدفعك للإحساس بأنه من أهل بيتك .
وكنا قد اجتمعنا في يوم ممطر قريب داخل سيارتي المتواضعة وكان معنا الزميل المخلص ذو الحظ العثر محمود سرور وقد سمحت لنفسي أن أطلق عليه هذا الوصف لأنه دائما مصاب فيمن يحب ، حيث سبق فقيدنا إلى جنة النعيم أستاذنا الفاضل شريف أبو السعود الذي كان يعتبره في منزلة الوالد ، كما يعتبر حلمي رحمه الله في منزلة الأخ يومها كان فقيدنا يضحك وكأنه يودع الضحك ، وكنا نشعل الملعونة السيجارة كأنه يودع التدخين ، وأخذت أردد حينها اللهم اجعله خير ، ولم أكن أدري ما تخبأه الأقدار لصاحبي العزيز .
كل هذه الخواطر وغيرها أخذت تتزاحم على رأسي المتصدع حتى كادت تنسيني ما يجب أن أذكره ، ألا وهو الدعاء ، وبسرعة أحمد الله عليها عدت إلى صوابي وأخذت أبتهل إلى المولى في علاه بالدعاء التالي عسى أن ينفعه به ربنا ، أليس هو السميع القريب المجيب الدعاء :
* اللهم إنك تقدر ولا نقدر ، فارحم يا من يقدر من لا يقدر ، ولا تردنا بدعائنا خائبين ولا قانطين * اللهم يا مفرج الكرب والحزن امنحنا وأهله صبرا يقذف في قلوبنا طمأنينة لحين لقياه في الملأ الأعلى * اللهم إنا نستودعك فقيدنا فأكرم مثواه وتجاوز عن خطاياه وأسكنه منازل الصديقين والشهداء * اللهم اجعل آلامه في ميزان حسناته وانفعه بشهادة من حوله ، وهب له رحمة لا تنبغي إلا منك * اللهم اجعل ساعة دعائنا له ساعة رضا وإجابة منك واجعل قبره روضة من رياض الجنة * اللهم شفعنا فيه ، وانفعه بشفاعة القرآن وشفاعة نبي الإسلام ، ولا تخيب رجائنا يا ولي المؤمنين * اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنه وثبت قلبه على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله * اللهم يا ذا الجود والإكرام لقه كتابه بيمينه ولا تلقه بشماله واصرف عنه العذاب إلى يوم الدين * اللهم وألحقه بمن يحب وألحق من يحبه به واجعل خير أيامه يوم العرض عليك يا رب العالمين اللهم اجعل قسمة فقيدنا فيمن قلت فيهم "وجوه يومئذ ناعمة * لسعيها راضية * في جنة عالية" * وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمين خير الكلام