معضلة المعضلات د.هاني شادي بعد لقائه الرئيس الأميركي جورج بوش في السابع من يوليو الجاري على هامش قمة الدول الثماني الكبار في اليابان ،أعلن الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف عدم تحقيق تقدم بين موسكووواشنطن في ما يتعلق بالدرع الصاروخية الأميركية. ميدفيديف عبر عن أمله أيضا في مواصلة المشاورات بين البلدين بهذا الشأن. وفي اليوم التالي وصلت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى براغ ووقعت اتفاقية مع الحكومة التشيكية بشأن نشر محطة رادار كبيرة تعمل ضمن منظومة الدرع الأميركية. ومن المعروف أن موسكو تعارض بشدة الخطط الأميركية في هذا المجال وتعتبرها تهديدا لأمنها القومي وليست موجهة كما تدعي واشنطن إلى مواجهة ما يسمى بالخطر الإيراني. وكان الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين اقترح على نظيره الأميركي استخدام محطة الرادار التي تستأجرها روسيا في أذربيجان ومحطة الإنذار المبكر التي يجري إنشاؤها في جنوبروسيا بشكل مشترك لأغراض منظومة الدفاع المضاد للصواريخ. كما عرض على بوش خلال لقائهما في كينيبانكبورت في الثاني من يوليو 2007 إنشاء مركزين لتبادل المعلومات حول عمليات إطلاق الصواريخ في موسكو وبروكسل. غير أنه وبعد انتظار طويل بعثت الولاياتالمتحدة بردود رسمية خطية على المقترحات الروسية وصفتها موسكو بأنها مخيبة للآمال. وعادت روسيا من جديد ، وفي عهد بوتين أيضا ، واقتراحت إنشاء منظومة صاروخية دفاعية أوروبية مشتركة مع الولاياتالمتحدة وأوروبا تدار على أساس متكافئ. غير أن واشنطن تجاهلت أيضا هذه المقترحات. ويبدو أن موسكو تعلم أن واشنطن ماضية في خطتها بشأن الدرع ، ولذلك لم تركن إلى تصريحات الرفض وتقديم المقترحات . فقد جمدت مشاركتها في معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا ، كما شرعت في تطوير منظومات صاروخية يمكن لها أن تخترق أو تشل الدرع الأميركية في حال نشرها في أوروبا الشرقية. كما بدأت في إعادة التفكير في معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى الموقعة مع واشنطن في العهد السوفيتي. ويبدو أن الروس يدركون جيدا أن الدرع الصاروخية الأميركية التي يمكن أن تنتشر مستقبلا كالفطر ( ليس فقط في تشيكيا وبولندا بل وفي بلغاريا والمجر وليتوانيا وتركيا ، ناهيك عن بريطانيا والنرويج) تهدف في المقام الأول إلى محاصرة روسيا وتقليل قدرتها على الردع النووي ، أي التقليل من فاعلية الترسانة النووية الروسية. وتراهن روسيا على التباين في المواقف داخل أوروبا بشأن الخطط الأميركية ، كما تراهن على الرأي العام في أوروبا الشرقية وعلى الخلافات الحالية بين بولندا وأميركا في عرقلة نشر الدرع الصاروخية الأميركية. ويأمل الروس أيضا أن تتخلى الإدارة الأميركية الجديدة عن الفكرة أو توافق على المقترحات الروسية بشأن الدفاع الصاروخي المشترك في أوروبا. وفي نفس الوقت تستخدم موسكو لغة التهديد والوعيد للضغط على حكومات أوروبا وشعوبها لإقناعهم بمعارضة الخطة الأميركية. فقد أكد العسكريون الروس أكثر من مرة أنهم على استعداد لتصويب صواريخهم نحو عناصر الدرع في أوروبا الشرقية ، بما في ذلك تصويب الصواريخ ذات الرؤوس النووي. ويرى الجنرال بوجينسكي ، وهو مسؤول كبير بوزارة الدفاع الروسية ، يرى أن الحل الأفضل هو تخلي الولاياتالمتحدة الأميركية عن نشر درعها الصاروخي في أوروبا. وفي نفس الوقت يعتقد الجنرال الروسي أن البديل الأفضل هو إنشاء منظومة لمواجهة التهديدات الصاروخية المحتملة تشترك فيها روسياوالولاياتالمتحدة وأوروبا على نحو متكافئ. وهكذا ستظل معضلة الدرع الصاروخية الأميركية من معضلات العلاقات الروسية الأميركية خلال الفترة القادمة ، ولا أحد يمكنه حاليا التكهن بكيفية التغلب عليها أو التفاهم عليها بين موسكووواشنطن. عن صحيفة الوطن العمانية 9/7/2008