طريق النجومية معبد بالطائرات والصواريخ مازن حماد لا يريد فلاديمير بوتين مواجهة مع الغرب لكنه مصمم على استعادة التوازن الاستراتيجي بين بلاده والولاياتالمتحدة. هكذا يلخص الكثير من المحللين والمراقبين موقف الكرملين ومسلكه بعد أن قرر التمرد على المعادلة التي سادت في اعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي قبل عقدين وجعلت موسكو نجماً منطفئاً يسبح في الفلك الاميركي. هذا النجم استعاد ألقه ويريد ان يتعامل مرة اخرى نداً لند مع الدولة الأعظم التي فوجئت بروسيا جديدة تبحث عن دورها المفقود ، أو بالاحرى دورها المخطوف. لكن الطريق الى النجومية معبد بالطائرات والصواريخ وبسباق التسلح والحرب الباردة ، لا بالنوايا الحسنة والتواضع. لذلك كان من الطبيعي بعد أن كشرت روسيا عن أنيابها في الشهور الأخيرة ، أن يعلن بوتين في معرض جوي قرب موسكو هو الأضخم في تاريخ روسيا الحديث ، عن خطط طموحة لإحياء قوة روسيا العسكرية واستعادة دورها كمنتج رئيسي للاسلحة في العالم. وكان من الطبيعي أن نسمع الرئيس الروسي وهو يتعهد بعبارات قوية ، بأن يجعل صناعة الطائرات اولوية لبلاده بعد سنوات من التخلف والتلكؤ. جاءت ملاحظاته هذه بعد قراره الاسبوع الماضي استئناف الرحلات الطويلة للقاذفات الاستراتيجية القادرة على ضرب الولاياتالمتحدة بالقنابل النووية ، كما جاءت تلك الملاحظات على خلفية تدهور خطير في العلاقات بين موسكووواشنطن ، فقد الغت القيادة الروسية اتفاقية مع حلف الاطلسي تحدد حجم القوات التقليدية في اوروبا ، ونددت بخطط الولاياتالمتحدة نشر درع صاروخي في بولندا واقامة محطة رادار في تشيكيا وهما دولتان كانتا ضمن الكتلة السوفياتية السابقة. لقد أحست موسكو - ولديها الحق فيما احست به - ان اميركا تحاصرها بالاطلسي وبالقواعد العسكرية وبالاتفاقيات الاقتصادية ، غير ان التحسن الكبير في مداخيل النفط والغاز الروسية منحها القدرة على تمويل مشروع طويل الأمد للوقوف في وجه الاستقرار الاميركي بالسيطرة على اوروبا والعالم. ليس سراً أن قرار القيادة الروسية بتحدي الارادة الاميركية بكل تصميم وقوة يأتي في وقت تعاني فيه الولاياتالمتحدة من ضعف شديد على امتداد العالم سببه الرئيسي اخفاقاتها المتواصلة في حربيها على العراق وافغانستان ، كما أنها تعاني من مديونية عالية جراء ارتفاع اسعار النفط وانفاقها على هاتين الحربين الخاسرتين ، لذلك أصبح من الطبيعي ان نرى الجنرال يوري باليفسكي رئيس الاركان الروسي يحذر جمهورية تشيكيا من ان سماحها للولايات المتحدة باستخدام أراضيها لبناء محطة رادار اميركية يمثل خطأ كبيراً ، وان عليها أن تؤجل قرارها في هذا الخصوص الى ما بعد انتخابات الرئاسة الاميركية العام المقبل لأنه لا يستبعد ان تعيد الادارة الجديدة في واشنطن النظر في قرارات الادارة الحالية بشأن التوسع الصاروخي في اوروبا بحجة واهية وهي التعرض للصواريخ الايرانية والكورية الشمالية اذا اطلقت باتجاه الولاياتالمتحدة. لقد تباهى بوتين في كلمته خلال حضوره المعرض الجوي الضخم بالقدرات الاقتصادية الروسية التي ستمكن بلاده من ايلاء أهمية خاصة للتكنولوجيا والمعلومات ، في حين أكد مساعدوه أن بلادهم ستنتج قريباً أجيالاً جديدة من طائرات توبوليف القاذفة العملاقة من طرازي «160» و«95» اللذين يستخدمان في الدوريات النووية خلال تحليقهما الحالي المستمر في الاجواء الدولية ، وهو اجراء كان متوقفاً منذ العام 1992. ويعترف المحللون بأن روسيا خطت خطوات مهمة من الان في المجال التكنولوجي المؤثر بانتاجها صاروخ إس - 400 الجديد ، وصواريخ اعتراضية صنفت بأنها أفضل من «باتريوت» الاميركية ، كما شوهد في المعرض صاروخ جديد أسرع من الصوت ، من طراز «ميتيوريت - إيه» ، وجيل جديد من مقاتلات سوخوي - 35 المعدلة والمجهزة بمحركات جديدة ورادار جديد ، وميغ - 29 ذات القدرات الأخاذة وخصوصاً في المناورة. غير ان التركيز الروسي لا يقتصر على الطائرات العسكرية ولا على الصواريخ والاعتدة الحربية المختلفة ، اذ اتخذت موسكو قراراً آخر باستئناف بناء الطائرات المدنية على نطاق واسع. وكانت روسيا او بالاحرى الاتحاد السوفياتي ، ينتج في الستينات والسبعينات من القرن الماضي طائرات مدنية اكثر من اي دولة في العالم بعد الولاياتالمتحدة. وبعد انهيار الاتحاد قلصت الحكومة الروسية الفقيرة الانتاج المدني للطائرات ، فيما استمرت صناعة الطائرات العسكرية لتلبية طلبات الهند والصين من السوفوي والميغ. وكما يقول الروس ، فان بوتين لا يريد فقط استعادة التوازن مع الاميركيين في المجال الاستراتيجي غير التقليدي فحسب ، بل يريد ان يجعل روسيا الثالثة في انتاج الطائرات المدنية بعد البوينغ الاميركية والايرباص الاوروبية. وتفيد الاحصائيات بأن الخطوط الروسية تمتلك حالياً 2500 طائرة قديمة منها مائة غربية ، لكنها تنوي بناء 4500 طائرة جديدة بحلول عام (2025). وقد انشئت لهذا الغرض مؤسسة طيران مملوكة للدولة وتم رصد اكثر من (200) مليار دولار لانجاح المشروع. بعد كل هذا لم يعد ممكنا بالنسبة للولايات المتحدة ان تستخف بتلك التوجهات الروسية لانتاج الطائرات العسكرية ولم يعد ممكنا التقليل من أهمية تلك التوجهات. فما تفعله موسكو في الواقع يندرج في اطار خطة قومية بعيدة المدى سيواصلها النائب الاول لرئيس الوزراء سيرجي إيفانوف خليفة بوتين المؤكد والذي جلس الى جانبه لدى افتتاح المعرض الجوي قبل يومين.