ايهاب العشري تأخذٌ الإنسان الدهشة ويتملّكه العجب حينما يشاهد كثيراً من البرامج الحوارية وخاصةً التوك شو منها. فلأول وهله يتملكُكَ إحساسٌ بشع تشعر من خلاله أن سقف المنزل الذى تسكن فيه قد يسقط على رأسك أو أنك ربما تستيقظ من نومك فتجد نفسك فى بلدٍ غير التى تعرفها ومع أُناسٍ غير الذين تربيت معهم. كلُ شئٍ أصبح مُمل، كلُ شئٍ أصبح فاسد، تشعر وكأن الفساد يحيط بك من كل جانب حتى فى الهواء الذى تتنفسه وفى الماء الذى تشربه وأيضاً فى الطعام الذى تأكله .
حاله من الإحباط واليأس تسيطر عليك تماماً وأنت تُقلّب قنوات التلفاز أو حتى صفحات المجلات والصُحف. ما الذي يُريد توصيله الإعلام بالتحديد؟ لا نعرف.
قد تستمر في مشاهدة برنامج لمدة ساعة أو حتى ساعتين وفى النهاية تجد نفسك لم تخرج بشئ غير الصُراخ والضجيج وربما تصفية الحسابات فى بعض الأحيان. وإن كُنتُ أنا شخصياً أتفقُ مع كثيرٍ من زملائى بحكم إنتمائي لمهنة الإعلام على هذا الطرح فلابد من محاربة الفساد والفاسدين والمفسدين والضرب بيدٍ من حديد على كل من تُسول له نَفْسُه المساس بمقدرات هذا البلد الجميل المِعطاء صاحب الحضاره التى تمتد لآلاف السنين. نحن جميعاً كإعلاميين ومثقفين ومواطنين عاديين ضد مايُحاك لهذا البلد من فساد وإفساد. لكن لابد من إبراز الوجه الآخر للصورة. فالبلد مازال بخير. قد يكون به كثير من الأمراض والعِلل غير أنه لم ولن يحتضر أبداً. وأنا هنا أختلف مع أستاذي الكاتب الكبير/ أنيس منصور حينما وصف الحالة المصرية في جريدة المصري اليوم الأُسبوع الماضي بأن مصر { بلد مريض وأُمه تحتضر }. هناك الكثير من الإيجابيات التي يجب أن يراها الخطاب الإعلامي من باب إحقاق الحق وأيضاً من باب بث روح الأمل والتفاؤل فى نفوس المصريين. هناك 50 % من الشعب تحت سن الثلاثين وهذا يدل على أن الأُمه المصريه أُمه فَتيّه بشرط أن يتم الإستفادة من هذه الطاقات البشرية بشكل يحترم تنمية هذا البلد وهذا دور الحكومة والذى أظنُ أنها مازالت مقصّرة فيه إلى حدٍ كبير حتى الآن. هناك ملايين الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة تنتظر من يزرعها ليُخرج منها الخير الكثير بشرط ألا يتم توزيعها على أصحاب الحظوة والنفوذ مع إلزام كل من يأخذ من هذه الأراضي بالإستصلاح فى مدة أقصاها خَمْسُ سنوات على غِرار مايحدث فى أراضى المدن الجديدة. هناك الثروة السمكية الهائلة التي تخرج من رزق الله دونما تعب أومجهود بشرط أن تصل إلى المواطن البسيط بأسعار معقولة. هناك المفكرون والمثقفون والمبدعون وأصحاب براءة الإختراع والذين لا يعلم بهم أحد لأن الشللية والمحسوبية قد ألقت بظلالها فطمست نور وعلم هؤلاء فلم يعد يصل إلينا منه إلا القليل. دعونا نُركّز ياسادة في كل ما يطرح من الحلول الإيجابية فلا ينبغي أن يكون الهدف كُلّهُ مُركّز على إبراز السلبية دونما التفكير المباشر في الحلول. وإذا كانت الحكومة لا تُريد الحلول من وجهة نظركم فلنطرح نحن الحلول عبر القنوات الشرعية وأعتقدُ أنها كثيرة ولا نتهاون فى ذلك من أجل مصلحة هذا البلد حتى يصبح الحوار الإعلامى حوار إصلاح وتطوير لا حِوار تصفيه حسابات وتضييع للوقت. *كاتب وإعلامي وخبير تنمية بشرية مصري