«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التهويد الثقافي والإعلامي لمدينة القدس وتراثها / د. خالد عزب
نشر في محيط يوم 31 - 12 - 2009

التهويد الثقافي والإعلامي لمدينة القدس وتراثها


* د.خالد عزب

التهويد هو عملية نزع الطابع الإسلامي والمسيحي عن القدس وفرض الطابع الذي يسمي "يهودياً" عليها. وتهويد القدس جزء من عملية تهويد فلسطين ككل. ابتداء من تغيير اسمها إلي "إرتس يسرائيل". مروراً بتزييف تاريخها. وانتهاء بهدم القري العربية وإقامة المستوطنات ودعوة اليهود للاستيطان في فلسطين!

وقد بدأت عملية التهويد منذ عام 1948م . وزادت حدتها واتسع نطاقها منذ يونيو 1967م. وقد ارتكزت السياسة الإسرائيلية علي محاولة تغيير طابع المدينة السكاني والمعماري بشكل بنيوي فاستولت السلطات الإسرائيلية علي معظم الأبنية الكبيرة في المدينة واتبعت أسلوب نسف المنشآت وإزالتها لتحل محلها أخري يهودية. كما قامت بالاستيلاء علي الأراضي التي يمتلكها عرب وطردهم وتوطين صهاينة بدلاً منهم.

يعد التهويد الثقافي والإعلامي أحد المحاور الهامة في مخططات تهويد القدس. ويمس هذا التهويد تراث المدينة بدرجة كبيرة ذلك لأنه التعبير الحي عن هويتها. لذا بات التراث هاجسًا يمس بصورة يومية المقولات اليهودية الدارجة حول المدينة.

بل تحول مؤخراً إلي قلق دائم لدي اليهود. وهم يحاولون من آن لآخر الإجابة علي التساؤلات المطروحة أمامهم حول تاريخ القدس وتراثها ومدي يهوديتها. وللتهويد الثقافي والإعلامي صور شتي. منها التربوي. ومنها ما يمس مفاهيم ماهية القدس وحدودها. ومنها ما يتعلق بتزييف الحقائق التاريخية حول مدي قدسية القدس لدي اليهود ومنها ما يمس حقيقة الهيكل وهل له مكان ثابت مقدس يجب أن يبني فيه؟.

تعتبر التربية عاملاً حيوياً في بث الأفكار والمعتقدات لدي الشعوب. لذا كان اليهود حريصين علي بث ما يؤيد إدعاءاتهم في القدس وفلسطين من خلال المناهج الدراسية وقصص الأطفال ومن ذلك ما يروي في قصة "ديفيد الصغير" بصورة تغرس أصالة الوجود اليهودي .

حيث تروي القصة ما يلي "في ذلك العام. في أورشليم القدس كان ديفيد صغيراً جداً. عندما هدم الرومان وأحرقوا هيكل سليمان الرائع. بناء علي أوامر الامبراطور تيتوس. قام الرومان بالقتل والنهب. وقطع جنودهم بسيوفهم القوية رؤوس الأطفال الصغار. ولم يتركوا إلا بعض الحجارة المنضدة والتي نسميها حائط المبكي" و"بما أن ديفيد الصغير يركض سريعاً. وهو كذلك يتمتع بالدهاء. فقد أفلت من الجلادين الرومان. ابتداء اليهود الذين خرجوا أحياء بالانتشار في العالم. وهذا الهرب في كل يسمي الدياسبورا". "ها هم اليهود دون وطن. لكن ديفيد الصغير يقول العام القادم في أورشليم". "وبعد الرومان جاء الغازاة البيزنطيون. ثم الفرس.

ثم الصليبيون الذين هم فرنسيون وانجليز وألمان. وقالوا بأنهم هنا لتخليص قبر المسيح. كانوا يحملون صلباناً علي صدورهم وعلي سيوفهم. كانوا رهيبين. فقتلوا كثيراً من اليهود. وليبرروا عملهم احتجوا بأنهم لم يميزوا بينهم وبين العرب. ولمدة طويلة جداً كان الاحتلال التركي. وترك الباشاوات اليهود يقبلون حائط المبكي. كما بنوا سوراً جميلاً حول أورشليم. ومازال ديفيد الصغير دون وطن. لكنه يقول العام القادم في أورشاليم".

ولكن هناك بعد آخر وهو إكساب الرؤية اليهودية لمدينة القدس طابعاً علمياً. وهذا يبدو من خلال نشاط الجامعات والمؤسسات الإسرائيلية. فالبرغم من تسليم الأثريين اليهود بفشلهم في العثور علي حجر واحد من أية بناية تنسبها التوراة إلي النبي سليمان علي الرغم من مرور عشرات السنوات من التنقيبات الأثرية الإسرائيلية المكثفة في العديد من المواقع بالقدس. إلا أنه لم يعثر علي شيء ذا بال يؤكد يهودية المدينة.

وينسب اليهود حجر عثر عليه بالقدس نقشت عليه أسماء الشهور بالحروف العبرية القديمة المشتقة من الأبجدية الفينيقية إلي عصر النبي سليمان وحجر آخر تدل نقوشه علي نسبته للنبي حزقياً في قناة مياه خارج القدس. وقد أدت نتائج الحفائر إلي جوار الحرم القدسي عن الكشف عن ثلاثة قصور أموية كانت مخصصة لإقامة الأمراء الأمويين الذين حكموا المدينة وهو ما مثل خيبة أمل كبيرة لدائرة الآثار الإسرائيلية التي تخضع لها المنطقة حالياً فضلاً عن خيبة الجامعة العبرية وجمعية كشف إسرائيل التي قامت بالحفائر.

وكانت الجمعية السابق ذكرها دعمت برنامج بنيامين مازار الأستاذ في الجامعة العبرية والذي وضع مشروعاً للكشف عن الطبقات الدنيا من الهيكل في موضع الحرم القدسي الشريف وبالقرب منه. وهو ما أدي إلي هدم العديد من الآثار الإسلامية في مناطق الحفر. ولم يعثر اليهود علي أي أثر يعتدد به يعود إلي عصر الهيكل المزعوم.

هكذا أتيحت لليهود وللباحثين عن الآثار وفقاً لما جاء في التوراة فرصة ذهبية للبحث عن مملكة إسرائيل في القدس من خلال التنقيبات الأثرية. ولكن نتائج حفائرهم لم تؤد إلي شيء ذات بال. بالرغم من هذا فهم يعطون مشروع إعادة بناء الهيكل اليهودي بعداً علمياً.

فقد أصدرت الجمعية الجغرافية الإسرائيلية عدداً خاصاً من مجلتها العلمية سنة 1996 عن إعادة بناء الهيكل تضمن مقابلة مع مهندس يهودي حول عمارة الهيكل. وأبحاث عن الهيكل الأول والهيكل الثاني. وكذلك النماذج المعاصرة التي وضعت لبناء الهيكل في موضع قبة الصخرة.

ودراسة أثرية مقارنة بين تصور هيكل هيرود وما هو موجود اليوم في الحرم القدسي وينسبه اليهود إلي عمارة هيكل هيرود مثل الأقصى القديم وهو سلسلة من عقود تمثل قبواً أسفل المسجد الأقصى فضلاً عن حائط البراق. وصدور هذا العدد من مجلة علمية معترف بها في الغرب يوحي بجدية وأصالة الادعاءات الإسرائيلية. بل ويستخدم هذا العدد كمرجح للمقالات الصحفية والبرامج التليفزيونية.

بل وامتد الأمر إلي إقامة معارض أثرية تضمنت بعض ما نتج عن حفريات القدس ونسب إلي اليهود بطريق لي ذراع النتائج العلمية. وتسويق هذه المعارض سياحياً يصاحبها أدلة بلغات عديدة. وهو نوع من الدعاية الإعلامية التي تأخذ صبغة علمية "صورة رقم 1".

استعان اليهود بعلم الآثار كوسيلة لتدعيم تصوراتهم حول القدس فاكتشاف الماضي يوفر عاملاً حاسمًا في بناء الهوية السياسية أو تأكيد الحاضر. وهو ما يوفره علم الآثار لليهود. ولذا نراهم يحرصون علي أن تكون جميع الرموز الوطنية الإسرائيلية مستمدة من عناصر ذات طبيعة تراثية. مثل شعار الدولة. والأوسمة والنياشين. وطوابع البريد والنقود.

علي الجانب الآخر مازال العرب مغيبين في مجال الدراسات الأثرية التي تتعلق بفلسطين خاصة في عصور ما قبل التاريخ التي يركز عليها اليهود حالياً لإثبات وجودهم في فلسطين بصفة عامة والقدس بصفة خاصة. بل إن التركيز علي تراث المدينة الإسلامي لم يخرج عن الحرم القدسي. ولذا بات من الملح الاهتمام بهذا المجال كجزء من الخطاب السياسي الإسلامي والعربي الخاص بالقدس.

فوضع خريطة طبوغرافية لتطور عمران القدس من عصور ما قبل التاريخ حتي العصر الحديث أمر حيوي. خاصة إذا أردنا الحديث عن ملكيات الأوقاف الإسلامية في المدينة التي استولت عليها إسرائيل. ومع توافر الوقفيات الأيوبية والمملوكية والعثمانية التي توضح بالتفصيل الدقيق عمران المدينة في هذه العصور وملكيات الأراضي والمباني بها وبالمناطق المحيطة بها والتي أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزأ من المدينة. إن هذا العمل لا شك سيكون مفيداً للباحثين وللسياسيين حين حديثهم عن المدينة كجزء من مقدسات وأملاك المسلمين التي لا يجوز التنازل عنها.

تزخر القدس بتراث معماري فريد يبدأ من الحرم القدسي حتي باقي آثار المدينة والتي تتنوع ما بين:

1- بيمارستانات. ومن أشهرها البيمارستان الصلاحي الذي أقامه السلطات صلاح الدين الأيوبي في سنة 583ه/1187م. بعد فتحه للقدس. وقد رحل عن القدس تاركاً القاضي ابن شداد. ليعتني بعمارة البيمارستان. وقد وقفه صلاح الدين علي كافة أبناء القدس ليعالجوا فيه مجاناً. ورتب فيه دروساً لتعليم الطب فيه. وقد تعرض البيماستان إلي زلزال في القرن 9ه/15م. ولم يتبق من البناء الأصلي للبيمارستان إلا جزء بسيط. وهو يستخدم حالياً كبازار.

2- الخانات والأسواق والوكالات. أحصي منها في القدس الدكتور كامل جميل العسلي 16خانًا وهو في حصره يخلط بين الخانات القياسر وهي الأسواق المبنية والوكالات. وهذا الخلط ناتج عن التداخل بين وظائف هذه المنشآت. انتشرت هذه المنشآت بين أحياء المدينة وقد وقف ريعها علي المنشآت الخيرية والدينية بالمدينة. ومن أبرزها قيسارية السلطات التي أنشأها السلطان المملوكي برقوق سنة 788ه. وسوق القطانين الذي شيده الأمير المملوكي تنكز. وهو يقع بالقرب من الحرم القدسي الشريف. وخان الفحم وخان الخاصكية.

3- الحمامات: ومنها حمام عين الشفا وحمام العين وحمام باب الأسباط وحمام السلطان وحمام السيدة....... إلخ.

4- الأسبلة. تنتشر الأسبلة في مدينة القدس. ومن هذه الأسيلة سبيل السلطان قايتباي "صورة رقم 1" الذي يعد أشهر أسبلة القدس. وهو يقع بالقرب من الحرم القدسي. وقد سقف بقبة حجرية رائعة لفتت انتباه الرحالة الأجانب. ومن أسبلة القدس الآخر سبيل باب الناظر وسبيل باب الخليل وسبيل البديري وسبيل باب خان الزيت ودرج الواد وسبيل باب حطة وسبيل السيدة مريم.

5- التكايا. أشهرها تكية خاصكي سلطان. التي شيدتها زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني خرم المشهورة بروكسلانا. هذه التكية كانت مجمعاً معمارياً ضخماً ملحقًا به منشآت عديدة منها مدرسة وأماكن لإقامة الصوفية وزوار القدس ومطبخ لإطعام نزلاء التكية وفقراء القدس. ولهذه التكية وقفية باللغة التركية مترجمة إلي اللغة العربية ضمن سجلات محكمة القدس الشرعية.

6- المساجد: كانت المساجد تنتشر في القدس لأداء المسلمين بها الصلوات الخمس. ومن أشهرها مسجد عمر بن الخطاب. هذا المسجد أقيم في الموضع الذي صلي فيه عمر بن الخطاب في القدس. بعد تسلمه المدينة. وكان الخليفة عمر بن الخطاب قد رفض الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا يقيم المسلمون مسجداً في المكان الذي يصلي فيه خليفتهم. احتراماً من عمر أماكن العبادة الخاصة بالديانات الأخرى بالمدينة وإقراراً منه بحرية العبادة في المدينة المقدسة من المسيحيين والمسلمين علي حد سواء.

لقد عني المسلمون بهذا الجامع منذ إنشائه. فقد جددوا بناءه في سنة 589ه/1193م. في العصر الأيوبي. وأعادوا بناء مئذنته في سنة 870ه/1465م. في العصر المملوكي. وهي مئذنة مربعة الشكل جميلة التكوين. وهذا المسجد ذو رمزية سياسية عالية إذ أنه يمثل السياسة التي اتبعها المسلمون في المدينة تجاه الديانات الأخري. إلي جانب رمزيته كمكان صلي فيه فاتحو القدس من المسلمين.

7- المدارس. حرص أغنياء المسلمين وحكامهم علي تشييد المدارس في القدس خاصة في الحرم القدسي والمنطقة المجاورة لها. وهذه المدارس كانت تدرس العلوم الشرعية والفلك والرياضيات والحديث الشريف وعلومه. ومن أبرز هذه المدارس المدرسة الأشرفية التي شيدها السلطان قايتباي. المدرسة التنكزية التي شيدها الأمير تنكز الناصري "صورة رقم 2". المدرسة الجاولية التي شيدها الأمير علم الدين سنجر الجاولي.

هذه المنشآت وغيرها كثير بالإضافة إلي كنائس الطوائف المسيحية وأديرتها التي تكتظ بها المدينة. ومنها. كنيسة القيامة التي تضم قبر المسيح والكنائس المقامة علي جوانب طريق الآلام. وللأقباط في القدس العديد من دور العبادة أبرزها دير السلطان. وهو ملاصق لكنيسة القيامة من الناحية الجنوبية الشرقية. وفيه كنيستان كنيسة الملاك. وكنيسة الحيوانات الأربعة.

دير مار أنطونيوس. ويعرف بالدير الكبير وهو ملاصق لكنيسة القيامة من الناحية الشمالية الشرقية. وفيه كنيسة القديس أنطونيوس. وكنيسة الملكة هيلانة. وبالرغم من أن الحج من الشعائر المهمة لدي الأقباط إلا أن الكنيسة القبطية أصدرت قراراً بتحريم أداء هذه الشعيرة طالما أن القدس تحت هيمنة الدولة الصهيونية.

إننا نستطيع من خلال وثائق القدس وآثارها المعمارية التي مازالت باقية إلي اليوم الإسلامية والمسيحية رسم صورة متكاملة للقدس في العصور المختلفة. وتحديد ملكية أراضيها خاصة ما يقع في ملكية الأوقاف منها. ومما يساعد علي ذلك أن الوقفيات وسجلات محكمة القدس الشرعية تحدد حدود كل منشأة وأبعادها والطرق التي تقع عليها ومكوناتها والأراضي التي وقفت عليها إن كانت منشأة دينية أو خيرية أو منشأة اقتصادية تدر ريعاً.

إن هذه الخريطة الطبوغرافية التاريخية ستساعد بلا أدني شك في استرداد الأراضي التي استولت عليها سلطات الاحتلال الإسرائيلي. سواء في القدس أو في باقي أراضي فلسطين المحتلة. لقد فهم اليهود أهمية وثائق القدس فقاموا في 18 نوفمبر 1991م بالاستيلاء علي بعضها من مبني المحكمة الشرعية في المدينة.

إن التصور الإسرائيلي يطرح القدس وكأنها مدينة خالية من البشر والعمران. إحدي دور النشر الغربية عكست هذا التصور حين نشرت كتاب ديفيد روبرت "الأرض المقدسة" وديفيد رحالة اسكتلندي رسم العدي من اللوحات لمصر وفلسطين بين عامي 1838 و1839 وسجل مع هذه اللوحات انطباعاته عن الأماكن التي مر بها. وإلي هذا الحد الأمر ليس فيما يثير أي تساؤل إلا أن دار النشر التي أعادت نشر اللوحات عام 1990م وتعليقاتها تمر دون أن ترفق بها سردًا تاريخيًا للأب كروللي لا يمت لعلم الآثار بصلة قدر ما يمت بصلة قوية إلي الرائج من روايات وخرافات العصور الوسطي.

ففي وصفه لا وجود للعرب وإنما هناك التسمية الخطأ التي يتعمد بعض الأوروبيين استخدامها وهي "السرسيون" نسبة إلي السيدة سارة. ولا يرد ذكرهم إلا في سياق أنهم سبب معاناة المدينة المقدسة القدس تلك التي لا ترتفع معاناتها إلا مع سيطرة الصليبيين عليها!

ويستند وصف الأمكنة إلي مخيلة كروللي المستمدة من روايات التوراة علي رغم من إثبات الدراسات الآثارية حديثاً شكوكاً واسعة حول صحة روايات التوراة حتي أن العديد من علماء الآثار الغربيين بدأوا يصرفون النظر عن اعتماد التوراة كمرجع للأبحاث الأثرية في فلسطين لتناقض ما جاء بها مع المكتشفات الأثرية الحديثة.

تصور لوحات ديفيدي روبرت مشاهد من خارج المدن ولا تصور الحياة داخلها "صورة رقم 3. 4. 5". وغالباً حين يصور البشر يصورهم في حالة استرخاء. وتظهر بلوحاته الأرض حول القدس علي سبيل المثال وكأنها صحراء جرداء خالية من العمران والبشر.

هنا تتقدم دار النشر لتقدم لعبة ذكية لخدمة مقولة الأرض الخالية التي روجت لها الصهيونية. بأن أرفقوا مع كل لوحة من لوحات ديفيد صورة فوتوغرافية حديثة للموقع نفسه. وبالمقارنة يظهر الفرق الشاسع بين موقع يكاد يكون صحراوياً في ثلاثينات القرن التاسع عشر وبين الموقع نفسه المحتشد بالعمران في أواخر القرن العشرين. توحي هذه المقارنة بالأيدي البيضاء للصهيونية علي القدس بصفة خاصة وفلسطين بصفة عامة.

الكتاب بهذا المعني صورة أعيدت صياغتها لتلاءم أغراض الحاضر الصهيوني كما يذكر الكاتب الفلسطيني محمد الأسعد. ليس لأن شروحات كروللي تشير إلي "أرض إسرائيل" قبل قيام دولة بهذا الاسم فقط. بل لأن المنحي كله يود أن يقول إن الأرض الخالية التي شاهدها روبرت لم تعد خالية.

وربما لهذا السبب عمد ناشرو الكتاب إلي تصديره بكلمة لعمدة القدس المحتلة تيدي كوليك. وإلي وضع خرائط للأراضي المقدسة تطابق بين الجغرافية الخيالية للتوراة والجغرافيا الطبيعية لفلسطين. هذا الكتاب يمثل واحداً من عشرات الكتب التي يتم بها تغذية الوجدان الثقافي الغربي. وهو نموذج صافي لنظرة ثقافية غربية لا تري في المشهد الثقافي العربي غير مسار التاريخ التوراتي.

الصورة هنا صورة قدس جديدة رأي اليهود أن تشيع في العالم سواء من خلال الكتاب الذي يقدم مسار رحلة الحج التاريخية إلي مسيحي العالم كما رآها رحالة في القرن 19. وكما رأتها دار النشر في القرن العشرين. هذه الصورة هي للقدس عاصمة إسرائيل الأبدية. التي سعي اليهود إلي تكريسها حتي أصبحنا نحن العرب نتقبل جانبًا من هذه المقولات كحقيقة صادقة لا تقبل النقاش. فالقول بوجود قدسين شرقية وغربية. أشبه بالهراء.

إذ لا توجد سوي قدس واحدة. هي المدينة القديمة وضواحيها. التي هي عاصمة فلسطين المحتلة. ومنشأ شيوع هذا الخطأ السياسيون ووسلاء الإعلام. إذ كانت القدس حتى عام 1917م. ومنذ ذلك التاريخ بدأت الهوية العربية للقدس في التغير خلال فترة الانتداب البريطاني الذي منحته عصبة الأمم لبريطانيا في عام 1922 علي فلسطين. وترتب علي ذلك زيادة هجرة اليهود لفلسطين. وبدأت ديموغرافية القدس في التغير.

وتضاعف عدد اليهود فيها في الفترة من 1917 إلي 1948م ليقفز من ثلاثين ألفاً إلي حوالي مائة ألف بنهاية فترة الانتداب. اغتصب اليهود القدس علي مرحلتين في المرحلة الأولي عام 1948م استولوا علي القدس الجديدة وضموا إليها المدن العربية المحيطة بها. كان يسكن هذه المدينة فلسطينيون عرب ويهود.

وقد سكنت الأغلبية من أهالي القدس العرب في خمس عشرة ضاحية سكنية في القدس الجديدة وامتلكت ثلاثة أرباع أراضيها ومبانيها. وكانت المناطق العربية تفتقر إلي الحماية تماماً ولذا احتلت إسرائيل ثلاث عشرة ضاحية منها وبذا يكون من الخطأ أن نتصور أن اليهود في 1948 استولوا علي الجزء الغربي اليهودي من المدينة بينما فرض العرب سيادتهم علي الجزء العربي.



*باحث وكاتب مصري
جريدة "الجمهورية " المصرية
31/12/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.