العراق ك(جسر) بين العرب وايران محمد خرّوب يستعد عمار الحكيم لخلافة والده عبدالعزيز في رئاسة المجلس الاسلامي الأعلى العراقي، منذ فترة ليست قصيرة وخصوصاً بعد أن اكتشفت اصابة الحكيم الاب بالسرطان ثم خلال جلسات علاجه الطويلة في العاصمة الايرانية وحتى بعد عودته الى بغداد وما تم ترويجه من ان الأب قد استعاد عافيته وانه عاد لمزاولة اعماله في رئاسة المجلس ورعاية جناحه العسكري (قوات بدر) التي قيل أنها قد سلمت سلاحها ولم تعد ذراعاً عسكرياً للمجلس وإن كانت ما تزال محافظة على بنيتها التنظيمية (إقرأ الميلشياوية) المستقلة ولها ممثلون داخل البرلمان العراقي وإن بدا أنها في اطار قائمة المجلس الاعلى المؤتلفة مع حزب الدعوة برئاسة نوري المالكي في اطار الائتلاف الشيعي (الرباعي سابقا) بما هو مقتصر عليهما بعد تصدع هذا الائتلاف بانشقاق حزب الفضيلة والخروج المبكر للتيار الصدري منه. كانت راجت شائعات ايضا عن ان الحكيم الابن سيقود المجلس الاعلى فيما سيتفرغ الحكيم الاب لشؤون الفتوى والدراسة والاجتهاد ليغدو أباً روحياً للمجلس الأعلى ومرجعية له في قضايا الفقه والتشريع.. لكن شيئاً من هذا لم يحدث بعد ويبدو أن الظهور المفاجئ لعمار الحكيم في مصر مؤخراً، قد أعاد الاعتبار الى مثل هذا السيناريو الذي بات مرجحاً بعد أن كثرت تصريحات الحكيم الابن وزياراته الخارجية على نحو يبعث على الاعتقاد بأن المقصود هو خلق مناخات واجواء ملائمة لبروز عمار الحكيم في مقدمة المشهد العراقي الجديد حيث تؤشر الدلائل الى ان العراق يستعد لعبور مرحلة جديدة ربما تكون مغايرة او انقلابية على تلك التي ميزت السنوات الخمس التي انقضت على احتلال العراق والذي لم تنجح اطياف المعارضة السابقة في اقناع الشعب العراقي ببرنامجها (إن كان لها ثمة برنامج بل واصلت لعب دور الدمية الذي اختاره لها الاحتلال). المؤشرات تشي بأن اقرار الاتفاقية الأمنية بات مسألة وقت ليس إلاّ وان كل ما نشر من اعتراضات او ملاحظات من قبل حكومة المالكي وبعض التشكيلات او التكتلات السياسية والحزبية لم يكن سوى بالونات اختبار او ذرٍ للرماد في العيون، لأن بنداً واحداً من الاتفاقية لم يتغير ولأن - وهذا هو الأهم - القوى ذات التأثير والنفوذ في العراق تؤيد بشدة بقاء القوات الاميركية في العراق بذريعة أن انسحابها المبكر وغير المبرمج سيؤدي الى انهيار العراق وتقسيمه واضاعة المكاسب (..) الأمنية التي تحققت من خلال عملية فرض النظام والقانون التي جرت في بغداد من شباط 2007 بقيادة الجنرال بتريوس وتواصلت في البصرة والموصل وديالي والحلة ودائماً الانبار التي يشار اليها كتجربة ناجحة بامتياز بعد ان تم استقطاب عشائر السّنة وتشكيل قوات الصحوة بقيادة عبدالستار بوريشه (نقلت رئاستها لأخيه بعد اغتيال الأول) لمحاربة تنظيم القاعدة وطردها الى محافظات اخرى. لماذا الحديث عن عمار الحكيم الان؟. الحكيم الابن هبط في قاهرة المعز لاجراء مباحثات سياسية، وطبعاً لا أحد ينكر أهمية وتأثير مصر في المشهد العربي، ومجرد اختياره القاهرة لاطلاق ماراثون خلافته الوشيكة لوالده تشي بأن ثمة محاولة لاستثمار لعبة المحاور في المنطقة رغم ان من الصعب احتساب الحكيم الابن والاب والمجلس الأعلى وبالتأكيد حزب الدعوة وزعيمه نوري المالكي على القاهرة أو أي محور عربي، بل هو ووالده وحزبهما الأقرب الى طهران منها الى أي عاصمة عربية اخرى. ليس مفاجئاً والحال هذه ان يخرج الحكيم الابن ومن القاهرة بتصريحات ذات مضامين لافتة، أحسب ان التوقف عندها والبحث عن المسكوت عنه بين سطورها يمكن أن ينبئ عن السياسة والتوجهات التي ستحكم هذا السياسي الجديد القادم الى رئاسة حزب يصعب انكار حضوره ونفوذه وتأثيره في مستقبل العراق نظراً لما يتمتع به من جماهيرية ودعم داخل الاوساط الشيعية التي هي الخزان الذي يغرف منه آل الحكيم وحزب الدعوة (نوري المالكي) رغم الضعف الذي بات عليه الاخير بعد انشقاق رئيسه وأحد مؤسسيه عنه وهو رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري وتشكيله حزباً جديداً بغير رداء طائفي او مذهبي او عرقي كما قال في بيانه التأسيسي. ماذا قال الحكيم الابن؟. هو اولاً حمّل الدول العربية مسؤولية نمو النفوذ الايراني في بلاد الرافدين بعد سقوط نظام صدام حسين (..). وهو ايضا كما قال لوكالة اسوشبيتدبرس ان العرب ينسون أن غيابهم عن العراق كان السبب لعدم التوازن في علاقات العراق الاقليمية. وهنا فجّر عمار الحكيم قنبلته.. يمكن للعراق ان يكون جسراً للعرب لبناء شراكة اقليمية مع ايران ولم يخف الرجل الذي سيكثر ورود اسمه داخل العراق وخارجه ان حكومة بلاده تسعى لخلق شراكة استراتيجية بين العرب وايران في محاولة لتخفيف مخاوف جميع الاطراف في المنطقة؟. الحكيم الابن أتخذ موقفاً لافتاً عندما استبعد توقيع الاتفاقية الأمنية مع واشنطن التي كان من المقرر التوقيع عليها بعد يوم غد الخميس نافياً (وهنا أيضاً يلفت الانتباه) وجود تباين في مواقف القوى الكردية والشيعية والسنية من مسألة هذه الاتفاقية (طبعاً يصعب تصديق هذا الادعاء). ولم ينس عمار الحكيم تفسير قيام بعض الدول العربية كالامارات والاردن والبحرين والكويت بتسمية سفراء لها في بغداد في الفترة الاخيرة بالقول: ان هذه الدول قد احسّت بأن حكومة نوري المالكي لا تتبنى سياسات طائفية . انتهى كلام الحكيم الابن لكن دوي تصريحاته ما يزال يتردد. عن صحيفة الرأي الاردنية 29/7/2008